نحو إسلام الرسول

(431) 20/3/2016 (المسلمون يقولون اهدنا الصراط المستقيم.. ثم يتخاصمون ويتقاتلون)

عندما يدعو المسلمون ربهم أن يهديهم إلى صراطه المستقيم: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، صراط أوليائه الصالحين: « صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ »، « غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ »، هل يعلمون ما هو هذا الصراط، وكيف يصلون إليه؟!

لقد بيّن القرآن في كثير من الآيات معنى الصراط المستقيم، وموضوعه، ومنها قوله تعالى مخاطبا رسوله محمدا، عليه السلام: « فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ».

وقد بيّنت في مقال سابق، استحالة أن يتحول « الوحي الإلهي » إلى روايات، لأن الله تعالى هو الذي أمر بالتمسك بهذا الوحي، وشهد للرسول برسوخه وثباته في العمل به، وهذا ما أفاده حرف الاستعلاء «على» في قوله تعالى: « إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ».

وفي المقال السابق بيّنت، استحالة أن يتحول «الذكر الحكيم» إلى روايات، لقوله تعالى: « وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ »، وأن الله جعل هذا «الذكر» موضوع السؤال في الآخرة، فكيف يتحول إلى مرويات، إن صحت عند فرقة لم تصح عند أخرى؟!

إن القاعدة القرآنية المنطقية، التي تقوم عليها هداية الإنسان إلى صراط الله المستقيم، أن يعلم الإنسان معنى قوله تعالى: « الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ »، فالله تعالى وحده الذي يهدي إلى صراطه المستقيم، وكما خلقنا بفطرة إيمانية، وبآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر، «آليات عمل القلب»، علينا أن نتعرف دلائل وحدانيته، بتفعيل هذه الفطرة، وهذه الآليات، للوقوف على الطريق الهادي إلى صراطه المستقيم.

لقد ولد الإنسان وسط عالم تعددت فيه الشرائع المنسوبة إلى الله تعالى، وكل فريق يدّعي أن فرقته الناجية، وأن شريعته أصح الشرائع، فهل يمكن أن يترك الله تعالى الناس دون أن يُبيّن لهم كيف الوصول إلى صراطه المستقيم، وما يجب عليهم فعله مع ما وجدوا عليه آباءهم من تدين مذهبي؟!

إن الهداية هي الدلالة إلى طرق العلم الموصل إلى الحق، ويبدأ العلم الحق بإقامة البراهين الدالة على الوحدانية، وعلى صدق النبوة، وصدق ما أرسله الله من كتب إلى الناس، وقد كانت البراهين الدالة على صدق النبوة حسية، تشاهدها الأعين، وتنتهي بموت الرسل، ثم جاء النبي الخاتم بكتاب يحمل برهان صدق نبوته في ذاته، هذا البرهان الذي تراه القلوب بآليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر، وتستمر فاعليته بين الناس إلى يوم الدين.

إنني في القرن الخامس عشر الهجري، أشهد أن «لا إله إلا الله»، وأن هذا القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو كلام الله يقينا، وأن رسول الله محمدا، الذي ورد ذكره في هذا القرآن، حق، و«آيته القرآنية» الدالة على صدق نبوته حق، بعيدا عن مذاهب أئمة السلف المختلفة، ومرجعياتهم الدينية المتخاصمة!

لقد جَمَعَت نصوص «الآية القرآنية» أنواع الهدى التي تحتاج إليها البشرية على مر العصور، فجمعت دلائل الوحدانية، وصدق النبوة، وأصول الإيمان، وأحكام الشريعة، وأخبار الأمم السابقة، وآليات تنوير القلوب وإرشادها إلى طرق الاستدلال والاستنباط، والنظر والتفكير الهادي إلى صراط الله المستقيم.

ولقد ربطت كثير من نصوص «الآية القرآنية»، بين حجية كتاب الله، وأحكام الشريعة التي حملها هذا الكتاب، لبيان أنها منظومة إيمانية مترابطة متكاملة، نزل بها الوحي الإلهي على الرسل، فقال تعالى:

« كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ».

لقد قال الله تعالى: « وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ »، ولم يقل «وأنزل عليهم الكتاب»، لبيان أن «الوحي»، و«الكتاب»، و«النبوة»، و«المنزل»، وحدة مترابطة متكاملة يستحيل أن يأتيها الباطل، وجاء بيان ذلك بصورة بلاغية تُصور «الأنبياء» وكأنهم نزلوا مع «الكتب»: « وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ ».

فكيف يقبل أئمة السلف والخلف، أن تختلف طبيعة وحي «الكتاب»، عن وحي «النبوة» فيكون الوحي الأول قطعي الثبوت عن الله، ويكون الثاني، الذي وسموه باسم «السُنة النبوية»، ظني الثبوت عن الرواة الذين نقلوه، وليس حتى عن النبي الذي يدّعون اتباع سُنته؟!

وتدبر قوله تعالى: « لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ »، فإذا كان الوحي الإلهي وحْيَين، فلماذا لم يذكر الله تعالى اسم «الكتاب» الذي ستدوّن فيه «مرويات» الوحي الثاني، «السُنة النبوية»، المكمل لـ «أحكام القرآن» وآليات حفظه، وذكر فقط اسم «الكتاب» الذي أنزله على رسوله محمد، وخصائصه، وأن هذا الكتاب هو الذي سيرثه المسلمون بعد وفاة النبي، فقال تعالى: « ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا »؟!

كيف تكون مرويات «السُنة النبوية» من « الوحي الإلهي »، الهادي إلى صراط الله المستقيم، وقد بيّن الله تعالى أنه عند الاختلاف في مسائل الدين، علينا أن نتخذ «كتاب الله» مرجعا لإزالة هذا الاختلاف، فقال تعالى: « وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ »، ثم قال بعدها: «وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ»؟!

إن الذين «أوتوا الكتاب» ما كان لهم أن يختلفوا فيه، ولكن البغي أفسد قلوبهم فاختلفوا: «مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ»، وقد اختلف أتباع رسول الله محمد وتفرقوا في الدين، وذهبوا يصنعون مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، كانت سببًا في تفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم، والله تعالى يقول بعدها: «فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ، وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ»، فهل اهتدى أتباع الفرق الإسلامية إلى صراط الله المستقيم؟!

إن «الذين آمنوا»، في قوله تعالى: »فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» هم أتباع النبي الخاتم محمد، الذين جعل الله كتابهم مهيمنا على الكتب السابقة، فقال تعالى في موضع آخر: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ»، وجعله مبينًا لما اختلف فيه أصحاب هذه الكتب، فقال تعالى: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».

لقد جاء النبي الخاتم محمد، عليه السلام، لإبطال التفرق في الدين، الذي يحدث دائما بعد وفاة الرسل، «مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ»، وأمره الله أن يحذر أمته من هذا التفرق: «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»، فهل استجاب المسلمون وأطاعوا الله ورسوله، ولم يتفرقوا في الدين؟!

وهل هدى المسلمون الناس إلى صراط ربهم المستقيم، وأخرجوهم من الظلمات إلى النور، أم كانوا سببا في صدّهم عن هذا الصراط، وأخرجوهم من النور إلى الظلمات، بهجرهم كتاب ربهم، واتباعهم دينا غير الدين الذي أمر الله اتباعه؟!

إن الاختلاف والتفرق في الدين يبدأ بهجر كتاب الله، فيذهب كل فريق في تحريف أصول الدين الإلهي وتأويلها لخدمة مذهبه العقدي والتشريعي، استنادا إلى مرويات وفتاوى أئمة المذهب، بدعوى أنها «السُنة النبوية» المبينة للقرآن، والمكملة لأحكامه، في الوقت الذي يُبيّن الله تعالى للناس، أن مهمة رسوله الرئيسية هي: «الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ»!!

ولو أن أئمة السلف والخلف علموا أن الهداية إلى « صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ » لا تكون إلا « بِإِذْنِ رَبِّهِمْ »، ما ادّعوا أن «مرويات» الفرق والمذاهب المختلفة « وحي يوحى »، وهم يشهدون ويعلمون أن الباطل آتاها من بين يديها ومن خلفها، فأين «إذن الله» الذي سمح لهم بافتراء الكذب عليه؟!

إن علة إنزال الكتاب هي إخراج الناس « مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ »، ولقد جمع الله «الظُّلُمَاتِ» لأنها تعبر عن السبل المتفرقة، وأفرد «النُّور» لأنه يعبر عن صراطه المستقيم، « صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »، فكيف يحمد المسلمون ربهم، ويقولون ليل نهار: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، وهم في نفس الوقت يصرون على تفرقهم في الدين، وتخاصمهم وتقاتلهم؟!

لقد خاطب الله الكافرين بنبوة محمد، عليه السلام، المعاصرين له، بقوله تعالى: « وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّه »، ثم جاء بعدها بالظرفية فقال تعالى: « وَفِيكُمْ رَسُولُهُ»، لبيان أن الرسول قد جاء بكتاب، حمل البرهان على صدق نبوته في ذاته، لذلك قال بعدها: «وَمَن يَعْتَصِم بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».

إن الله تعالى لم يقل: ومن يعتصم بالله ورسوله، لأن الاعتصام غير الطاعة، فالاعتصام لا يكون إلا للنص المنزل، الذي أمر الله التمسك به واتباعه، ولم يأمر الله الناس بالتمسك بكل ما خرج على لسان رسوله، وإنما أمرهم بطاعة الرسول في الكتاب الذي أنزله عليه، وأقاموا البرهان على حجيته، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا».

لقد ربط الله تعالى بين «المنزل»: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا»، والبرهان الدال على صدق «نبوة» الرسول المبلغ له: « قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ».

ولقد كان البرهان الدال على صدق النبي الخاتم برهانا عقليا، حمله الكتاب «المنزل» إلى الناس جميعا، وعلى هذا الأساس، وصف الله الكتاب بـ «النور»: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا»، فهل يمكن أن تكون مرويات «السُنة النبوية»، من هذا «النور» المنزل؟!

لقد جاء الجواب بعدها: «فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا»، فالضمير في جملة «وَاعْتَصَمُوا بِهِ»، يعود إلى النور، الذي هو «الكتاب الإلهي»، وهذا ما بيّنه الله في أكثر من آية، منها قوله تعالى:

«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ».

تدبر قوله تعالى في الآية الأولى: « فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ »، « وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا »، وقوله تعالى في الآية الثانية: «وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ»، « وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ».

فهل يعقل أن تكون مرويات «السنة النبوية»، التي حملت منظومة من «المحرمات»، ما أنزل الله بها من سلطان، من النور الهادي إلى صراط الله المستقيم، وقد أساءت إلى الإسلام، وإلى المسلمين، في الوقت الذي يحذر القرآن فيه الناس من افتراء الكذب على الله، ويحذر الرسول والذين آمنوا معه من اتباع أهواء الذين يفترون على الله الكذب، فيقول تعالى:

« قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا، فَإِن شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ، وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا، وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ».

إن الذي يملك التحريم هو الله وحده، لذلك فإن المحرمات لا تخرج عن حدود كتاب الله، ومن هذه المحرمات ما ذكره الله بعد الآية السابقة مباشرة، فقال تعالى: « قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً »، إلى أن قال: « ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ »، ثم قال بعدها: « وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ »، وقال بعدها: «وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»، ثم قال: « ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ »، ثم تدبر قوله تعالى بعد ذلك: «وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ».

فأين نجد مرويات «السنة النبوية»، التي انحرفت بالمسلمين عن صراط الله المستقيم، والقرآن يقول لهم ليل نهار: «وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ»؟! أليس تفرق المسلمين إلى فرق ومذاهب عقدية وتشريعية من السبل التي حرم الله تعالى اتباعها؟!

ثم هل يمكن أن يهدي رسول الله المؤمنين إلى سبيل غير الذي أمره الله باتباعه، وقد قال الله له:
« وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ. صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ. أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ »؟!

ألم يقل الله لرسوله: « إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ »؟! ثم قال له: « قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ »؟!

إن الدين الذي أنزله الله على رسوله، هو الدين الإسلامي، الذي ارتضاه الله للناس جميعا، لا الذي ارتضته لهم مذاهبهم العقدية والتشريعية المختلفة، هذا الدين الذي وصفه الله بقوله: «دِينًا قِيَمًا»، هذا الدين الذي لا يأتيه الباطل، لأنه قام على: « مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا »، فهل يمكن أن يقبل أهل هذه الملة شريكا مع الله، والله يقول عن إبراهيم: «وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ»؟!

ولقد خاطب الله رسوله محمدا، عليه السلام، بقوله: « وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ »، وفي هذا تعريض بأقوام الرسل، وليس المراد الرسل أنفسهم، وذلك لانتفاء الشرك عنهم أصلا، شرعًا ومنطقًا، فهل استجاب المؤمنون الذين يدّعون محبة الله ورسوله إلى هذا التحذير، وتبرؤوا من مصادرهم العقدية والتشريعية التي صدتهم عن صراط ربهم المستقيم؟!

إنهم لم يفعلوا، واستجابوا لدعوة الشيطان، الذي أعطاه الله حرية إغواء من اتبعه: « قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ »، و « قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ».

لقد جعل الله تعالى هذا الإغواء فتنة وامتحانا لهم، فقال تعالى: « أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ »

ومن آليات هذه الفتنة أن يترك الله تعالى الشيطان وأتباعه يكتبون الكتب التي تحمل الباطل، وتصد الناس عن صراط ربهم المستقيم، فقال تعالى مخاطبا رسوله محمدا: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

إن أمنية أي رسول أو نبي، أن يهتدي الناس جميعا إلى صراط ربهم المستقيم، ويتبعوه، فيأتي الشيطان ويقف أمام تحقيق هذه الأمنية، ويجعل أتباع الرسل ينحرفون عن صراط ربهم المستقيم، وذلك بافتراء تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، فيتركها الله تعالى تنتشر بين الناس، فتنة وامتحانا لهم: « وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ »، ويحفظ كتابه وآياته من افتراءات ومرويات شياطين الإنس والجن.

وينقسم الناس أمام فتنة الشيطان إلى فريقين:

الأول: مرضى القلوب: « لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ».

الثاني: الذين أوتوا العلم: « وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ».

وهؤلاء الذين «أُوتُوا الْعِلْمَ»، هم العلماء الذين يخشون ربهم: «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ»، هم علماء الدين الإلهي، الذين يعلمون أن الذي أنزله الله عليهم هو الحق الذي يستحيل أن يأتيه الباطل، وليسوا هم علماء المذهب الديني، الذين يعلمون أن مذهبهم هو أصح المذاهب، وأن فرقتهم هي الفرقة الناجية!

إن الذين «أُوتُوا الْعِلْمَ»، هم العلماء الذين يعلمون علم اليقين أن الذي أنزله الله عليهم هو الحق الهادي إلى « صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »، فتدبر: «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».

انظر وتدبر لماذا اختار الله تعالى فعل الرؤية «يَرَى»، في سياق بيان علم الكتاب؟!

والجواب: لبيان أن أصول الإيمان يجب أن تقوم على عين اليقين، لا شبهة في أنها الهادية إلى «صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».

لقد بعث الله تعالى رسوله محمدا، عليه السلام، لهداية الناس إلى « صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ »، وحذرهم من افتراء الكذب على الله ورسله، وأن ينسبوا إلى الله مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان.

وإذا كان المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، قد تفرقوا في الدين، ونسبوا إلى الله ورسوله مصادر تشريعية ما أنزل الله بها من سلطان، وها هو واقعهم يشهد عليهم، فماذا يقصدون بدعائهم ليل نهار:

« اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ »، « صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ »، « غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ »؟!

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى