نحو إسلام الرسول

(444) 20/4/2016 (عندما يدعي علماء «مرصد الأزهر» أنهم الأمة الإسلامية)

في إطار الرد على الشبهات الموجهة إلى «السنة النبوية»، وعلى موقع «مرصد الأزهر»، وداخل قسم «صحف صفراء»، كتب علماء المرصد في «١٧-٤-٢٠١٦م» ردا على مقال لي نشرته جريدة «المقال»، بتاريخ «٢٢-٥-٢٠١٥م»، بعنوان «السنة حقيقة قرآنية في عصر النبوة وبعدها اجتهادات أئمة»، وقالوا في ردهم إن فحوى شبهتي تتمثل في:

أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع، وأن السنة النبوية ليست المصدر الثاني للتشريع، وإنما هي تفعيل الرسول – صلى الله عليه وسلم – للنص القرآني فقط، وهي سلوك وتصرفات عملية تحدث في واقع الحياة، وليست نصا يتلى على الناس ويدون في الكتب، وأننا لو بحثنا في القرآن كله عن آية واحدة تأمر الناس باتباع كتاب تشريعي مستقل غير القرآن لم نجد، وسنجد آيات كثيرة تثبت أن المسلمين لا يرثون إلا كتابا واحدا وهو القرآن، وأن السنة لم يحفظها الله كما حفظ القرآن.

وسأقوم بالرد على ما أثاروه من شبهات بالتحليل والنقض، وأبين كيف أن علماء المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، للفرق والمذاهب المختلفة، يفتقدون «المنهجية العلمية» في ردهم على الشبهات التي توجه للإسلام.

أولا: إن علماء «مرصد الأزهر» لم يتعرفوا أولا على مشروعي الفكري، الذي اتهموني بسببه بإنكار السنة، وتسرعوا بالرد على موضوع من موضوعاته، دون أن يعلموا «المنهجية العلمية» التي أقمت عليها مشروعي الفكري.

إنني، كاتب هذا المقال، لم يحدث أن وجهت خطابي لفرقة من الفرق الإسلامية، إلا على سبيل ضرب المثل، لبيان مشكلة عامة تتعلق بجميع الفرق، ذلك أن مشروعي الفكري يخاطب أتباع الفرق الإسلامية جميعهم، ولو كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بهذا الأمر، ما أجهدوا أنفسهم في الرد على أي شيء يتعلق بمشروعي الفكري، إلا بعد تشكيل لجنة من علماء الفرق الإسلامية التي أخاطبها!!

لذلك فإن ما سأقوم بالرد عليه، لا يخص المذهب «الأشعري» الذي ينتمي إليه علماء «مرصد الأزهر»، ولا يخص فرقة «أهل السنة والجماعة»، التابع لها تاريخيا، وإنما يخص مفهوم «السنة النبوية» عند جميع الفرق والمذاهب العقدية الإسلامية المختلفة.

ثانيا: إن علماء «مرصد الأزهر» ذكروا الشبهة، ولم يبينوا للناس وجه الانحراف فيها، هذا الانحراف الذي جعلهم يتهمونني بإنكار السنة، وهو أمر في منتهى الخطورة، لأن عامة المسلمين يعلمون «بناء على ثقافتهم المذهبية التخاصمية»، أن منكر السنة كافر، مرتد، يستتاب، وإن لم يتب قُتل!!

إن مصطلح «إنكار السنة»، الذي يرفعه أتباع كل فرقة في وجه من أنكر مروياتها، مصطلح هلامي، لا تستطيع أن تمسك به، لأن مرويات «السنة النبوية» ذاتها، شيء هلامي، إذا أمسكت الضعيف منها، وجدت من يخرجه من يدك بدعوى أنه يراه صحيحا!!

لقد اتهمني علماء «مرصد الأزهر» بـ «إنكار السنة»، لأنني أعتقد:

١- أن القرآن هو المصدر الوحيد للتشريع:

وهل هناك عالم مسلم يشك في أن القرآن، الذي بين أيدينا اليوم، هو المصدر الإلهي الوحيد للتشريع، الذي ورثه المسلمون كتابا واحدا، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا؟!

٢- وأن «السنة النبوية» ليست المصدر الثاني للتشريع:

وهل هناك عالم مسلم يعتقد أن المصدر الثاني للتشريع الخاص بالفرقة التي ينتمي إليها، قد جمع مرويات «السنة النبوية» التي عند جميع الفرق الإسلامية المختلفة، ومن جميعها تستنبط أحكام الشريعة؟!

٣- وإنما هي تفعيل الرسول – صلى الله عليه وسلم – للنص القرآني فقط، وهي سلوك وتصرفات عملية تحدث في واقع الحياة:

وهل هناك عالم مسلم، على دراية بعلم اللسان العربي، يشك في أن كلمة «السنة» تعني طريقة أداء، وسلوكا عمليا، وليست نصا يتلى على الناس ويدون في الكتب، كما سأبين بعد قليل؟!

ومما يؤخذ على علماء «مرصد الأزهر»، أنهم استخدموا مصطلح «السنة النبوية»، في ردهم على ما جاء في المقال، دون أن يبيّنوا للناس مفهومهم لهذا المصطلح، والفرق بين «السنة النبوية» التي لا أنكرها، لأنها محمولة داخل النص القرآني، وبين مرويات «السنة النبوية« التي أنكرها، لأنها ظنية الثبوت عن الرواة الذين نقلوها عن النبي، ووسموها باسم «الحديث النبوي» لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم، ثم دُوّنها المحدثون مذهبيا في أمهات الكتب بعد قرن ونصف القرن من وفاة النبي، على أقل تقدير!!

لقد بدأت مقالي، المشار إليه سابقا، بقولي: «إن الدارس لكتاب الله تعالى، يعلم علم اليقين، أن الذي بلّـغ نصوص آياته، هـو رسول الله محمد، ومن خلال تدبر هذه الآيات، يرى الإنسان رسول الله وهو يقـيم كل آية من آيات هذا الكتاب، سلوكـا عمليا في واقع حياتـه الخاصة والعامة. وإذا كانت (السنة) هي الطريقـة المطـردة، التي لا تتخلف، كما أجمعت على ذلك معاجم اللغة (مادة سنن)، فيجب أن تكون النصوص التي تستقى منها أيضا حقا لا تتخلف».

إن هذه الفقرة منقولة من مقدمة الجزء الأول من كتابي «موسوعة السنة النبوية حقيقة قرآنية – قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة»، الذي نشرته عام «٢٠٠٥م»، وقد بيّنت في هذه المقدمة مفهوم كلمة «السنة»، حسب ورودها في كتاب الله ومعاجم اللسان العربي، فقلت:

«إن السنة، طريقة أداء ثابتة، لا تتخلف، وسلوك وتصرفات عملية، تحدث في واقع الحياة، وليست نصا يُتلى على الناس، ويُدوّن في الكتب، فإذا أضيفت كلمة السنة إلى الله تعالى، فإنها تعني القوانين الثابتة التي قامت عليها فاعلية الرسالات الإلهية، وفاعلية أسماء الله الحسنى في هذا الوجود، يقول الله تعالى: «مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ».

«أما إذا أضفنا كلمة (السنة) إلى (النبي)، فإنها تعني فاعلية (النبوة)، أي فاعلية (الوحي)، مع أحداث ومواقف عصرالتنزيل واكتمال الدين…، وما شاء الله أن يعلمه الناس، من تشريعات ومواقف وأحداث عصر (النبوة)، قد نزل به قرآن، كان هو المرجعية التي يستقي منها (النبي) سنته المصاحبة له دوما، سلوكا عمليا على أرض الواقع»!!

والسؤال لعلماء «مرصد الأزهر»: هل يمكن أن تتحول «سنة الله» مع رسله، و«سنة النبي» في عصر الرسالة وبلاغه عن الله، إلى سنة المحدثين في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، وبلاغهم عن رواة الفرق والمذاهب المختلفة؟!

وهل كان أئمة السلف منكرين للسنة، عندما رفضوا مروياتها، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!

ثم قلت بعدها: «إن غياب المنهجية العلمية في التفكير، جعل أنصار (الفُرقة والمذهبية)، يحرّفون مفهوم (السنة النبوية) عن معناه القرآني واللساني، ليصبح كل ما صدر عن (النبي) من قول أو فعل أو تقرير…، حسب اجتهادات أئمة الجرح والتعديل، (العقدية والتشريعية)، فهم الذين يُقرّرون، ما هو سُنة، وما ليس بسنة، مما نسبه الرواة إلى (النبي)»!!

فلماذا لم يناقش علماء «مرصد الأزهر» أولا مفهوم «السنة النبوية»، حسب ما ذكرته في المقال، وذهبوا يتحدثون عن مسائل مكررة، لم أرَ عالما من علماء الفرق الإسلامية المختلفة، عبر ما يزيد عن ثلاثة عقود من الزمن، خرج عنها خلال حواراتي معهم؟!

ثالثا: عندما يتحدث علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وأنهم أتباع الفرقة الناجية، ويقيمون على هذا الادعاء قولهم إن مصدرهم الثاني للتشريع هو الذي حمل مرويات «السنة النبوية» الصحيحة، التي أمر الله اتباعها، فهذه وحدها مصيبة كبرى، ذلك أن أي مسلم يستطيع اتهام هؤلاء العلماء بازدراء الدين الإسلامي، والسبب:

أن الله تعالى حذر من التفرق في الدين، بنص قرآني قطعي الدلالة، خاطب فيه الرسول والذين آمنوا معه بقوله: «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ».

وبقوله تعالى لرسوله: « إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ، إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ».

فكيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وهم ينتمون عقديا إلى مذهب من مذاهب فرقة «أهل السنة والجماعة»، وهو المذهب «الأشعري»، الذي أسسه أبو الحسن الأشعري، وقد أمضى فترة طويلة من حياته معتزليا، ثم تاب عن الاعتزال، وأعلن توبته أمام الملأ بالبصرة عام «٣٠٠هـ»، ثم انفرد بمذهبه؟!

كيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم «الأمة الإسلامية»، وهم ينتمون إلى مذهب عقدي من مذاهب فرقة واحدة من الفرق الإسلامية، التي ظهرت هياكلها الدينية المختلفة بعد وفاة النبي بقرنين من الزمن، على أقل تقدير، شهد المسلمون خلالها صراعات مذهبية دموية، تُسقط حجية مرويات هذه الفرق، واقرؤوا تاريخ الصراع العقدي الدموي بينها، بل وبين مذاهب الفرقة الواحدة!!

كيف يتحدث علماء «مرصد الأزهر» باعتبارهم يمثلون «الأمة الإسلامية»، ويقولون: «فالقرآن الكريم هو الأصل الأول للدين، والسنة هي الأصل الثاني، ولقد اختص الله تعالى هذه (الأمة الإسلامية) بحفظ دينها وصيانتها له، وتعهد به سبحانه، فحفظت (هذه الأمة) كتاب الله المنزل إليها، فتلقته بأمانة وثقة وتواتر، وذبت الكذب والخلل عن الحديث النبوي بما وضعته من قوانين للرواية هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها».

انظر إلى استخدامهم لمصطلح «الأمة الإسلامية»، والذي يجعلنا نسألهم: أين هي هذه «الأمة الإسلامية» التي «ذبت الكذب والخلل عن الحديث النبوي، بما وضعته من قوانين للرواية، هي أصح وأدق طريق علمي في نقل الروايات واختبارها«؟!

إنهم لا شك يقصدون المذهب «الأشعري»، ويعتبرون أن جميع المسلمين، بعد وفاة النبي، يتبعون المذهب «الأشعري»، وأن المذهب «الأشعري» منذ نشأته، وهو يملك أصح وأدق الطرق العلمية في نقل الروايات واختبارها!!

الحقيقة أنا لا أعلم إذا كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بتاريخ ظهور الفرق والمذاهب الإسلامية، وهل «الأمة الإسلامية» التي تركها النبي محمد، عليه السلام، هم أتباع المذهب «الأشعري» الذي لم يكن صاحبه قد ولد بعد؟!

ويؤكد علماء «مرصد الأزهر»، على أن «الأمة الإسلامية» هي التي صانت الحديث النبوي من التحريف والتبديل فيقولون بعدها:

«ولقد كانت عناية (الأمة الإسلامية) برواية الحديث النبوي وحفظه تهدف إلى صيانة هذا التراث العظيم من التحريف والتبديل فيه؛ فحاز حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – من الوقاية والمحافظة ما لم يكن – قط – لحديث نبي من الأنبياء، فقد نقل لنا الرواة أقوال الرسول – صلى الله عليه وسلم – في الأمور كلها؛ العظيمة واليسيرة، بل في الجزئيات التي قد يتوهم أنها ليست موضع اهتمام، فنقلوا تفاصيل أحواله – صلى الله عليه وسلم – في طعامه وشرابه، ويقظته ونومه، وقيامه وقعوده، حتى ليشعر من يتتبع (كتب السنة) أنها ما تركت شيئا صدر عنه – صلى الله عليه وسلم – إلا روته ونقلته».

ولا أعلم أيضا إذا كان علماء «مرصد الأزهر» على دراية بالخلاف المنهجي القائم بين علماء الفرق والمذاهب الإسلامية حول جرح وتعديل الرواة، وتصحيح وتضعيف مروياتهم؟!

ثم ماذا يقصدون بقولهم: «حتى ليشعر من يتتبع كتب السنة»؟! هل «كتب السنة» الموجودة في مكتبة «مرصد الأزهر»، هي نفسها «من حيث المحتوى» الموجودة في مكتبات الفرق الأخرى؟!

إذن فلماذا اختلفت إذا كانت نصوصها «وحيا يوحى»، وقد حفظتها «الأمة الإسلامية» من التحريف والتبديل، كما يدّعون؟!

إن «المنهجية العلمية» تفرض على علماء «مرصد الأزهر» أن يحددوا أولا موقفهم، وبصراحة وشفافية، من كتب مرويات «السنة النبوية» التابعة للفرق الأخرى، وهل هي أيضا « وحي يوحى»، حسب ما ورد في قولهم:

«وذلك أن القرآن والسنة وحي من الله عز وجل، ولم يكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ليقول شيئا من عنده (إن هو إلا وحي يوحى)، فلماذا يتكفل الله تعالى بحفظ القرآن، ولا يتكفل بحفظ السنة، مع أن كليهما وحي من عنده سبحانه وتعالى»؟!

إن تكفل الله تعالى بحفظ القرآن، لا يوجد مسلم على هذه الأرض يشك فيه، ومظاهر هذا الحفظ، منذ عصر الرسالة وإلى يومنا هذا، يعلمها الصغير قبل الكبير، فأين مظاهر حفظ الله لمرويات «السنة النبوية»، وعند أي فرقة من الفرق الإسلامية نجدها؟!

وإذا كان علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية يعتبرون أنفسهم أتباع «الفرقة الناجية»، ويؤسسون على ذلك قولهم بتكفل الله بحفظ مروياتهم، التي هي «وحي يوحى»، ألا تعتبر هذه المصيبة مبررا لاتهام هؤلاء العلماء بازدراء الدين الإلهي، لأنه يستحيل أن يحمل للناس وحيا صحيحا ووحيا ضعيفا؟!

لذلك لم يكن غريبا على علماء «مرصد الأزهر»، قولهم:

«إذا كانت عناية المسلمين بالسنة والعمل بها معلومة من الدين والتاريخ والحضارة والتراث الإسلامي بالضرورة، ولا يجهل ذلك جاهل – فإن الإنسان بعد ذلك لتأخذه الدهشة والعجب ويحار لبه في أفهام وعقول ( منكري السنة )، كيف يطعنون في حجيتها؟! وبأي عقل وعلى أي منطق اعتمدوا في قبولهم القرآن دون السنة؟!»

إنهم يقولون: إن العمل بـ «السنة النبوية» من المعلوم من الدين بالضرورة، ومعلوم أن مذهبهم، ومذاهب جميع الفرق الإسلامية، تُكفر من أنكر معلوما من الدين بالضرورة، فأي عقل يقبل أن تكون مرويات «السنة النبوية»، التي هي بحر مذهبي متلاطم الأمواج، من المعلوم من الدين بالضرورة؟! فأي دين هذا الذي يتلاعب بنصوصه علماؤه، لإثبات حجية مذاهبهم العقدية؟!

إن أحاديث «السلسلة الذهبية»، التي يعتبرها أهل السنة أصح درجات الحديث، هناك من لا يراها أصح درجات الحديث، كالشيعة، فكيف تكون مرويات «السنة النبوية» من المعلوم من الدين بالضرورة، إلا إذا كان المقصود بهذا الدين دين الفرقة أو المذهب الذي صحت عنده هذه الأحاديث!!

فبأي عقل، وعلى أي منطق، يتهم علماء المذهب الرافضين لمروياته بإنكار «السنة النبوية»، ثم يؤسسون على ذلك اتهامهم بالردة، ثم يستتابون، وإن لم يرجعوا عن رفضهم لهذه المرويات قُتلوا؟!

فبأي عقل، وعلى أي منطق، يساوي علماء «مرصد الأزهر» بين حجية «القرآن» قطعي الثبوت عن الله تعالى، ومرويات «السنة النبوية»، التي أثبت البحث العلمي الجاد أنها ظنية الثبوت عن الرواة وعن المحدثين، وليس عن النبي، عليه السلام؟!

إنه لا يوجد إمام من أئمة السلف والخلف، يُنكر آية قرآنية واحدة، ثم يبقى على إسلامه، فإذا كانت مرويات «السنة النبوية» وحيا يوحى، فلماذا أبقى أئمة السلف على إسلام العشرات من أئمة الجرح والتعديل، الذين أنكروا مئات الأحاديث لعدم موافقتها لمذهبهم العقدي أو التشريعي، في الوقت الذي قبلتها مذاهب أخرى لموافقتها لمذاهبهم؟!

ألا تخافون الله، وأنتم تساوون بين حجية «القرآن» قطعي الثبوت عن الله تعالى، ومرويات «السنة المذهبية»، ظنية الثبوت عن الرواة والمحدثين، ثم تقولون:

«إن الذين يطعنون في (السنة) إنما يطعنون في أخص خصوصيات هذه (الأمة) وهو الإسناد، الذي ميز الله به (أمة الإسلام) وألهمها إياه – ولم يكن في أمة من قبل – (لحفظ كتابه وسنة نبيه).

فأي أمة هذه التي تتحدثون عنها؟! لماذا لا تتحدثون باسم المذهب «الأشعري»، حتى يفهم الناس أنكم لم تخدعوهم باسم «الأمة الإسلامية»؟! ألا تخشون الله، عندما تخاطبون الناس باعتباركم «الأمة الإسلامية»، وتتهمون من يخالفكم بالكفر والضلال، وتقولون عنهم:

«إنهم يريدون للأمة الإسلامية أن تكون كالذين من قبلهم، حيث طال عليهم الأمد؛ فقست قلوبهم ونبذوا دينهم وراء ظهورهم، واشتروا به ثمنا قليلا، فبئس ما يشترون، وما كان ضلال الأمم السابقة وتحريفهم لكتبهم إلا لفقدهم ما حبانا الله به من حفظ الإسناد، فهل المقصود أن نكون مثل الذين من قبلنا فنترك ونهدم شطر الدين؛ فنضل ونحرف ونغير ونبدل كل ما ليس له تفصيل في القرآن»؟!

انظروا وتدبروا هذا الأسلوب التخاصمي التحريضي التكفيري!!

لذلك فإن الذين يصدرون أحكامهم بالسجن على المخالفين لمذهبهم، بدعوى ازدراء الدين الإسلامي، أو إنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة، هل يعلم هؤلاء أين هي هذه «الأمة الإسلامية» التي يتحدث عنها علماء «مرصد الأزهر»، التابعون للمؤسسة الدينية الرسمية، التي ترفع التوصيات بمصادرة الكتب، وتتهم أصحابها بإنكار السنة، وإنكار ما هو معلوم من الدين بالضرورة؟!

وهل يصح شرعا توظيف كلام الله وإسقاطه على المذهب «الأشعري» باعتباره هو «الأمة الإسلامية»، التي حباها الله بحفظ الإسناد، فيقول علماء «مرصد الأزهر»: «ما حبانا الله به من حفظ الإسناد»؟! ألا تعلمون أن قولكم هذا هو تدعيم لأزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، ثم بعد ذلك تدّعون إنكم تحملون للناس وسطية الإسلام؟!

إن حديثكم الدائم عن أن المذهب «الأشعري» هو الذي حمل للناس وسطية الإسلام، هو خير برهان على أنه انطلق من البيئة التخاصمية التكفيرية التي شهدتها القرون الأولى، بعد أحداث الفتن الكبرى، وتكونون بذلك قد وضعتم مصير تدين المسلمين في يد أبي الحسن الأشعري، الذي توفي في القرن الرابع الهجري، «ت٣٢٤هـ»!!

ألا يعلم علماء «مرصد الأزهر» الصراع العقدي القائم بين «الأشعرية» بقيادة إمام «أهل السنة والجماعة» أبي الحسن الأشعري، «ت٣٢٤هـ»، و«السلفية» من قبله بقرن من الزمن بقيادة إمام «أهل السنة والجماعة»، أحمد بن حنبل، «ت٢٤١هـ»، هذا الصراع الذي جعل المسلمين لا يعرفون شيئا عن الإسلام «ملة وشريعة»، إلا من خلال المذهب «الحنبلي، أو المذهب «الأشعري»، وكلٌ يدعي أن أتباعه هم «الأمة الإسلامية»، و«الفرقة الناجية»!!

إنه لمن الخطر الكبير على ملة «الوحدانية»، وعلى حكمة الرسالة «الإلهية»، وعلى قدسية «النبوة»، وعلى أمن البلاد والعباد، اتباع مصادر تشريعية لم يأذن الله تعالى بها، وكانت سببا في استمرار أزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، على مر العصور، كما كانت خير سند للجماعات الإرهابية، التي تسعى في الأرض فسادا، وتسفك الدماء بغير حق، تحت راية التمسك بالكتاب و«السنة النبوية»!!

لذلك أنصح علماء كل فرقة من الفرق الإسلامية، أن يتحدثوا باسم الفرقة التي ينتمون إليها، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، كما أنصح علماء كل مذهب عقدي من مذاهب الفرقة الواحدة، أن يتحدثوا باسم المذهب الذي ينتمون إليه، وليس باسم «الأمة الإسلامية»، وأنا ناصح لكم أمين، وادعي أني على علم.

وللموضوع بقية.

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى