نحو إسلام الرسول

(448) 4/5/2016 (عندما تكون مخالفة «المذهب الأشعري» كفرا وضلالا مبينا)

في المقالات الثلاثة السابقة، ذكرت أنه لا يصح شرعًا أن يتحدث علماء الفرق الإسلامية باسم «الأمة الإسلامية»، ولا أن يتحوَّل البيان النبوي ليصبح بيان المحدثين وعلماء الجرح والتعديل، ولا أن تتحوَّل طاعة الرسول إلى طاعة أئمة السلف والخلف، كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي.
وقلت: إن علماء «مرصد الأزهر»، يتصورون أنهم ومحمد مشتهري يعيشون مع رسول الله في عصر الرسالة، حيث أقوم بنشر مقالاتي ورسول الله حي، وعلى هذا الأساس يتعاملون مع الآيات التي أمرت بطاعة الرسول وحذرت من مخالفته، وبناء عليه يصدرون أحكامهم على مَنْ عصى الرسول وخالف أمره!!

ولغياب «المنهجية العلمية» عن بيانهم، نراهم يتركون عصر الرسالة الذي كانوا يعيشون فيه، ثم يذهبون إلى عصر أئمة السلف، وإلى الفرقة التي ينتمون إليها، وهي فرقة أهل السنة، ويتعاملون مع مسألة طاعة الرسول ومعصيته، على أساس أنها تتمثل في طاعة أئمة أهل السنة ومعصيتهم، فيقولون عن اتباع السلف لرسول الله:

«وقد اتبعه السلف اتباعا صادقا، فاقتدوا به، في كل أمر، واهتدوا به في كل حال، وهكذا يجب على كل مسلم أن يتبع سُنته في كل مكان وزمان، وفي كل حلال وحرام»!!

فأين هم أئمة السلف، الذين اتبعوا سُنة النبي اتباعًا صادقًا، واقتدوا به في كل أمر، واهتدوا به في كل حال، وإلى أي فرقة من الفرق الإسلامية ينتمون؟!

الحقيقة أنهم حصروا طاعة الرسول واتباعه، في طاعة أئمة فرقة أهل السنة والجماعة، وتحديدًا
«المذهب الأشعري»، ويتعاملون مع الآيات القرآنية على أساس أنها نزلت من أجل اتباع «المذهب الأشعري»، وأن المصدر الثاني للتشريع الذي حمل «السنة النبوية» هو الذي يتبعه «المذهب الأشعري»!!

أولا: في سياق حديثهم عن الآيات القرآنية الدالة على حجية المصدر الثاني للتشريع، والتي ذكرنا معظمها في المقالات الثلاثة السابقة، وأن هذا المصدر هو الذي حمل مرويات السُّنة، (طبعًا التي صحّت عند أهل السنة)، يقولون:

«فالآيات السابقة تدل دلالة واضحة على أن السنة هي المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم الذي يمثل المصدر الأول له، ولا يمكن لدين الله أن يكتمل، ولا لشريعته أن تتم إلا بالأخذ بسنة النبي – صلى الله عليه وسلم – جنبا إلى جنب مع القرآن الكريم»!!

ويقولون: «فلو كانت سُنته المطهرة غير محفوظة، أو يمكن أن يلحقها التحريف أو التبديل، فلا يتميّز صحيحها من سقيمها، ما طالب أمته بالتمسك بها من بعده، فيكون قوله مخالفا للواقع، وهذا محال في حقه – صلى الله عليه وسلم – فأمره بالعمل بها يدل على أنها ستكون محفوظة»!!

وهنا نسألهم: أنتم قطعًا تقصدون بـ «المصدر الثاني للتشريع»، الذي حمل «السنة النبوية» المطهرة، المكملة لدين الله ولشريعته، والتي حفظها الله فلم «يلحقها التحريف أو التبديل»، تقصدون «المصدر الثاني للتشريع» الخاص بفرقة أهل السنة؟!

ثم تقولون: «فلا يتميز صحيحها من سقيمها»، ألا يعتبر قولكم هذا دليلا على أن الله لم يحفظ هذه السنة، فاختلط صحيحها بسقيمها، إلى أن جاء جهابذة علم الحديث، عند كل فرقة، ليميّزوا «الصحيح من السقيم»، حسب مذاهبهم العقدية المختلفة، وحسب شروطهم في الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف؟!

ثانيا: يقولون عند تفسيرهم لقوله تعالى في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» أن: «الآية تؤكد على عقوبة الاكتفاء بالقرآن، وتحذر من شدة العقاب يوم القيامة»!!

إن غياب «المنهجية العلمية» عن تدبرهم للقرآن، جعلهم علماء يوظفون الآية لخدمة توجههم المذهبي، دفاعًا عن مرويات السُّنة التي صحت عند محدثيهم، فأخرجوا الآية من سياقها، واستنبطو منها أحكاما ما أنزل الله بها من سلطان!!

فأين نصت هذه الآية، أو غيرها، على عقوبة مَن اكتفى بالقرآن نصَّا تشريعيًّا؟! إن سياق الآية يأمر المخاطبين أن يطيعوا الرسول في ما آتاهم، وأن ينتهوا عن ما نهاهم، وذلك في مسألة محددة تتعلق بموضوع توزيع «الفيء»!!

أما عن قاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، فلا شك أن علماء «مرصد الأزهر» يعلمون جيدًا أن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، فهناك كثير من الآيات يُفهم منها «الخصوصية» ولا يمكن تعميمها، أو يُفهم منها «العمومية» ولا يمكن تخصيصها، حسب السياق الذي وردت فيه، ومن هذه الآيات الآية «٧» من سورة الحشر، وقوله تعالى: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا»، وبرهان ذلك ما يلي:

إن المتدبر للسياق الذي وردت فيه الآية، يعلم أن خلافًا نشب بين المهاجرين والأنصار حول توزيع الرسول للفيء، فنزل القرآن يُبيّن حقيقة هذا الخلاف، فقال تعالى:

« وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ، يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ، وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا، وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ، وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ».

فإذا سلمنا لأئمة السلف بقاعدة «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، وأن فعل «الإيتاء» لا يشمل فقط الفيء، وإنما أيضًا مرويات «السُّنة النبوية» التي لم تكن قد ولدت بعد، فهذا معناه:

أن المهاجرين كانوا يتهمون الأنصار بأن «فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا» من مرويات «السنة النبوية»، لذلك نزل القرآن يدافع عن الأنصار، ويبين أنهم «لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا» من مرويات «السنة النبوية»، فهل هذا كلام يقبله المنطق السليم؟!

إن المتدبر للسياق القرآني، يعلم أن المنافقين كان لهم موقف من توزيع رسول الله للصدقات، فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا ولمزوا، وهذا ما بينه الله تعالى في سورة التوبة بقوله:

« وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ، فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا (مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ)، وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ، إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ».

تدبر فعل «الإيتاء»، الذي ورد في توزيع الفيء في سورة الحشر: «وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ»، وفي توزيع الصدقات في سورة التوبة: «مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ»، لتعلم أن قوله تعالى مخاطبا الصحابة: «وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا» لا علاقة له مطلقا بمرويات «السنة النبوية» المذهبية، التي لم تكن قد ولدت بعد!!

ثالثا: وبعد أن نقلوا عن الدكتور رءوف شلبي أدلته العقلية التي تثبت أن الذكر الذي تعهد الله بحفظه يشمل القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، وهم يعتبرون أن القرآن والسنة هما الرسالة الخاتمة..، قالوا:

«إن الله – عز وجل – قد تكفل بحفظ القرآن والسنة معا، فقيض للسنة رجالا يحفظونها ويرعونها جيلا بعد جيل، من عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ومرورا بعصر الصحابة والتابعين، إلى عهد علماء الحديث والمصنفين، وهذا تحقيق لوعد الله – عز وجل – بحفظ الرسالة الخاتمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»!!

فيا علماء «مرصد الأزهر»: ألا تخافون الله، وأنتم تدّعون أنه سبحانه قيض لكل فرقة من الفرق الإسلامية رجالا يحفظون مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية، جيلا بعد جيل تحقيقا «لوعد الله – عز وجل – بحفظ الرسالة الخاتمة، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها»؟!

إذن فعند أي فرقة من الفرق الإسلامية وجدتم مظاهر حفظ مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية، وأمهات كتب الحديث، والجرح والتعديل، عند الفرق الإسلامية المختلفة، تشهد بكذب هذا الادعاء؟!

ثم إذا كان الله تعالى قد حفظ «السنة النبوية» بعد وفاة النبي وإلى عصر تدوينها، إذن فلماذا نشأ علم الحديث، وعلم الجرح والتعديل؟! وهل حُفظت مرويات السُّنة من الباطل الذي آتاها؟! ألم تحمل مرويات السنة «الإسرائيليات» التي مازال المسلمون يعملون بها إلى يومنا هذا؟!

أليست عقوبة «الرجم» من مرويات السنة، التي تدّعون أنها حملت «البيان النبوي» الذي حفظه الله عن طريق المصدر الثاني للتشريع، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهي لا أصل لها في كتاب الله؟!

هل كان يجرؤ النبي أن يخرج على قومه، ويقول لهم: إن الله قد أوحى إليه بمصدر ثان للتشريع، يُفسر القرآن ويستكمل أحكامه، ومن هذه الأحكام التي استقلت عن أحكام القرآن عقوبة «الرجم»؟!

فماذا لو خرج واحد من قومه، وقال له يا محمد: إن القرآن الذي تدعي أنه كلام الله، قال في مطلع سورة النور: «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، ونحن أهل اللسان العربي نعلم أن الآيات «البَيِّنَات» لا تحتاج إلى من يبيّنها، أو يستكمل أحكامها، ولذلك نسألك:

كيف تنص الآية القرآنية، التي تقول إنها كلام الله، على عقوبة «الجلد»، ثم تأتي عقوبة «الرجم»، التي تُسفك فيها الدماء، بوحي ثانٍ، تقول إنك الذي صغته بأسلوبك، وعبَّرت عنه بكلامك، في الوقت الذي لا تملك البرهان الإلهي على أن كلامك الذي نعرفه، ونعرف أسلوبه، وتعودنا على سماعه منك..، هو وحي يوحى؟!

رابعا: يقولون: «أما الآيات التي تحذر من مخالفته – صلى الله عليه وسلم – فإنها جاءت لتبين أن من خالفه – صلى الله عليه وسلم – فقد ضل ضلالا مبينا، ومصيره جهنم خالدا فيها، وله عذاب مهين، منها: قوله عز وجل في سورة الأحزاب (الآية ٣٦):

(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)».

أقول: لا شك أن الآيات التي أمرت بطاعة الرسول، ونهت عن معصيته ومخالفة أمره، كثيرة، ولو كنت أعيش مع علماء «مرصد الأزهر»، ومع رسول الله في عصر الرسالة، ولم أمتثل إلى قضائه وحكمه، فقد كفرت برسول الله وبرسالته، لأن الله يقول: «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا»، ويقول تعالى: «وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ»

ولكن هل هذه هي الحقيقة؟! هل علماء وفقهاء ومشايخ المسلمين يعيشون اليوم مع رسول الله في عصر الرسالة؟! هل هذا معقول يا أهل الإسلام، يا من تتهمون أعداءكم بالاستهزاء بدين الله وبرسول الله، والحقيقة أنكم أنتم الذين أعطيتموهم مصادركم التشريعية المتخاصمة، ومروياتكم التي حملت أحكامًا ما أنزل الله بها من سلطان، ليستخدموها سلاحًا ضدكم؟!

هل الآية القرآنية التي تحدثت عن قضاء الرسول: «إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا»، تأخذ نفس حجية قضاء المحدثين وحكمهم على «المرويات» التي نسبها الرواة إلى الرسول، بعد وفاته بقرنين من الزمن، كلٌ حسب مذهبه العقدي وشروطه في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!

والغريب أن نجد أن أئمة السلف والخلف، للفرق والمذاهب الإسلامية، يقولون نعم، تأخذ مرويات «السُّنة النبوية» المذهبية نفس حجية ما قاله الرسول وحكم به في عصر الرسالة، ودليلهم على ذلك:

أن جهابذة علم الحديث هم الذين قاموا بتنقية وغربلة هذه »المرويات«، وفصل الصحيح منها عن الضعيف والموضوع!!

خامسا: لقد استخدم علماء «مرصد الأزهر» في بيانهم، جملا وتعبيرات تشير إلى كفري، وإن لم يُصرحوا بذلك لفظًا كعادتهم، ومنها قولهم:

١- «وأما قوله: إننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد ..، فهذا طعن في القرآن وافتراء عليه»!!

والسؤال: إذن فما حكمهم على مَن طعن في القرآن وافترى عليه؟!

٢- «وأما ادعاؤه بأن: السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن؛ فهذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان والحجة»!!

والسؤال: إذن فما حكمهم على مَن قال إن الله حفظ القرآن ولم يحفظ السُّنة؟!

٣- «وبعد.. فماذا يصنع هذا وأمثاله بهذه الحجج القرآنية التي إن قبلها رجع إلى السنة فبطل قوله، وإن لم يرجع، خالف القرآن بزعمه أن الدين اكتمل به دون السنة»!!

والسؤال: إذن، وبناء على ما سبق، فما حكمهم على من خالف الرسول وأنكر سُنتهم المذهبية، واكتفى بالقرآن؟!

إنهم قد أصدروا حكمهم أصلا، عندما قالوا، في الفقرة التي أشرنا إليها في بداية المقال: «من خالفه – صلى الله عليه وسلم – فقد ضل ضلالا مبينا، ومصيره جهنم خالدا فيها»، يعني حكموا عليه بالكفر!!

فهل اطّلع فضيلة الدكتور شيخ الأزهر على بيان علماء «مرصد الأزهر»، ورضي بحكم علمائه، وهو أن من خالف مرويات السُّنة، التي صحت عند أهل السنة والجماعة، وتحديدا عند «الأشعرية»، مصيره «جهنم خالدا فيها»؟!

لقد رفض شيخ الأزهر تكفير «داعش»، حتى وإن ارتكبت فظائع الدنيا كلها، لأنهم يُقرّون بأصول الإيمان، مع أن فضيلته يعلم أن من أصول الإيمان، التي يقر بها «داعش»، أن «مرتكب الكبيرة كافر»، وهذا ما صرَّح به في اللقاء المفتوح الذي عُقد بجامعة القاهرة، في الأول من ديسمبر ٢٠١٥، وقال إن هذا الأصل، أن «مرتكب الكبيرة كافر»، هو الذي جعل «داعش» يستحلون دماء شعوب العالم باعتبارها شعوبًا كافرة، تحكم بغير ما أنزل الله.

فإذا ذهبنا إلى أمهات كتب الفرق والمذاهب العقدية، وجدنا أن من أئمة السلف من قالوا إن «الأشاعرة» من أعظم فرق أهل الكلام غلوًّا في تكفير المسلمين، وتسرّعًا في رمي مخالفيهم به، والسبب هو الخلاف العقدي المعروف والمشهور حول مسائل الأسماء والصفات!!

إن قضية «التكفير» لم تسلم منها فرقة من الفرق الإسلامية، ولا مذهب من مذاهبها العقدية، وهذا أمر بدهي، لأنهم جميعًا يعملون داخل منظومة «التفرق في الدين»، فكافر من أثبت لله من الصفات ما نفته فرقة أخرى، وكافر كل مَن لم يُسلّم بأدلة المذهب التي لم تصح عند مذهب آخر، وعلى أساس هذا التخاصم العقدي سُفكت الدماء، وتفصيل ذلك منشور في عشرات الكتب، ومئات الدراسات المنشورة على شبكات التواصل الاجتماعي!!

إن دعوى براءة المذهب الأشعري من تكفير المخالفين له دعوى غير صحيحة، وتاريخ الصراع العقدي، حول مسائل الأسماء والصفات الإلهية، خير شاهد على ذلك، فهل الخلاف العقدي، بين الفرق والمذاهب الإسلامية، الذي ينطلق من منظومة «التفرق في الدين»، ليس من أكبر الكبائر، التي وقعت فيها هذه الفرق، وهذه المذاهب العقدية؟!

ثم تعالوا نعطي ظهورنا إلى هذا الخلاف، ونتجاهل منظومة «التفرق في الدين»، ونتدبر جميعا كتاب الله المعاصر لنا اليوم، فهل يعلم أئمة الخلف معنى قوله تعالى: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»، ولماذا استخدم الله تعالى هذا التعبير: «وَمَا كَانَ»؟!

إن الله تعالى يريد أن يُبين للناس، أنه ما وُجد المؤمن، وما كان له أن يوجد، هذا الذي يقتل مؤمنًا، إلاّ في حال «الخطأ»، لأن صفة الإيمان تُسلب تماما من القاتل الذي تعمَّد القتل، لقوله تعالى بعدها: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا».

أما قوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا»، فإن هذا الاقتتال كان في بداية «الخناقة»، بدليل قوله بعدها: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»، ثم توجه الخطاب إلى السلطة الحاكمة لتقوم بدورها تجاه المعتدي الباغي: «فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي»، وهنا، وفي حالة البغي، تنتفي صفة الإيمان عن من قتل مؤمنًا متعمدًا، استنادا إلى الآية المحكمة، التي حملت هذه القاعدة العامة: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا».

إن «الخوارج» فرقة من الفرق الإسلامية، حسب تصنيف أمهات كتب الملل والنحل، ومع ذلك هناك من أئمة السلف من كفروهم، وأخرجوهم من ملة الإسلام، لأنهم خرجوا على خليفة المسلمين عليٍّ بن أبي طالب، وسفكوا الدماء عمدًا مع سبق الإصرار والترصّد، في معركة النهروان «٣٨هـ».

واليوم هناك من علماء وفقهاء فرقة «أهل السنة والجماعة» من يقولون إن «داعش» خوارج العصر، «مع أنها طائفة من طوائف أهل السنة»، استنادا إلى وصف الرسول لهم في حديث متفق عليه بين البخاري ومسلم، فقال:

« سَيَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَقْرَأونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ».

يقولون إن قول الرسول: « يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ» دليل على كفر هؤلاء الدواعش الخوارج، وخروجهم من ملة الإسلام.

إن القتل العمد بغير حق، مع سبق الإصرار والترصد، كبيرة من الكبائر تفعلها «داعش» كل يوم، فلماذا لا تستطيع مؤسسة الأزهر تكفيرها، مع وضوح الآيات البينات التي نصت على كفرهم؟!

إن مؤسسة الأزهر لا تستطيع تكفير «داعش»، التي تفسد في الأرض، وترتكب كبائر الدنيا كلها، وتشرك بالله مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، لأنها تعتبرهم من أتباع الفرقة التي تنتمي إليها، فرقة أهل السنة والجماعة، وبدعوى أنهم أقروا بأصول الإيمان، وقد اتضح مما سبق تهافت هذه القاعدة، إذا نظرنا إليها من منظور مصيبة «التفرق في الدين»!!

فإذا ذهبنا إلى المشروع الفكري لمحمد مشتهري، الذي يكتب على أساسه مقالاته، نجد أنه يرى أن كل الفرق الإسلامية، والمذاهب العقدية التي تفرعت عنها: « مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا، كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ »، فهل هذا هو السبب الذي جعل علماء «مرصد الأزهر» يشيرون في بيانهم إلى تكفيره؟!

إن التطرف الديني، والتخاصم المذهبي العقدي، والإرهاب الدموي الذي أصبح ظاهرة تنذر بخطر عظيم، لا سند له من كتاب الله، وإنما سنده مرويات المصدر الثاني للتشريع، الذي يدّعي أئمة كل فرقة، وكل مذهب عقدي من مذاهب الفرقة الواحدة، أنه حمل «السنة النبوية»، المفسرة للقرآن، والمكملة لأحكامه، التي من عمل بها دخل الجنة، ومن عصاها دخل جهنم خالدا فيها!!

إذن فكيف ستتصدّى مؤسسة الأزهر للإرهاب والتطرّف الديني، وعلماؤها على هذا التديّن المذهبي، الذي يُظهر «الوسطية»، وهو ينطلق من منظومة التخاصم و«التفرق في الدين»؟!

وفي المقال القادم، أختم هذه السلسلة من الرد على بيان علماء «مرصد الأزهر»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى