نحو إسلام الرسول

(432) 21/3/2016 (ومازالت الشبهة قائمة)

يصر كثيرٌ من أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، على خداع التابعين بغير علم، وقولهم:

إن مشاريعهم الفكرية تقوم على التعامل مع «النص القرآني» مباشرة، ومنه يستنبطون أحكامه، ثم إذا بهم يهدمون بنية «النص القرآني»، ويُحرّفون أحكامه، ويتبعون أهواءهم بغير علم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا!!

واللافت للنظر، هو مئات المعجبين، السعداء بهذه القراءات، لا لأنها تقوم على منهجية علمية في تدبر القرآن، ولكن لأنها وضعت عنهم إصرهم، والأغلال التي كانت عليهم، ومنها:

لا صلوات خمس، ولا صوم في شهر الصوم، ولا حج في أشهر الحج، ولا لباس خاص بالمرأة المسلمة، ولا ميراث تأخذ فيه المرأة نصف ما يأخذه الرجل، وأن الملل التي لا تتبع النبي الخاتم محمدا في الجنة…، إلى آخر ما حوته مشاريعهم الفكرية من مخالفات صريحة لأحكام القرآن!!

إن أي مفكر يدعي أنه يقرأ القرآن قراءة معاصرة، علينا أن نسأله:

أولا: عن «المنهجية العلمية» التي أقام عليها هذه القراءة.

ثانيا: حجية المصادر المعرفية التي يستقى منها أفكاره، ويستنبط منها أحكامه، وهل هي مرجعية إلهية أم بشرية.

مثال: عندما يستند أحد نجوم القراءات المعاصرة إلى عالم «المرويات»، المنسوبة إلى النبي، ويقول: «وبذا نفهم لماذا قال النبي، صلى الله عليه وسلم، الحديثين التاليين، إن صحا: ألا إني أوتيت هذا الكتاب ومثله معه، وأوتيت القرآن ومثله معه»، ليثبت وجهة نظرة في التفريق بين الكتاب والقرآن، علينا أن نسأله:

هل قوله عن الروايتين: «إن صحا»، من المنهجية العلمية التي يجب أن تقوم عليها القراءات المعاصرة للقرآن؟!

ثم ما علاقة الدين الإلهي بهذه «المرويات» صحت أم لم تصح؟!

ثم عندما يقول بعدها: «فعندما قال عن الكتاب: ومثله معه قد عنى السُنة»، فأي «سُنة» يقصدها؟! وعلى أي أساس علمي وشرعي اعتمد على «مرويات» فرقة «أهل السُنة والجماعة» بالذات؟! هل لأنه وُلد فيها؟!

وهناك من أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، من يكتفي بالقرآن وحده، لا شريك له، ثم إذا به يُشرك هواه في فهم نصوصه، واستنباط أحكامه!!

لقد وردت قصة نبي الله يونس، عليه السلام، في الآيات التالية:

١- في سورة يونس، قال تعالى في الآية «٩٨»:

«فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ».

٢- في سورة الصافات، الآيات «١٣٩-١٤٨»:

« وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ. فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ. فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ. فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُسَبِّحِينَ. لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ. فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ. وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ. وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ. فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ».

٣- في سورة القلم، الآيات «٤٨-٥٠»:

« فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ * لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ».

والسؤال:

أولا: كيف عرف من يروْن الاكتفاء بالقرآن، أن نبي الله «يونس»، الذي ورد ذكره في الآيات السابقة، هو «ذا النون»، الذي ذكره الله في سورة الأنبياء، في سياق الحديث عن قصص الأنبياء، فقال تعالى:

«وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً، فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ، فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ»؟!

فهل يمكن، بعيدا عن الخلفية المعرفية الموروثة، واستنادا إلى الآيتين السابقتين فقط، معرفة من هو «ذا النون»، الذي «ذَهَبَ مُغَاضِباً»؟!

ثانيا: هل يمكن من خلال تدبر الآيات السابقة، معرفة معنى قوله تعالى:

« فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ»، وما هو «اليقطين»، الذي ورد في قوله تعالى: «وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ»؟!

إنه يستحيل فهم دلالات «النص القرآني»، واستنباط أحكامه، بمعزل عن مصدر معرفي تربت شعوب العالم على مائدته المعرفية، وهو ما أسميه، حسب مشروعي الفكرى، بـ «منظومة التواصل المعرفي»؟!

إن «منظومة التواصل المعرفي»، منها ما يتعلق بشعوب العالم، ومنها ما يتعلق بكل أمة من الأمم، وليست منظومة معرفية «مذهبية» تتعلق بفرقة من الفرق، أو بمذهب من المذاهب، لذلك لا علاقة لها بما اصطلح أئمة السلف على تسميته بـ «التواتر العملي»، أو بـ «البيان النبوي»، وقد سبق أن فصلت ذلك في أكثر من منشور، وأكثر من مقال.

ودائما أذكركم بقوله تعالى: « قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى