نحو إسلام الرسول

(399) 2/12/2015 (أكاذيب السلفية الوهابية التي يحاولون إقناعنا أنها أحاديث نبوية)

إن المحور الأساس الذي تدور حوله إشكاليات تجديد الخطاب الديني، عند جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، هو مساواة حجية (المرويات) التي نسبها الرواة إلى النبي، عليه السلام، ودوّنها المحدثون بعد وفاته بقرنين من الزمن، بحجية كلام النبي الذي خرج على لسانه بلفظه وحرفه في حياته!!

والذين قالوا إن (مرويات) الرواة وحي إلهي، حمل للمسلمين مصدرا تشريعيا مستقلا عن كتاب الله، هؤلاء هم الذين أسّسوا ونظّروا وقعدوا لمنظومة الفكر المتطرف، الذي وظفته المنظمات والجماعات والمؤسسات الإرهابية التي ظهرت منذ عصر تدوين أمهات الكتب، وإلى يومنا هذا، الأمر الذي يستلزم ثورة فكرية ثقافية (لتأصيل) الخطاب الديني، وليس (تجديده)!!

إن (تأصيل) الخطاب الديني، يقوم على قاعدة (الحجيات)، قاعدة: «قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ»، وذلك على النحو التالي:

أولا: حجية «كتاب الله»: وهي ثابتة ثبوت كتاب الكون أمامنا، ثم إن كتاب الله هو «الآية الإلهية» الدالة على صدق «نبوة» رسول الله محمد، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين، وعندما طلب الكافرون أن ينزل الله على رسوله «آيات حسية»، كالتي أيد الله بها الرسل السابقين، قال تعالى:

«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ».

ثانيا: حجية «الحديث النبوي»: وهي ثابتة ثبوت بعثة النبي، عليه السلام، وتحركه بين قومه، هؤلاء الذين كان بإمكانهم سماع كلامه، الذي خرج على لسانه بلفظه وحرفه، والتفاعل معه. وقد انتهت فاعلية هذا الحديث بوفاة النبي، ويبقى النص القرآني حاملا لبعض حديثه، محفوظا بحفظ الله لكتابه، يقول الله تعالى مخاطبا المؤمنين المعاصرين للرسول:

«يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ…» – «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ…» – «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ…» – «يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ…».

ثالثا: حجية «السنة النبوية»: وهي ثابتة ثبوت تفعيل النبي للنص القرآني في حياته الخاصة والعامة، وكيفية أدائه لما أجمله هذا النص من أحكام، كالصلاة، والتي تناقلها المسلمون بالتقليد والمحاكاة عبر «منظومة التواصل المعرفي»، وقد سبق بيان ذلك في أكثر من مقال.

رابعا: حجية «المرويات»: وهذه الحجية لم تثبت لها فاعلية في حياة النبي، وبرهان ذلك هو ما بين أيدي المسلمين اليوم من أمهات كتب هذه «المرويات»، فهل توجد رواية واحدة منسوبة إلى النبي مباشرة بدون «سند روائى»؟! لا توجد مطلقا، لماذا؟!

لأن هذه «المرويات» لم تدوّن في حياة النبي، وإنما دوّنت بعد قرن ونصف القرن (على أقل تقدير) من وفاة النبي، فكان لابد أن يكون لها سند روائي: روى فلان عن فلان عن فلان…، حتى يصل إلى رسول الله، والذي يشهد بصحة أو عدم صحة هذا السند الروائي هم علماء الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، حسب انتماءاتهم العقدية والتشريعية!!

والغريب، الذي يدعونا إلى التوقف كثيرا، ونحن أمام مصدر تشريعي تسفك بمروياته وبفتواه الدماء بغير حق، أن حجية هذه «المرويات» قامت على ما يُسمى بـ «خبر الواحد»، أو بـ «حديث الآحاد»، فمن أين جاء هذا المصطلح؟!

لقد كان الصحابة يتداولون ما سمعوه من النبي (شفاهة)، فلم يشهد عصر الرسالة ولا عصر الخلافة الراشدة أي مدونة لهذه المرويات، ثم نقل التابعون عنهم مروياتهم، واستمر هذا النقل من راوٍ إلى آخر عقودا من الزمن حتى جاء عصر التدوين وسُمح بالتدوين، فدوّن المحدثون هذه المرويات كما وصلت إليهم!!

ثم جاء عصر تتبع فيه المحدثون هذه «المرويات» لمعرفة أحوال رواتها، فنتج عن هذا التتبع أن قسموها إلى «متواتر»، وهي الرواية التي نقلها عدد كثير يستحيل اتفاقهم على الكذب، عن مثلهم، إلى آخر السند الروائي، وإلى «آحاد»، وهي الرواية التي لم تنطبق عليها شروط «التواتر»، ثم جاء أبو حنيفة وأضاف قسما ثالثا سماه بـ «المشهور»، وهي الرواية التي كانت في أصلها «آحادا» ثم نقلها بعد ذلك جمع كثير!!

مثال للمشهور: رواية عمر بن الخطاب «إنما الأعمال بالنيات»، لم يروها عنه خلال القرن الأول إلا يحيى بن سعيد الأنصاري، ثم نقلها عنه في القرن الثاني العدد الكثير!!

ثم جاء من قسم رواية الآحاد إلى أقسام: غريب، وعزيز، ومشهور..، لذلك لم يكن غريبا أن نجد المحدثين، على مستوى الفرق الإسلامية المختلفة، يختلفون اختلافا كبيرا حول أقسام الرواية وندرة ما اصطلحوا على تسميته بـ «المتواتر»، يقولون:

إن من لوازم القول بعدم حجية خبر الواحد ألا يُكْتَفَى بقول واحد من علماء الحديث بتواتر حديث ما، ذلك لأن قوله هذا، عن تواتر الحديث، هو خبر آحاد، ويتعذر إثبات شهادة جميع علماء الحديث بتواتر الحديث، لذلك وجب قبول خبر الواحد المتخصص في علم الحديث، وإلا سقط علم الحديث كله، فإن أكثر الأحاديث النبوية آحادٌ، والمتواتر منها قليل بالنسبة إلى الآحاد!!

هذه فكرة عامة وسريعة عن إشكاليات «المرويات»، التي قام عليها تدين أتباع الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، وقام عليها ما يُسمى بالمصدر الثاني للتشريع، وقامت عليها التوجهات العقدية والتشريعية للقائمين على إدارة المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، محليا ودوليا!!

فإذا ذهبنا إلى السلفية الوهابية، وجدناهم يخالفون كثيرا من الفرق والمذاهب الأخرى (كالمعتزلة، والأشاعرة) في حجية العمل بخبر الواحد في العقائد والأحكام، ويقولون إنه لا فرق بين رواية الآحاد والرواية المتواترة، بدعوى أنه إذا صحت الرواية إذن فهي حجة بنفسها في العقائد والأحكام معا!!

في عام ١٩٩٩م، جمعني لقاء بأحد أئمة السلفية الوهابية، الذي كان له دور كبير (عام ٢٠١٣م) في دفع المسلمين للجهاد في سوريا، وكان على رأس القيادات السلفية الإرهابية التي دعت إلى مؤتمر نصرة الشعب السوري، وقد كان هذا اللقاء لمناقشة مشروعي الفكري، وفيه بيّنت البراهين الدالة على أن مستقبل الإسلام والمسلمين في خطر، بسبب هذا المصدر الثاني للتشريع، الذي يحمل مرويات وفتاوى التخاصم والتكفير وسفك الدماء بغير حق، ثم انتهى اللقاء باتهامي بإنكار السنة!!

وفي (أكتوبر ١٩٩٩م) كان الموسم الثقافي السنوي الذي يعقد في مسجد العزيز بالله، بحي الزيتون القاهرة، ويحضره مئات السلفيين، وفيه تحدث الشيخ عن حجية السنة النبوية، وحجية خبر الواحد، ثم قال (والحديث مسجل ومنشور على موقعي):

«إن فريقا من أهل العلم ذهبوا إلى أن خبر الآحاد قطعي الثبوت، فسواء قلنا قطعي الثبوت، أو ظني الثبوت، فليُعلم أن (أهل السنة) اتفقوا، (واتفاقهم حجة)، على أن خبر الآحاد يٌعمل به سواء كان ذلك في العقائد أو في الأحكام، في العقائد (مرة ثانية) أو في الأحكام، هذا هو مذهب أهل السنة»!!

وقال: «إن الأمة أجمعت على أن جحد السنة كفر، كفر بالله تبارك وتعالى، لأنه رد للقرآن، رد للقرآن:

«وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا»

المؤمنون كلهم يحتجون بالسنة، الذي يسقط السنة هذا خرج عن سبيل المؤمنين جمعهم، والخارج عن سبيل المؤمنين كفره معروف»!!

ثم قال: «الشيخ عبد اللطيف مشتهري رحمه الله، ابنه محمد المشتهري، أسأل الله عز وجل أن يهديه، أو أن يأخذه أخذ عزيز مقتدر، يؤتى به في التلفاز ليبين للناس أن السنة لا حجة فيها، وقد جالست هذا الأحمق، وقلت له: إذن سقط القرآن كله، قال: لا لم يسقط القرآن، قلت له: كيف، لغة العرب التي نزل بها القرآن من أين عرفناها؟ نُقلت إلينا، قال: نُقلت نقلا متواترا، قلت: وكذلك الاحتجاج بالسنة كلها نقل إلينا نقل التواتر، فكيف نأخذ بالتواتر في موضع ونترك التواتر في موضع آخر؟!»!!

فتعالوا أولا إلى قول الشيخ عني: «يؤتى به في التلفاز ليبين للناس أن السنة لا حجة فيها»!!

فها هو أحد كبار أئمة السلفية الوهابية، الذين يؤمنون بوجوب العمل بخبر الآحاد في العقائد والأحكام، ينقل لنا خبرا مفترى من أساسه، يهدم مذهبه في حجية خبر الآحاد، لأنه لم يحدث في يوم من الأيام، أني ظهرت في (التلفاز)، أتحدث عن شيء له علاقة بالإسلام، ملة وشريعة، منذ أن ظهر إلى الوجود، إلى يومنا هذا!!

إذن فمن أين جاء الشيخ بهذا الخبر المفترى، الذي أعلنه على حشد كبير من الناس، ليصبح بعد ذلك متواترا، وما زلت أعاني من آثاره إلى يومنا هذا؟! هل شاهد بنفسه هذا البرنامج؟! مستحيل، لأنه لم يحدث أصلا!! إذن فإما أنه افتراه، أو أبلغه به أحد (الرواة الثقات العدول) من أتباعه، وفي الحالين، يكون الشيخ قد أقام على خبر مفترى حكما بكفري!!

انظروا: هذه رواية مفتراة، لشيخ مازال حيا، وإنا مازلت موجودا، ونعيش في بلد واحد..، فكيف بحال «المرويات» التي نُسبت إلى رسول الله، ثم دوّنت بعد قرن ونصف القرن من وفاته، بعد أن توفي الصحابة والتابعون، وهم أصحاب الحلقة الأولى من السند الروائي؟!

ثم انظروا إلى قول الشيخ، في سياق اتهامه لي بالكفر: «والخارج عن سبيل المؤمنين كفره معروف»، يعني لو أنني كنت موجودا بين الحضور، وأشار الشيخ إليّ وقال لأتباعه: هذا هو محمد مشتهري، لاستحلوا دمي جميعا!!

لذلك سيبقى السؤال قائما: أي خطاب ديني هو المطلوب تجديده؟! ثم ما المقصود بكلمة (ديني)، فأي طائفة دينية هي التي ستقوم بتجديده؟!

لقد ذكرت هذه الواقعة (التاريخية)، لأقول:

أولا: للمسلمين، الذين تدفعهم عاطفتهم الدينية إلى ارتكاب أعمال عنف، حتى ولو أدت إلى سفك الدماء، أقول لهم: هذه العاطفة الدينية التي تندفع بغير علم، وبرهان من الله تعالى، هي التي ستعتمد عليها السلفية الجهادية في أعمالها الإجرامية، في المستقبل القريب، سواء كان ذلك بدعوى الدفاع عن الرسول، أو بدعوى إقامة الخلافة الإسلامية، فاستيقظوا وانتبهوا، فالإسلام دين العلم، والعلم برئ من هؤلاء.

ثانيا: وأقول لمن يعتقدون أنه بالإمكان القضاء على الإرهابيين بما يملك العالم من أسلحة الدمار الشامل: إنكم واهمون، إن الإرهابيين ليسوا هم الذين يحملون السلاح أمامكم، وإنما هم الذين صنعوا منظومة الفكر الإرهابي، واخترقوا بها المصدر الثاني للتشريع، وقالوا إنها «السنة النبوية» فأصبحنا أمام كيانات عقدية لا ترى أمامها اليوم إلا قوله تعالى:

«إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ»

إن الإرهابيين ليسوا هم الذين يقومون بالتفجيرات، بأنواعها المختلفة، وإنما هم الذين استطاعوا أن يقنعوا من يقومون بهذه الأعمال الإجرامية أنهم بعملهم هذا سيدخلون الجنة بغير حساب!!

إن الإرهاب فكر قبل أن يكون سلاحا، وهذا الفكر يحتاج إلى ثورة فكرية ثقافية، تقوم على تأصيل الخطاب الديني، وليس تجديده ولا تنقيته، ومرجعنا في هذا التأصيل هو كلام الله عز وجل.

«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

محمد السعيد مشتهري

معلومات:

أمهات الكتب: مصطلح استخدم للدلالة على أوائل الكتب التي حملت التراث الديني للفرق والمذاهب المختلفة، كأمهات كتب التفسير والحديث والفقه والتاريخ والسيرة..، ويشمل أيضا كتب اللغة والأدب والفلسفة وغيرها.

أبو حنيفة: ولد عام ٨٠هـ، وهو إمام المذهب الحنفي، تعرض لمحنتين: الأولى في الخلافة الأموية لوقوفه مع ثورة زيد بن علي، فحبسه الوالي. والثانية في الخلافة العباسية لوقوفه مع ثورة محمد النفس الزكية، فحبسه المنصور، إلى أن توفي عام١٥٠هـ.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى