نحو إسلام الرسول

(430) 16/3/2016 (فقط للتوضيح والبيان)

ذكرت في المنشور السابق، «على هامش تحريم الله الْخَبَائِثَ»، في المسألة الخامسة:

«لن ينفع المسلم المصر على معصية الله شهادة الوحدانية التي ورثها عن آبائه، لأن القاعدة العامة للناس جميعا هي قوله تعالى: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً، وأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، ولو أن المسلم تاب من بعد سيئته، ما أحاطت به خطيئته».

فظن البعض، أن قوله تعالى: « فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» خاص بأهل الكتاب، الذين كتبوا الكتب بأيديهم، وقالوا إنها من عند الله، ولا علاقة لها بعصاة المسلمين، من أتباع النبي الخاتم محمد، عليه السلام، الذين ماتوا وهم يصرون على معصية الله، ولم يتوبوا!!

لقد ورثوا عن أئمة سلفهم، أن النطق بشهادة الوحدانية، ولو مرة واحدة في حياتهم، تعصمهم من الكفر والشرك، ولو ارتكبوا فظائع الدنيا كلها، كما قال شيخ الأزهر عن سبب عدم تكفيره «داعش»، في حديث له في جامعة القاهرة، وقد فصلت ذلك في منشور سابق.

لذلك لزم التوضيح والبيان، فأقول:

إن قوله تعالى: « فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»، جاء في سورة البقرة، في سياق يبدأ بقوله تعالى عن أهل الكتاب:

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ {78}

فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ {79}

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَاتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ {80}

بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {81}

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {82}

أولا: إن جملة: « وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ» معطوفة على آية سابقة هي:

أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {75}

فالآية تتحدث عن فريق من أهل الكتاب، افترى على الله الكذب، ونسب إلى الله شريعة ما أنزل بها من سلطان، وكتبوها في الكتب: « ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله»!!

وهذا ما فعله أيضا «المحدثون»، أتباع النبي الخاتم محمد، عليه السلام، نقلا عن رواة الفرق الإسلامية، عندما دوّنوا «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي في الكتب، وقالوا: «إن هي إلا وحي يوحى»!!

وللأسف الشديد أن من أصحاب القراءات القرآنية المعاصرة من أقام مشروعه الفكري على منهج ينطلق «من أساس الأسس، وأصل الأصول، التنزيل الحكيم، والسيرة النبوية» كما ذكر ذلك في توطئة كتابه!!

فهل هذا يُعقل، أن نتحدث عن الحداثة والمعاصرة ثم نتخذ أئمة السلف أسوة لنا، ونستند إلى أقولهم، ومروياتهم التي نسبوها إلى النبي، وقد آتاها الباطل من بين يديها ومن خلفها؟!!!

ثانيا: لقد جاء السياق القرآني بعد ذلك بالقانون العام الذي يحذر أتباع جميع الرسالات:

« فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله … الآية»

ومن افترائهم الكذب على الله في هذه الكتب قولهم: «لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً»

فرد الله تعالى عليهم بقوله: « قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ، أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»

ثالثا: لقد جاء السياق القرآني بعد ذلك بالقانون العام الذي يُبيّن ميزان الحساب في الآخرة، والذي يشمل أتباع جميع الرسالات:

«بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»
ثم تدبر ماذا قال بعدها:

« وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ»

هذا هو ميزان الحساب في الآخرة، الذي يشمل أتباع جميع الرسالات.

رابعا: إن كلمة «بَلَى» في قوله تعالى: «بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ»، جاءت لإثبات نقيض النفي، ككلمة «بَلَى» في قوله تعالى:

«بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ، فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»

وذلك ردا على افترائهم الكذب على الله وقولهم:

«وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى، تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ، قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»

لذلك أقول لأصحاب القراءات القرآنية المعاصرة، وأنصارهم:

إن نصوص «الآية القرآنية»، الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، عليه السلام، هي القوة الدافعة للحداثة والمعاصرة، التي لا تعادلها قوة في هذا الوجود، ولكن لقوم يعلمون، يتفكرون، يتدبرون، يتفقهون!!

أما أن تقوم الحداثة والمعاصرة على تحريف ملة الوحدانية، وتفكيك بنية الكلمة القرآنية، والجهل بعلم السياق القرآني، وبعلم البيان، لإخراج منظومة من أحكام شريعة ما أنزل الله بها من سلطان، لتضل الناس بغير علم، فأين الحداثة، وأين المعاصرة في هذا الباطل؟!!

« قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ »

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى