نحو إسلام الرسول

(436) 1/4/2016 (إشكالية أصدقاء الترانزيت)

مازلت أواجه مشكلة كبيرة مع الذين يدخلون الصفحة «ترانزيت»، ويقومون بالتعليق على المنشورات، لمجرد أن العنوان استهواهم، أو شيّره لهم صديق «share»، وينتقدون ما جاء فيها بغير علم، لجهلهم بمشروعي الفكري، وما يحمله من أدوات لتدبر القرآن، واستنباط أحكامه!!

واللافت للنظر، أن الرد على كل الشبهات التي يثيرها «أصدقاء الترانزيت»، والإجابة على الأسئلة التي يطرحونها، موجود على هذه الصفحة، ولكنهم لا يملكون الوقت للاطلاع عليه، ومع أننا نضع لهم الروابط، ليسهل عليهم الاطلاع عليها، فإذا بهم لا يقرؤون، وإذا قرؤوا لا يتدبرون، ويستمرون في جدلهم يعمهون!!

يقول أحدهم، تعليقا على منشور: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ»

[ما علاقة الجمل بسم الخياط؟! ولماذا لم يقل «حتى يلج البعير»، والبعير مذكور نصا في سورة يوسف؟! واذا كان الجمل تعني البعير فهذا ترادف محض في القرءان…، وما علاقة البعير بالإبرة والخيط؟! هل هذا منطقي؟! لماذا لم يقل مثلا «الحبل الغليظ»؟!

ويقول الأستاذ مجدي شحاته: [تفسير الآية الخاصة بعبور الجمل من ثقب الإبرة تحتاج فقط إلى قاموس للغة العربية، ولا تحتاج أي منهج، القرآن لا يحتاج بعد القاموس والعقل والقلب والضمير إلى مفاتيح أخرى. القرآن المفروض أن يكون سهل الفهم، وفي متناول جميع المسلمين الذين قد يفهموه بدرجات متفاوتة العمق، على حسب علمهم وقدراتهم. القرآن لا يجب أن يكون معقدا وعبارة عن مجموعة أسرار و ألغاز تحتاج إلى متخصصين أو نخبة قليلة تفسره لباقي المسلمين]!!

ثم يقول: [أنا مثلا أجد إنه من الغريب أن تبدأ آية بالتحدث عن فرد ثم تنتهي بالتحدث عن جماعة: «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»]!!

ويسألني آخر: [هب أنك كنت غير مسلم، ولست من أتباع محمد «لنفرض مسيحي» ورسالتك غير محفوظة، ولمدة ٢٠٠٠ سنة ، فكيف تعرف أنك على خطأ وأنك من أصحاب النار، وأنت رسالتك محرفة، وأنت عشت وتربيت على أن المسيح ثالث ثلاثة من والديك وبيئتك ومحيطك…]!!

الأصدقاء الأعزاء

أولا: الإسلام دين العلم والعلماء

« فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ » – «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ» – « كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ» – «وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ ».

ثانيا: جهل المسلمين وتخلفهم ليس حجة على الإسلام، وإنما حجة عليهم، ولذلك هم الذين يدفعون إلى اليوم ثمن جهلهم وتخلفهم، وليس الإسلام.

ثالثا: الذين يتعاملون مع كتاب الله ككتاب إلهي، مثله مثل الكتب السابقة، هؤلاء لم يدخلوا الإسلام بعد، فكتاب الله الخاتم، قد حمل في ذاته «الآية العقلية» الدالة على صدق نبوة الرسول الذي جاء به، وهو رسول الله محمد عليه السلام، فيستحيل أن تؤمن بالرسول وأنت لم تؤمن بآيته!!

رابعا: عندما نتعامل مع كتاب الله، باعتباره «آية إلهية» كآيات الآفاق والأنفس، بل هو الذي جمع هذه الآيات وأرشدنا إليها، يجب أن نحمل منهجية علمية، وأدوات تيسر لنا هذا التعامل، لا تقل عن الأدوات العلمية التي يحملها علماء الآفاق والأنفس.

خامسا: نعم وألف نعم: القرآن لا يؤتي ثماره وعطاءه إلا للعلماء، الذين يعلمون البراهين الدالة على صحة ما يقولون، من مصادرها الموثقة علميا، وليسوا هم الذين يحملون «الشهادات» العلمية، فليس كل من هب ودب يتعامل مع القرآن ويستنبط أحكامه.

سادسا: إذا ذهبنا إلى لسان العرب لابن منظور، وكلمة «بعر»، وجدناه يقول: [البعير الجمل البازل «أي الذي انشق نابه في السنة الثامنة أَو التاسعة». والبعير في القرآن الحمار، وذلك أن يعقوب وأخوة يوسف، عليهم الصلاة والسلام، كانوا بأرض كنعان، وليس هناك إبل، وإنما كانوا يمتارون على الحمير، قال الله تعالى: «وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ»، أي حمل حمار، وكذلك ذكره مقاتل بن سليمان في تفسيره].

وعند كلمة «جمل»، يقول ابن منظور: [وقد ذكر عن ابن عباس أنه قرأ: الجمل بتشديد الميم، يعني الحبال المجموعة]، وحكي عنه أيضا: [فأما الجمل بالتخفيف، فهو الحبل الغليظ، وكذلك الجمل مشدد]

إذن فالكلمة القرآنية في اللسان العربي قد يكون لها أكثر من معنى، والذي يحدد المعنى المطلوب هو سياق الجملة القرآنية الذي وردت فيه.

سابعا: فإذا ذهبنا إلى سياق الجملة القرآنية: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ»، وجدنا أنه يستحيل فهمه بالاستعانة بقاموس مفردات القرآن فقط، بمعزل عن البناء البلاغي للجملة، لذلك كان من الضروري أن نكون على دراية بما يُعرف عند أهل اللسان لعربي بـ «علم البيان».

ثامنا: إن البناء البلاغي للجملة القرآنية «علم»، نستطيع عن طريقه إثبات أصول الدين ببراهين عقلية قاطعة، تدحض حجج المعاندين المكابرين، وذلك عن طريق استنتاج النتائج الصحيحة من مقدمات صادقة، فكيف نقول: [القرآن لا يجب أن يكون معقدا وعبارة عن مجموعة أسرار و ألغاز تحتاج إلى متخصصين أو نخبة قليلة تفسره لباقي المسلمين]؟!!

لذلك لم يكن غريبا أن يقول الأستاذ مجدي شحاته: [أنا مثلا أجد إنه من الغريب أن تبدأ آية بالتحدث عن فرد ثم تنتهي بالتحدث عن جماعة: « وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً»]، لأنه لا دراية له بـ «علم البيان»!!

تاسعا: إن في السياق الذي ورد فيه قوله تعالى: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» مقدمتين:

الأولى: لا يدخل الكافرون الجنة، حتى يدخل الجمل «أو الحبل الغليظ» في خرم الإبرة.

الثانية: يستحيل أن يدخل الجمل «أو الحبل الغليظ» في خرم الإبرة.

النتيجة: يستحيل أن يدخل الكافرون الجنة أبدا.

وهذه النتيجة كانت هي موضوع المنشور: «حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ» والمقصد منه، فهل كانت تحتاج إلى كل هذا الشرح لتُفهم؟!

«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ، لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»

«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى