نحو إسلام الرسول

(398) 30/11/2015 (هل انتشر الإسلام بحد السيف؟)

لقد أثار مقال: «بدعة النسيء، وشريعة الجاهلية الأولى» عدة قضايا أهمها الإجابة على هذا السؤال:
«لماذا اشترط الاسلام على المشركين إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، ولم يكتف بإعلانهم الدخول فى الإسلام بنطق الشهادة مع أن مجتمع المدينة كان يعج بالمنافقين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ومع ذلك كان الكفر دينهم؟»؟!

والجواب:

لقد قال الله تعالى، في الآية (٥) من سورة التوبة، في سياق الحديث عن قتال الناقضين لعهودهم، الذين اعتدوا على حرمات المسلمين وقاتلوهم:

«فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ (وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ) – (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ) – (فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) – إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ».

ونلاحظ أن الله تعالى لم يقل: «فاقتلوا المشركين (حتى) يتوبوا ويقيموا الصلاة»، والفرق كبير، خاصة إذا تدبرنا قوله تعالى بعدها (الآية ٦):

«وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ».
لأنه لو قال تعالى: (حتى يتوبوا)، فقد جعل دخولهم في الإسلام شرطا للكف عن قتالهم، وهنا نكون قد وقعنا في ما وقع فيه أصحاب وأنصار بدعة (الإسلام انتشر بحد السيف)!

أما قوله تعالى: (فَإِن تَابُوا)، فهذا خطاب للمسلمين (وليس للمشركين)، يحذرهم من قتال من أعلنوا إسلامهم وتوبتهم أثناء القتال..، حتى ولو كان هذا الإعلان (تقية) أو (نفاقا) لخداع المسلمين، وكذلك صلاتهم وزكاتهم!!

إن القضية في هذا السياق هي فقط: «فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ»، أي ترك المشركين المعتدين يعيشون بين المسلمين في سلام، لمجرد أنهم أعلنوا توبتهم، لأن هذه التوبة لا يعلم حقيقتها (حتى الآن) إلا الله، لأنها جاءت في ظروف:

«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ (وَجَدتُّمُوهُمْ) وَخُذُوهُمْ (وَاحْصُرُوهُمْ) وَاقْعُدُوا لَهُمْ (كُلَّ مَرْصَدٍ)».

ولذلك فإن تركهم لحال سبيلهم يجب أن يكون تحت رقابة مشددة، حتى التأكد من صدق إسلامهم وإيمانهم، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى في سورة الممتحنة (الآية ١٠)، مخاطبا الذين آمنوا:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» – «إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ» – «فَامْتَحِنُوهُنَّ» – «اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ» – «فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ» – «فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ» – «لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ».

ولكن ما الفرق بين قوله تعالى في الآية (٥):

«فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ» – «فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ».

وقوله تعالى في الآية (١١):

«فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ» – «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ».

أن الآية (٥) يتحدث سياقها عن قتال المشركين، بعد انتهاء فترة الأمان (الأربعة أشهر) الممنوحة لهم: «فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ» – «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ..».

فقوله تعالى: «حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ..»، يناسبه قوله بعدها: «فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ»، أي عدم التعرض لهم بسوء، بصرف النظر عن حقيقة إسلامهم أو إيمانهم!!

أما الآية (١١) فيتحدث سياقها عن توبة المشركين الحقيقية، التي يجب أن يلمسها المؤمنون على أرض الواقع، لذلك سبق الحديث عن هذه التوبة بيان مدى عداوة المشركين للمؤمنين، الأمر الذي يقتضي تأكدهم من صدق توبة وحسن إيمان المشركين، وهذا ما بينه قوله تعالى (الآية ٨):

«كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ»!
وقوله تعالى بعدها:

«اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»

ثم قوله تعالى الآية (١٠):

«لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ».

إذن فالسياق هنا يتحدث عن انتهاك حرمات المسلمين والاعتداء عليهم، الأمر الذي يقتضي التأكد من صحة إسلام المشركين وصدق إيمانهم، وذلك بتفعيلهم ما يدل على ذلك على أرض الواقع، فإن صدقت توبتهم، وصح إسلامهم، قال تعالى:

«فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ» – «فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ».

إن (الإخوة في الدين) لا تكون إلا بعد توبة حقيقية، وهذا ما أفادت به (فاء) التعقيب (فَإِخْوَانُكُمْ)، الدالة على أن إيمانهم أصبح الآن يقتضي هذه الأخوة، وذلك بعد اجتيازهم فترة الامتحان، أي أن توبتهم هنا كانت سبباً للأخوّة في الدين، أما (الآية ٥) فتوبتهم كانت سببا لعدم التعرّض لهم بسوء: «فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ»!!

هذا هو الإسلام، وهذه هي شريعته القرآنية، ولقد قلت في مقال «بدعة النسيء، وشريعة الجاهلية الأولى»:

«لقد أعطت الشريعة القرآنية الأمان للمشركين المعتدين الناقضين لعهودهم، وجعلتهم يتحركون بين المسلمين مطمئنين، يحرم على المسلم أن يمسهم بسوء: »فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ»، ولم تعاملهم بمثل خيانتهم، ولم تعتد عليهم وهم غافلون، وتركتهم (أربعة أشهر) يستعدون للقتال، فأين المغيبون عن هذه الحقائق، الذين يدّعون أن الإسلام انتشر بحد السيف؟!».

وقلت: «ونلاحظ أن قوله تعالى: «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ« جاء ردا على عدوانهم أول مرة، وخيانتهم وقتلهم المسلمين، وهذا ما بينته الآية (١٣) فقال تعالى مخاطبا المسلمين:

«أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ».

تدبر قوله تعالى: (وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، وهو من الأدلة قطعية الثبوت عن الله عز وجل، قطعية الدلالة، على أن المسلمين يستحيل أن يكونوا معتدين، كما يفعل اليوم أئمة الإرهاب والتكفير، الذين يعتبرون التفجيرات، سواء كانت انتحارية أو غيرها، سلاحا رادعا لإرهاب عدوهم، من العسكريين أو المدنيين، وهي في الحقيقة خيانة عظمى للدين الإسلامي، الذي ارتضاه الله للناس جميعا»!!

فهل من متدبر؟!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى