نحو إسلام الرسول

(394) 19/11/2015 (المغيبون عن الحقيقة … لا دين لهم ولا وطن)

في معظم العمليات الإرهابية، كان الاتهام يوجه إلى التنظيمات الإرهابية التي تعمل تحت راية (لا إله إلا الله – محمد رسول الله)، ويخرج علماء المسلمين ببيانات الإدانة، والقول بأن ما حدث عمل فردي لا يجب أن يحسب على الإسلام!!

واليوم، وبعد أحداث باريس الأخيرة، أصبح الاتهام يوجه إلى (الإسلام) ذاته، بعد أن أعلنت التنظيمات الإرهابية عن قيامها بغزوات إسلامية ضد أعداء الإسلام في دول العالم، وأن ما حدث يوم الجمعة (١٣- ١١- ٢٠١٥) هو أولى هذه الغزوات، التي أطلقوا عليها اسم (غزوة باريس)!!

والسؤال إلى علماء ودعاة المسلمين: هل هذه الإمكانات العسكرية التي ظهرت في باريس في ثمانية مواقع في وقت واحد: الشارع – المسرح – المطعم – المول التجاري – الاستاد الذي كان يتواجد فيه رئيس الدولة…، ثم هذا التخطيط الذي أذهل كثيرا من المحللين العسكريين، وحالة الطوارئ التي أعلن عنها كثير من دول العالم،
هل كل هذا كان عملا فرديا لا يدعو إلى القلق؟!!

لقد تذكرت وأنا أتابع هذه الأحداث الدامية الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية، عبد الفتاح السيسي، في احتفالية وزارة الأوقاف بذكرى المولد النبوي الشريف، الذي قال فيه:

أولا: «نتوقف كثيرا أمام الحالة الي احنا موجودين فيها، مش معقول يكون الفكر اللي احنا بنقدسه ده يدفع بالأمة دي بالكامل إن هيه تبقى مصدر للقلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها».

ثانيا: «أنا مش بقول الدين أنا بقول الفكر ده اللي تم تقديسه، نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي لدرجة إن هيه بتعادي الدنيا كلها، يعني الواحد والستة من عشرة مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا همه..، مش ممكن!!

ثالثا: وقال مخاطبا علماء الأزهر: «والله لأحاجيكم يوم القيامة أمام الله سبحانه وتعالى على اللي أنا بتكلم فيه ده دلوقتي، أنت مش ممكن تكون وأنت جواه حاسس بيه، لازم تخرج منه وتتفرج عليه وتقرؤه بفكر مستنير حقيقي، دا انتو محتاجين تتوقفوا بشدة، وأنا بتكلم وأقول تاني: إحنا محتاجين ثورة دينية» (تصفيق من الحضور)!!

رابعا: ثم وجه الرئيس كلامه بعد ذلك مباشرة إلى شيخ الأزهر: «فضيلة الإمام أنتو مسؤولين أمام الله، الدنيا كلها منتظرة منكم، الدنيا كلها منتظرة كلمتكم، لأن الأمة دي بتُمزَّق، الأمة دي بتُدمَّر، الأمة دي بتضيع، وضياعها بإيدينا إحنا، إحنا اللي بنضيعها».

وهنا يمكن أن نتوقف عند قول السيسي: «أنا بقول الفكر ده اللي تم تقديسه، نصوص وأفكار تم تقديسها على مئات السنين وأصبح الخروج عليها صعب أوي لدرجة إن هيه بتعادي الدنيا كلها، يعني الواحد والستة من عشرة مليار هيقتلوا الدنيا كلها اللي فيها سبعة مليار عشان يعيشوا همه..، مش ممكن»، أليس هذا هو نظرة العالم إلى المسلمين اليوم بعد ليلة باريس الدامية؟!

فما هي هذه النصوص والأفكار التي تم تقديسها مئات السنين، حتى أصبحت تعادى الدنيا كلها، مما جعل السبعة مليار يخافون أن يقتلهم واحد وستة من عشرة مليارات مسلم، غير التراث الديني، للفرق والمذاهب المختلفة، الذي حمل تشريعات ما أنزل الله بها من سلطان؟!

ولقد هيمنت الحوادث الإرهابية التي وقعت في باريس على فاعليات مؤتمر «تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف»، الذي افتتحه شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، في (١٤- ١١- ٢٠١٥)، ومما اقترحه فضيلة شيخ الأزهر على الحضور ما يلي:

أن تتم دعوة كبار علماء المسلمين لمواجهة قضايا ملحة مثل الإرهاب والتكفير والهجرة والخروج على المجتمع والانفصال عنه واستباحة الدماء…، منتقداً وقوف البعض عند ظواهر بعض (النصوص الشرعية)، متجاهلين مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحية نصوصها لكل زمان ومكان!!

والسؤال: منذ عقود من الزمن ومثل هذه المؤتمرات تعقد وتنفض وتخرج بتوصيات، لا فاعلية لها على أرض الواقع، لماذا؟!

لأن الذين يحضرون هذه المؤتمرات من مذاهب عقدية وتشريعية مختلفة، أثبت الواقع استحالة اتفاقهم على شيء، فكل فرقة، وكل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، يقدسون نصوص مصدرهم الثاني للتشريع!!

فما هذه (النصوص الشرعية) التي وقف البعض عند ظواهرها غير نصوص (التراث الديني)، للفرق والمذاهب المختلفة، المقدسة عند أئمة وأتباع كل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، ومعظهم من المجتمعين في المؤتمر!!

ولذلك فعندما انتقد فضيلة الدكتور شيخ الأزهر وقوف البعض عند ظواهر بعض (النصوص الشرعية)، متجاهلين مرونة الشريعة الإسلامية وصلاحية (نصوصها) لكل زمان ومكان، كان من الضروري تحرير مصطلح (النصوص الشرعية)، وأية فرقة من الفرق الإسلامية يطالبها بـ (تجديد الوعي وتوسيع الفهم..، والتعامل مع المشكلات بفتاوى أكثر شجاعة من دون تردد أو تخوف..)!!

وعندما قال فضيلته: «ابتلينا بمن يفهمون (النصوص) على حسب الهوى، ويوظفون الدين لاستقطاب شبان وفتيات لتفجير أنفسهم وقتل الأبرياء طلباً للجنّة بزعمهم، مثلما تفعل (داعش)»!!

إذن فالقضية من وجهة نظر فضيلته ليست في (النص) وإنما في (فهم النص)، وطالما أن لكل فرقة من الفرق الإسلامية مصدرها الثاني للتشريع، إذن فهي تفهم (نصوص الشريعة) من خلال مصدرها، وهذه هي مأساة المسلمين، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، منذ عصر التدوين (١٥٠هـ) وإلى يومنا هذا!!

فهل يُعقل أن تُسفك الدماء بغير حق، استنادا إلى نصوص مصدر تشريعي، إن صحت عند فرقة لم تصح عند أخرى، وإن صحت عند مذهب فقهي من مذاهب الفرقة الواحدة، لم تصح عند آخر؟!

ولكن اللافت للنظر هو سؤال فضيلة شيخ الأزهر في نهاية كلمته: أين التجديد وأين المجددون؟! فإذا وضعنا هذا السؤال أمامنا، وقول السيسي لفضيلته:

«فضيلة الإمام أنتو مسؤولين أمام الله، الدنيا كلها منتظرة منكم، الدنيا كلها منتظرة كلمتكم، لأن الأمة دي بتُمزَّق، الأمة دي بتُدمَّر، الأمة دي بتضيع، وضياعها بإيدينا إحنا، إحنا اللي بنضيعها».

فماذا يفعل المسلمون أمام هذا الإشكال؟!

أولا: إن جميع الأعمال الإرهابية، لا تستند مطلقا إلى نص قراني، ولا حتى إلى فهم خاطئ لنص القرآني، لانتفاء وجوده أصلا، وإنما تستند إلى نصوص التراث الديني التي حملت فتاوى أئمة السلف التي تبيح هذه الأعمال الإرهابية، وهي لا تقبل تجديدا ولا تنقية، وإلا لفعلته المؤسسات الدينية الرسمية في الدولة!!

ثانيا: لا يوجد كتاب أُلف في جواز هذه الأعمال الإرهابية، على مستوى العالم، إلا وحمل للناس كلاما مرسلا، ومفاهيم مغلوطة، وجهلا بأولويات التفكير المنطقي، وأصول البحث العلمي، ومن هذه الكتب كتاب: «الأدلة الشرعية في جواز العمليات الاستشهادية، تأليف: علي بن نايف الشحود»، يقول في مقدمته:

١- «وبما أن العدو يملك جميع أدوات البطش والدمار فكان لا بد من التفكير بطريقة جديدة تؤثر في العدو وخسائرها قليلة، فجاءت العمليات الاستشهادية التي يقوم بها فرد أو مجموعة من الأفراد فيفجرون أنفسهم أو سياراتهم داخل صفوف العدو أو أماكن تجمعه فيحدثون به أذى كثيرا، ويرهبونه أيضاً استناداً إلى قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ…».

٢- «وبما أن الإسلام دين شامل لكل زمان ومكان، فكان لا بد أن يكون له حكم في ذلك، ومن ثمَّ فقد بحث أهل العلم المعاصرون عن تكييف هذه العلميات الاستشهادية فوجدوها تدخل تحت ما يسمى بـ (الانغماس في العدو) الذي تكلم عنه الفقهاء، فتبين لديهم أنها جائزة، بل مستحبة، وربما تجب في بعض الأحوال والأوقات»!!
ويقصدون بـ (الانغماس في العدو): إلقاء المقاتل بنفسه وسط أعدائه، فإنه يغيب فيهم كالشيء ينغمس في ما يغمره!!

٣- فإذا ذهبت إلى كتب الفقه، لتتعرف على حكم (الانغماس في العدو)، وعلاقته بالتفجيرات الانتحارية، وجدت مثلا رواية عن أحمد: أن رجلا حمل وحده على العدو فقال الناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال عمر: كلا بل هذا ممن قال الله فيه: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ».
ويقولون: لقد كان الرجل وحده على عهد النبي يحمل على العدو بمرأى من النبي، و ينغمس فيهم، فيقاتل حتى يُقتل، و هذا كان مشهورا بين المسلمين على عهد النبي وخلفائه.

ويعتبرون قصة أصحاب الأخدود، التي رواها مسلم في صحيحه، دليل على أن الغلام ضحى بنفسه في سبيل إعلاء كلمة الله، فعندما عجز الملك عن قتله أكثر من مرة، قال الغلام له: لن تقتلني إلا إذا فعلت ما أمرك به، أن تجمع الناس على صعيد واحد، وتصلبني على جذع، ثم تأخذ سهمًا من كنانتي، وقبل أن ترمني به تقول: باسم الله رب الغلام، فإن فعلت قتلتني!!

وكذلك قصة ماشطة ابنة فرعون، التي رواها مسلم في صحيحه، هذه المرأة التي ضحت بكل أسرتها وبرضيعها، ثم بنفسها، في سبيل إعلاء كلمة الله داخل بيت الطاغية فرعون!!

ثالثا: فهل يعقل أن كل ما يحدث في العالم من عمليات إرهابية، وتفجيرات انتحارية، باسم الإسلام، وتحت راية «لا إله إلا الله – محمد رسول الله»، والتي أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد أمن وسلامة الشعوب…، لا يحمل دليلا شرعيا غير ما سبق بيانه من أدلة متهافتة، ساقطة شرعا!!

لذلك سيبقى السؤال قائما: لماذا لم يصدر عن مؤتمر «تجديد الخطاب الديني وتفكيك الفكر المتطرف» بيان للعالم ينص فيه على تكفير جميع التنظيمات الإرهابية، وأن ما تقوم به من أعمال إجرامية محرم في الشريعة الإسلامية، كما تشهد بذلك كثير من الآيات القرآنية؟!

من الذي سيعلن للعالم أجمع، أن الإسلام لا يُعرف له مرجع، ولا مصدر تشريعي، غير نصوص «الآية القرآنية»، وما عدا ذلك فليس من الدين الإسلامي الذي أمر الله اتباعه؟!

«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَىٰ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى