نحو إسلام الرسول

(408) 12/1/2016 (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)

هناك من يقولون إن الإسلام لم يأمر المرأة المسلمة بالحجاب وإنما أمرها فقط بـ «الحشمة»، فإذا سألتهم: من أين جئتم بهذه الافتراءات، التي لا أصل لها في كتاب الله، قالوا: إنما نحن متبعون، مقلدون لكثير من المفكرين الإسلاميين، الذين يرون ذلك، ولو أراد الله حجابا للمرأة لجاء بنص صريح واضح لا لبس فيه!!

أقول: إن الله تعالى لم يأمر المرأة المسلمة باستخدام لباس اسمه «الحجاب»، وليس في كتاب الله كلمة اسمها «الحشمة»، وإنما أنزل أحكاما لتصحيح أوضاع كانت عليها المرأة في الجاهلية، ويحرم أن تستمر عليها بعد اعتناقها الإسلام، ومن هذه الأحكام، قطعية الدلالة، ما ورد في الآية (٣١) من سورة النور، وقوله تعالى:

(وَلْيَضْرِبْنَ)، (بِخُمُرِهِنَّ)، (عَلَى جُيُوبِهِنَّ)

إن قوله تعالى (وَلْيَضْرِبْنَ)، يحمل أمرا إلهيا قطعي الدلالة، لمن لهم دراية بأدوات فهم القرآن، ومنها علم «السياق القرآني»!!

إن كلمة «الضرب» تأتي في السياق القرآني بأكثر من معنى، وسياق الآية هو الذي يحدد هذا المعنى، فعندما يقول الله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً»

فالضرب هنا بمعنى (الجعل): «فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ»، أي لا تجعلوا لله مماثلاً!!

إن الضرب، في اللسان العربي، يأتي بمعنى (الجعل)، و(الوضع)، و(التغطية)، ومن ذلك قولهم: ضربَ خيمة، وضرب بيتاً، و«ضربت عليك العنكبوت بنسجها»!!

إن الله تعالى عندما يأمر النساء المؤمنات، في الآية (٣١) من سورة النور، فيقول:

«وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»

ثم يقول في نفس الآية:

«وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ»

نفهم أن «الضرب» في الآية الأولى يعني (الجعل)، أي اجعلوا «الخمار» الذي تعرفونه يغطي الجيوب، ونفهم أن «الضرب» في الآية الثانية يعني الإيقاع بشدة، أي المشي مع ضرب الأرجل بشدة، والذي ينتج عنه إظهار زينة المرأة الخفية.

فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى: (بِخُمُرِهِنَّ)، نجده يتعلق بفعل الأمر (وَلْيَضْرِبْنَ)، لبيان أن (الخمار) هو المحور الأساس الذي جاءت الآية تصحح وضعه، وليس لإنشاء حكم جديد لشيء لم تكن المرأة العربية تعرفه!!

فإذا أردنا أن نقف على معنى هذا (الخمار) فلن نجده في كتاب الله، ولا سبيل أمامنا لمعرفة معناه إلا أن نستعين بـ «منظومة التواصل المعرفي»، وما حملته من معاجم اللسان العربي، وقد أجمعت على أن (الخمار) هو الثوب الذي كانت المرأة تغطي به رأسها فقط في الجاهلية!!

فإذا ذهبنا إلى قوله تعالى: (عَلَى جُيُوبِهِنَّ)، وجدناه يتعلق بالمحور الأساس للحكم الشرعي الذي هو (الخمار)، وذلك لتصحيح وضعه وهيئته ليشمل تغطية الجيوب!!

وليس في كتاب الله تفصيل لمعنى «الجيب»، ما هو، وأين هو، فهل شرح الله تعالى لنا أين هو هذا «الجيب» الذي أدخل موسى، عليه السلام، فيه يده: «وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ»؟!

إذن فلا مفر أمامنا أيضا إلا الاستعانة بـ «منظومة التواصل المعرفي»، نأخذ منها، ومن معاجم اللسان العربي، معنى «الجيب»، كما أخذنا منها معنى «الخمار»، فنجد أنه يعني فتحة الثوب من أعلاه، بقصد إخفاء أعلى الصدر، الأمر الذي يستلزم منطقيا أن تغطي المرأة الأذنين والعنق!!

ولا يقول قائل: ولماذا لا يغطي (الخمار) أيضا الوجه، وهو أعظم زينة في جسم المرأة، ومحل الأنظار والفتنة؟!

والجواب: هذا حكم آخر، يتعلق بـ «زينة المرأة المسلمة»، وليس بلباسها، وقد ورد هذا الحكم أيضا في الآية (٣١) من سورة النور، قبل وبعد قوله تعالى: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ»، فقال تعالى قبلها:

«وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا»

وقال بعدها:

«وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ..»

وتفصيل ذلك في الموضوع المنشور على الموقع بعنوان «زينة المرأة المسلمة».

إن قوله تعالى: «وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ»، تشريع إلهي، قطعي الدلالة، واجب الاتباع، والإصرار على مخالفته «كفر» بهذه التشريع الإلهي، ويُرجع في مفهوم «الكفر» إلى المقال السابق: «مفهوم الكفر بين الدين الإلهي والتدين السلفي».

محمد السعيد مشتهري

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى