إن القراءة العشوائية لما أكتب، لا تثمر إلا عشوائية في التفكير، وتخبط في الأدلة التي يأتي بها المخالف دفاعا عن وجهة نظره!!
لقد سألت في مقالي السابق «عندما يصبح الكافر مؤمنا، حسب هوى المذهب» سؤالا:
«هل المؤمن الذي قتل مرة، أو زنى مرة، يخرج من ملة الإسلام؟!».
وكان الجواب: لا يخرج، وذكرت الأسباب، ومنها أنه لم يصر على معصية ربه، وجئت بالآيات الدالة على ذلك.
إن القضية الأساسية التي جاء المقال يبينها، هي قضية «الإصرار على المعصية»، ردا على قول شيخ الأزهر عن بقاء المؤمن على إيمانه: «ولو ارتكب فظائع الدنيا كلها»!!
المقال كله عن «الإصرار على المعصية»، وجميع الآيات التي جئت بها تصف المسلم المؤمن المصر على المعصية بالكفر، ولو كان من الصحابة الذين سفكوا دماء بعضهم البعض، لعدة أيام متواصلة، مع سبق الإصرار والترصد، لأن الله تعالى يقول:
«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً»، «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا».
لقد وصف الله تعالى المؤمن القاتل المتعمد القتل بالكفر: «فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا»، والقاضي الذي أثبت بالأدلة أن القاتل تعمد القتل، مع سبق الإصرار والترصد، عليه أن يصفه بالكفر، وعلى الناس أن يعلموا أنه كافر، ولكن الحكم بإعدامه ليس من أجل كفره، وإنما قصاصا، لأن الكفر لا عقوبة عليه في الدنيا، وقد بيّنت ذلك في المقال!!
مثال: قال تعالى في سورة النساء:
«وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا».
لقد بيّن الله تعالى لنا من هو الكافر، ووصفه لنا بصفات لنعلمه، ولنستطيع التمييز بينه وبين المؤمن، فعندما أكون في مجلس، وأرى من يكفر ويستهزأ بآيات الله، بأية صورة، فيجب أن أنسحب فورا من هذا المجلس، وإلا خرجت من دائرة «الإيمان» إلى دائرة «النفاق»، يعني أصبحت منافقا، أجلس مع كافر، فهذه صفات يجب أن تكون معلومة للناس جميعا!!
وإن الشيء الوحيد الذي يُخرجني من دائرة النفاق، ويجعلني استمر في الجلوس معه، هو زوال السبب الموجب لذلك، وهو الإقلاع عن الكفر بآيات الله والاستهزاء بها، فقال تعالى: «حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ»!!
إذن فصفة «الكفر» في حد ذاتها لا يترتب عليها عقوبة في الدنيا، وإنما يجب أن نعلم من هم الكفار، ومن هم المؤمنون، ومن هم المنافقون، بناء على الصفات التي بينها الله لنا في كتابه!!
إن المؤمن المصر على الزنى (على سبيل المثال) كافر مخلد في جهنم، قال تعالى في سياق الحديث عن صفات عباد الرحمن:
«وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا»
«يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا»
«إِلَّا مَن (تَابَ) وَ(آمَنَ) وَعَمِلَ (عَمَلًا صَالِحًا) فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا»!!
والسؤال: هل «داعش» يتوب من الكبائر التي يرتكبها يوميا، فيأتي البغدادي بمن سرق من رجاله فيقطع يده، وبمن قتل فيقتله، وبمن زنى بالسوريات و«الأيزيديات» فيجلده، وبمن قطع الطريق يعاقبه بقانون «الحرابة»؟!
إن جميع المنظمات والجماعات الإرهابية، التي ترفع راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وتقتل المسلمين، وتسرق أموالهم، وتغتصب نساءهم، وتبيعهم في سوق النخاسة…، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، لا يوجد دليل واحد في كتاب الله يُبقيهم على إسلامهم، ولا على إيمانهم، ولو أقروا بأصول الإيمان مليون مرة!!