لتعريف بكاتب الرسالة: انظر صفحته
الموضوع: تعليق منه على مقالاتي بوجه عام، وعلى مقال «النسيء» بوجه خاص، والرسالة منشورة على صفحته.
الدافع إلى نشر هذه الرسالة: ضرب المثل بالمنهجية العشوائية التي يتحلى بها المدافعون عنها!!
نص الرسالة:
«حضرة الدكتور محمد سعيد المشتهري
هل تعرف نفسك بأنك مثل محطة الإذاعة البريطانية التي كانت تعمل خلال الحرب العالمية الثانية فتذيع (٩٩) خبرا صحيحا، وخبرا واحدا مفترى يغطّي الفائدة من الأخبار الـ (٩٩).
مثلا: سؤالك: هل يتحمّل الصحابة الجالسين في بيوتهم أثناء فتنة قتل عثمان (ر) مسؤولية تلك الفتنة، وكشيعي محض حمّلت عائشة أم المؤمنين بشهادة الله الذي جعل نساء الرسول أمهات للمؤمنين مسؤولية تلك الفتنة، وبرأت علي (ر) من الفتنة، والذي كان جالسا في بيته كالآخرين».
أقول: يا أستاذ ممدوح أنا لست سنيا ولا شيعيا، وسبق أن قلت في أكثر من مقال، إن الذين شاركوا في أحداث الفتن الكبري، من الجانبين، قد انقلبوا على أعقابهم، وهم جميعا بنص القرآن في جهنم، إذا لم يكن قد تابوا من مصيبتهم هذه، ولن ينفعهم تأويل أئمة السلف لقوله تعالى: «وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا…»، والسبب تعرفه عندما تقرأ وتتدبر مقالي الخاص بهذا الموضوع!!
إنني عندما أذكر أحداثا متعلقة بالتاريخ الإسلامي، فذلك في إطار المنهجية العلمية التي قام عليها مشروعي الفكري، ومنها تفعيل النص القرآني الذي خاطب الله فيه الصحابة مبينا أنهم بعد وفاة النبي سينقلبون على أعقابهم:
«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ»!!
فهل انقلبوا أم لم ينقلبوا؟! نعم انقلبوا
فأنا لا أنقل عن التاريخ الإسلامي إلا ما هو حقيقة تاريخية، أجمع عليها المؤرخون، المسلمون وغير المسلمين، وذلك دون دخول في تفاصيل الأحداث، التي ذكرها الأستاذ ممدوح في رسالته!!
ثم يقول الأستاذ ممدوح في رسالته: «ولا شك بأن الكثيرالـ (٩٩) مما ذكرت عن القرآن كان صحيحا، إلا الخبر الوحيد الذي ذكرته عن الأشهر الحرم والنسيء واتهمت الذين فهموا ما هو النسيء بأنهم ابتدعوا شيئا جديدا في كتاب الله»
أقول: الحمد لله أن فهمي للقرآن، من وجهة نظر الأستاذ ممدوح، لا ينقصه عن الـ (١٠٠٪) إلا (١٪)، وأن هذا الـ (١٪) يتعلق بموضوع «الأشهر الحرم والنسيء»، ولكن فهل هذا الـ (١٪) يجعل الأستاذ ممدوح يتهمني بأني شيعي، ويؤكد ذلك بقوله:
«لقد قلت عن الأشهر الحرم ما قاله المخرّبون السلف عنها، وسمّيتموها بالإشتراك مع أهل السنة: ذو القعدة، وذو الحجة، اللذين هما من أشهر الحج المعلومات ولا علاقة لهما بالأشهر الحرم»!!
ويقول: «ومن ثم قفزتم مع أهل السنة، وكما قفز الجاهلون من أهل السلف، ستة أشهر لتجعلوا من شهر رجب الذي كان المشركون يرجّبونه ترجيبا لآلهتهم المبثوثة حول الكعبة حينئذ شهرا حراما»!!
ويقول: «وقلت في معلوماتك الشيعية بأنه لا بأس بأن نسمي شهر الربيع في عز الشتاء أو الصيف ربيعا، واتهمت من لا يقبل ذلك بالعبثية في كتاب الله، وكذلك عن النسيء إلي لا تعرف عنه شيئا، لا أنت كشيعي ولا أهل السنة والجماعة »
ويقول: «إقرأ أنت ومن معك الآيتين (٩٤-٩٥) من سورة المائدة، تعرف معنى الحرم هذا، إذا شئت أن تهتدي»!!
أقول: لن أدخل في تفاصيل الرد على بدعة «الأشهر الحرم والنسيء» التي خرج علينا بها من لا يعلمون شيئا عن «المنهجية العلمية» في فهم القرآن، لأني قمت بالرد عليها في دراسة علمية قرآنية على هذه الصفحة، وإنما سأقول كلمة واحدة عن هذه «المنهجية العلمية» التي يفتقدها «العشوائيون».
أولا: يستحيل، يستحيل، يستحيل…، فهم «كلمة» واحدة من كتاب الله، بمعزل عن ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي»، وهذه المنظومة المعرفية، ليست تراثا دينيا، ولا سنة نبوية مذهبية، ولا سنة رسالية، وإنما هي منظومة المعارف المتواصلة التي قامت عليها حضارات الأمم، وفي مقدمتها «الألسن»، ومنها اللسان العربي، فهل هناك مدرسة داخل القرآن تعلم فيها المسلمون هذا اللسان!!
ثانيا: يستحيل، يستحيل، يستحيل…، فهم الموضوعات «العلمية» الموجودة في القرآن، وأحكامها، دون الرجوع لأهل التخصص العلمي، وتكون كلمتهم هي الحاكمة، إلى أن يأتي العلم بجديد!!
منذ عقدين من الزمن، لم يكن معرفة نوع الجنين ممكن، وكنا نفهم قوله تعالى: «وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ» على أن الله وحده هو الذي يعلم ما إذا كان الجنين ذكرا أو أنثى، واليوم وبعد أن استطاع الأطباء معرفة نوع الجنين، أصبحنا نفهم الآية على أن علم الله يتعلق بما سيكون في الأرحام منذ لحظة التلقيح الأولى!!
ثالثا: كل الإشارات العلمية المتعلقة بآيتي الشمس والقمر، وعلاقتهما بالأرض تكون الكلمة الأولى فيها لعلماء الفلك، وليس للذين يجلسون في بيوتهم سنوات وسنوات يدرسون الآيات في كتاب الله، بمعزل عن هؤلاء العلماء، ثم بعد كل هذا الجهد، يخرجون علينا بقولهم:
«أن السنة ليست (٣٦٥) يوما، ولا (٣٦٦)، بل إن هذا بحسابنا، وقد أمرنا العليم الحكيم أن نتعلّم الحساب وأخبرنا بأن هنالك حساب للشمس والقمر، وقال: «الشمس والقمر بحسبان»، وعلّمنا بأن هنالك شهرا يأتي متأخرا في كل (٣٢) شهر قمري سمّاه الله الشهر النسيء»!!
أقول: إن الذين يقولون بهذا يفترون على الله الكذب، وهذه هي مصيبة المنهجية العشوائية، التي جعلت أصحابها يتقوّلون على الله بغير علم، ويقولون: «إن هنالك شهرا يأتي متأخرا في كل (٣٢) شهر قمري سمّاه الله الشهر النسيء»!!
أين ومتى وكيف تعلمتم من الله أن هناك شهرا يأتي متأخرا في كل (٣٢) شهر قمري سماه الله شهر النسيء؟!
أين هذا النص الذي ذكر الله فيه جملة «كل ٣٢ شهر قمري»؟!
من أين جئتم بهذه البدعة، ومن من علماء الفلك وافقكم عليها؟!
لقد اطلعت على كل ما كٌتب حول هذا الموضوع، وقد ذكرت ذلك في مقالي، فلم أجد له أصلا في كتاب الله، وكلها استنتاجات هوائية، على نظام (القص واللصق)!!
ولذلك أطلب من هؤلاء (فقرة واحدة من عدة أسطر)، يشرحوا لنا فيها كيف استنتجوا من كتاب الله وحده، أن هناك شهرا يأتي متأخرا في كل (٣٢) شهر قمري سماه الله شهر النسيء؟!
أما إذا خرجوا في تعليقاتهم عن الاستشهاد بنصوص قرآنية، فلن تساوي تعليقاتهم المداد الذي كُتبت به، ولن ألتفت إليها!!
رابعا: يقول: «إقرأ أنت ومن معك الآيتين (٩٤-٩٥) من سورة المائدة، تعرف معنى الحرم هذا، إذا شئت أن تهتدي»!!
أقول: يقول الله في الآية (٩٤):
«لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ»
ثم قال تعالى في الآية (٩٥):
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ».
ويطلب مني الأستاذ ممدوح أن أقرأ الآيتين لأعرف معنى «حُرُم»، وأنا أطلب منه أن يأتينا من كتاب الله، بمعنى كلمة «رماحكم»، التي سيقتل بها الصيد وهو «حُرُم»!!
إنه لن يجد لها وصفا في كتاب الله، لذلك أقول له:
إن المصدر المعرفي الذي ستتعلم منه معنى «الرمح» وصفاته، هو نفسه الذي سيعلمك معنى «حُرُم»، فاذهب إليه، وليس إلى كتاب الله!!
محمد السعيد مشتهري