نحو إسلام الرسول

(389) 29/10/2015 (أئمة السلف فسروا « السلف » في القرآن خطأ واعتبروها مذهبا)

لقد ذُكرت كلمة «السلف»، في القرآن الكريم في موضع واحد من سورة الزخرف، وهو قوله تعالى عن هلاك فرعون وقومه: «فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ». لقد جعل الله مصير فرعون وقومه «سَلَفاً» ومثلا، ليأخذ الخلف منه العبرة، وليعلموا أن انتقام الله سينالهم إن هم ساروا في طريقهم، وعملوا عملهم فهل أخذ المسلمون العبرة، وسلكوا طريقا غير طريق سلفهم الطالح،

«الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»؟!!

عندما تحدث القرآن عن السلف الصالح، ذكر إبراهيم عليه السلام والذين آمنوا معه، وأمر المسلمين أن يتأسوا بهم في ملة «الوحدانية»، فقال الله تعالى: «قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ»، ثم بيّن بعدها موضع الدرس فقال: «إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ».

لقد ضرب إبراهيم والذين آمنوا معه المثل الأعلى في الوحدانية، قال تعالى في سورة البقرة الآية ١٣٣:

«أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ».

ثم بيّن الله تعالى أن الناس لا يسألون عن أعمال سلفهم الصالح أو الطالح، موحدين أم مشركين، وإنما يسألون عن أعمالهم هم، فقال تعالى الآية ١٣٤:

«تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ»، ولأهمية هذا البيان كرر هذه الآية مرة أخرى «الآية ١٤١».

إن قوله تعالى «تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ» خبر عن أمة مضت، أي خلا منها المكان والزمان، وعندما يذكرها القرآن في هذا السياق فذلك لبيان أن من خلت منهم الأرض «الموتى»، لن ينفعوا من عليها «الأحياء»، إلا في حدود ما جاءت ببيانه الرسالات الإلهية، وليس من خلال المرويات والمدونات التاريخية، لذلك عقب الله بقوله «وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ».

هذا عن تحرير مصطلح «السلف»، حسب وروده في السياق القرآني واللسان العربي، فكيف استطاع أئمة السلف تحريفه وتوظيفه لخدمة توجهاتهم المذهبية؟!

لقد ظهرت «السلفية» في القرن الثالث الهجري على يد أحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ»، ثم قام ابن تيمية بعد ما يقرب من خمسة قرون بإحيائها وتجديدها «ت٧٢٨هـ»، وخلال هذه القرون وإلى اليوم، عاش المسلمون داخل هذه المنظومة السلفية، يفهمون الدين كما فهمه السلف، يأكلون ويشربون كما فعل السلف، ويختلفون كما اختلف السلف، ويتخاصمون كما تخاصم السلف، ويسفكون الدماء بغير حق كما فعل السلف!!

لقد تشكلت المرجعية السلفية لفرقة أهل السنة والجماعة على مرحلتين: الأولى: على يد أحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ»، والثانية: على يد أبي الحسن الأشعري «ت٣٢٤هـ»، ومنذ القرن الثالث الهجري وأهل السنة والجماعة لا يعرفون شيئا عن الإسلام ملة وشريعة، إلا من خلال المذهب الحنبلي أو الأشعري!!

ولكن المذهب الحنبلي لم يستطع الانتشار لأنه كان أكثر المذاهب تشددا وإشعالا لأزمة التخاصم والتكفير بين المسلمين، استنادا إلى اجتهادات أئمته المغلقة والمفرطة، خصوصا في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى جاء عصره الذهبي عندما تبناه محمد بن عبد الوهاب النجدي «ت ١٢٠٦هـ»، باعث السلفية المعاصرة، الذي استطاع توفير الأموال الطائلة التي ساعدت على انتشار المذهب الحنبلي في البلاد حتى أصبح هو الممثل الرسمي للإسلام!!

لقد اختلف أئمة السلف أنفسهم في تعريف من هم «السلف»، فمنهم من قال هم رسول الله وصحبه، ومنهم من أضاف إليهم الخلفاء الراشدين والتابعين، ومنهم من قال هم أئمة القرون الثمانية الأولى، ولكن الحنابلة حصروا «السلفية» في أئمة القرون الهجرية الثلاثة الأولى، استنادا إلى رواية البخاري ومسلم، عن عبد الله بن مسعود:
«خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته».

قال النووي في شرح الحديث: الصحيح أن قرنه الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم.

لقد اعتبر الحنابلة أن وفاة أحمد بن حنبل في القرن الثالث الهجري «ت٢٤١هـ»، يعني أن مذهبهم هو خير المذاهب العقدية، باعتبار أن الحنفية والمالكية والشافعية مذاهب فقهية، فلم يكونوا يعلمون أن هناك من سيأتي في القرن السابع الهجري ليحيى مذهبهم ويجدده ويكون هو الأكثر تأثيرا في عقائد المسلمين وتطرفها، وهو ابن تيمية «ت ٧٢٨هـ»، ثم من بعده محمد بن عبد الوهاب «ت ١٢٠٦هـ»!!

فلماذا لم ترتبط «السلفية» بمذهب أبي حنيفة «٨٠ ـ١٥٠هـ»، أو بمذهب مالك «٩٣-١٧٩هـ» وهو إمام دار الهجرة، أو بمذهب الشافعي «١٥٠-٢٠٤هـ»، الذي عاصر أحمد بن حنبل «١٦٤-٢٤١هـ»، وهي ليست مذاهب فقهية فقط وإنما تكلمت أيضا في العقائد، وقد عدّها البعض من المذاهب الكلامية التي تبحث في صفات الله؟!

لقد ذكر البغدادي، في كتابه «الفرق بين الفرق»، أن أول المتكلمين من أهل السنة هما أبو حنيفة والشافعي، اللذان تحدثا عن القضاء والقدر والجبر والاختيار، وعن الذات الإلهية، وغيرها من القضايا الكلامية، نقلا عن بعض الصحابة والتابعين!!

فإذا أردنا اليوم تحرير مصطلح «السلفية» من كل لبس أو تحريف مذهبي شابه، فهل نستطيع؟!

إننا أمام حديث متفق عليه بين البخاري ومسلم، أي في أعلى درجات الصحة، تستند إليه «المنظومة السلفية» في خيرية أئمة القرون الثلاثة الأولى على سائر الأئمة، ولكن «السلفية» التي تربى عليها المسلمون من أهل السنة، هي سلفية ابن تيمية «ت ٧٢٨هـ»، وسلفية محمد بن عبد الوهاب «ت ١٢٠٦هـ»، وهما خارج القرون الثلاثة الأولى، فما موقف أنصار ابن تيمية والوهابية من رواية البخاري ومسلم؟!

وهل هذه الخيرية التي خص بها الرسول القرون الثلاثة الأولى كانت قاصرة على فرقة أهل السنة والجماعة، وبذلك يكون هذا الحديث دليلا صريحا على أن الفرقة الناجية هي فرقة أهل السنة بقيادة منظومتها «السلفية»، والباقي في النار؟!

ثم كيف تشمل الخيرية القرن الأول الهجري، وقد حدثت فيه الفتن الكبرى، التي شارك فيها الصحابة، وسفكت فيها الدماء بغير حق، وقام فيه الملك العضوض بقيادة الخلافة الأموية؟!

لقد ظهرت المذاهب العقدية المتصارعة في القرون الثلاثة الأولى، واحتدم الصراع بينها، فأحمد بن حنبل «ت٢٤١هـ» يتهم أبا حنيفة «ت١٥٠هـ» بالقول بخلق القرآن، وكل من قال بخلق القرآن فهو جهمي، وكل جهمي في نظر الحنابلة كافر!!

وكان أحمد بن حنبل يؤمن بوجوب طاعة الحكام وإن فجروا وظلموا، وهو موقف السلفية بشكل عام، فكان يُحرم الخروج على خلفاء عصره من العباسيين، وهذا ما جعله يُخرج أبا حنيفة من أئمة السلف، لأنه لم يقبل الخضوع لأبي جعفر المنصور، ثاني خلفاء بني العباس «ت١٥٨هـ»، ووقف مع آل البيت في مواجهة ظلم المنصور، وعندما دعاه ليتولى منصب قاضي القضاة امتنع، فحبسه إلى أن توفي في بغداد عام١٥٠هـ!!

ولقد كان للحنابلة مواقف تخاصمية تكفيرية على مر العصور، فقد كفروا الأشاعرة، ورفضوا المذهب المالكي ونهوا السلفيين عن تقليده، وسبوا الشافعي وطعنوا في إمامته وترصدوا لأتباعه في الطرقات، وما حدث من فتن ببغداد بين الشافعية والحنابلة، وبين الحنابلة والأشعرية وما يعرف بفتنة ابن القشيري «الأشعري»، التي وقعت في القرن الخامس الهجري.. إلى آخر ما هو مفصل في تاريخ الفرق والمذاهب العقدية.

سأل أحد المصلين الشيخ عبد الله الهروي «ت٤٨١هـ»، وهو أحد شيوخ الحنابلة، وصاحب كتاب «ذم الكلام»: هل تجوز الصلاة خلف صاحب عقيدة مخالفة لأهل السنة والجماعة كالأشعري مثلا؟!

الجواب: «الحاصل أن الصلاة تصح خلف مبتدع بدعة لا تخرجه عن الإسلام، أو فاسق فسقا ظاهرا لا يخرجه من الإسلام، لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة»!!

انظر إلى قوله: «لكن ينبغي أن يولى صاحب السنة»، أي أن الأشعري ليس من أهل السنة، لأنه في نظر السلفية مبتدع!!

لقد اعتبر ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية الأشعري جبريا، ثم جاءت الأشعرية فأفتوا بسجن ابن تيمية، لأنه ذهب إلى التجسيم والتشبيه، وأصدروا فتوى أن من كان على دين ابن تيمية فقد حل دمه!!

فهل يعقل أن تكون القاعدة الأساس التي قام عليها تدين معظم المسلمين اليوم هي هذه المنظومة السلفية بقيادة أحمد بن حنبل «١٦٤-٢٤١هـ»، ويقابلها المنظومة الأشعرية بقيادة أبي الحسن الأشعري «٢٦٠ -٣٢٤هـ»، والمنظومتان ضربتا أسوأ المثل في تاريخ الصراع العقدي المذهبي؟!

لقد أصبحت الحدود الجغرافية للبلاد حدودا دينية سلفية، تقتل على الهوية، ويحافظ السلفيون على هذه الحدود السلفية أكثر من محافظة الأنظمة الحاكمة على حدودها الجغرافية، وعلى الرغم من أن دساتير البلاد تنص على أن دين الدولة الإسلام، وأن الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فإن التابعين للمؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية في البلاد، العاملين بالكتاب والسنة، أعضاء في هذه المنظومة السلفية المتطرفة!!

فمتى ستتعلم الشعوب الدرس، وتفهم أن الإسلام الذي كان عليه رسول الله محمد، عليه السلام، لم يكن إسلام ابن حنبل، ولا إسلام ابن تيمية، ولا إسلام ابن عبد الوهاب؟!

«فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَٰذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ».

 

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى