إن «الإسلام»، إعلان الالتزام بالدين الذي أمر الله اتباعه، و«الإيمان»، إقامة البرهان على إخلاص الدين لله، وفق الحق الذي أنزله في كتابه: «إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ».
ولن يقبل الله تعالى غير الدين الخالص: «أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ»، والذي يقابل الدين الخالص الشرك: «وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ»
إن دلائل الوحدانية خير شاهد على أنه: «هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ»، لذلك قال بعدها: «إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ، وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ، وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ».
وهنا يأتي الابتلاء، وتأتي الفتن، ليعلم الله الذين صدقوا وأخلصوا دينهم لله، ويعلم الكاذبين: «وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا خوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ».
إن الذي لم يخلص دينه لله، ولم يجعل بوصلة حياته «الدين الخالص»، لا يذكر الله إلا في الضراء، وينساه في السراء، وينشغل بالنعم عن المنعم، فقال تعالى: «وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ».
أما الذي أخلص دينه لله، فإن حاله يختلف، وتختلف دنياه عن الذي أشرك بالله: «أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً»، فالليل وقت نوم وراحة، فإذا قام المرء وآثر العبادة فيه، فذلك دليل على أنه: «يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ»، لذلك قال بعدها: «قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ».
هل يستوي الذي علم الحق، فقنت آناء الليل، «يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ»، مع مَن جعل لله أندادًا؟! «إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»!!
إن «أولي الألباب» هم الذين عرفوا الحق، وأقاموا عبوديتهم لله على الدين الخالص، فإذا لم يتمكنوا من إخلاص دينهم لله في بلادهم، فأرض الله واسعة: «قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ، إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ».
إن «الإسلام الحق»، هو الذي نبع من قلب مؤمن أخلص دينه لله تعالى: «قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ، وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ»، وإن «المسلم الحق»، هو الذي يعيش حياته خائفا من معصية الله:
«قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ».
وللمرة الرابعة يؤكد الله تعالى على أن «الوحدانية» هي إقامة «الدين الخالص» في الأرض: «قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي».
إن هذه الآيات، من سورة الزمر، وضعت القواعد التي يقيم عليها المسلم مقتضيات إيمانه بالله تعالى، وعلى رأسها الوحدانية، وإخلاص الدين لله.
ولا يستوي من علم الحق، وعرف أن شرعة ومنهج حياته في كتاب الله، مع من لم يعلم ولم يعرف، لأن الله يقول: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا».
إن الذين وصلتهم رسالة ربهم، وعلموا أنها حق، وعرفوا أن الله لن يقبل إلا «الدين الخالص»، وأن أرض الله واسعة، ثم بعد ذلك أخلدوا إلى متاع الدنيا وزينتها، وفتنتهم أموالهم، ظنا أنهم ينفقونها في سبيل الله، وما هي في سبيل الله، هؤلاء يقول الله تعالى لهم:
«الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا، فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا، وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ».
ويقول للذين عرفوا الحق نظريا، وهجروه عمليا: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا، وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى، قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا، قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى».
إن من غضب الله على المسلمين، أن أنزل العذاب بهم، ومظاهره معيشتهم الضنك، التي لا تخفى على أهل البصيرة:
«قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ، أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا، وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ، انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ»
فهل فقه المسلمون لماذا معيشتهم ضنك؟!
وهل فقه الذين يرون آيات العذاب شاخصة أمامهم ولا يعتبرون، أنهم من القاسية قلوبهم، وأن عليهم أن يتوبوا إلى الله، ويؤمنوا، ويقنتوا آناء الليل، يسجدون ويتضرعون؟!
محمد السعيد مشتهري