نحو إسلام الرسول

(387) 15/10/2015 (أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه)

أهل السنة والجماعة بايعوا عليا حتى خرج عليه معاوية وقاتله .. فبايعوه!

إن ما أنقله من أحداث تاريخية لا يعني قبولي أو رفضي لها، فالتاريخ عندي تراث بشري لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى، وإنما أضعه أمام أنصار «الفُرقة والمذهبية»، ليقفوا على حقيقة تدينهم الوراثي المذهبي، وما حملته مصادرهم الثانية للتشريع من فتن ومصائب، تقتضي أن يخلعوا ثوب هذا التدين المذهبي!

ولقد حرصت أن أنقل هذه الأحداث من أمهات كتب المؤرخين الأُول، وهم: ابن قتيبة «توفي أواسط القرن الثالث الهجري»، البلازري «ت٢٧٩هـ»، اليعقوبي «ت٢٩٢هـ»، الطبري «ت٣١٠هـ».

لقد شهدت خلافة علي بن أبي طالب ثلاث معارك حربية راح ضحيتها آلاف القتلى من الجانبين، وكانت سببا في تعميق أزمة التفرق والتخاصم بين المسلمين، وظهور فتاوى التكفير واستباحة الدماء بغير حق، الأمر الذي اقتضى إسقاط العدالة عن كل من شاركوا فيها، حسب شروط علماء الجرح والتعديل، وهذه المعارك هي:

موقعة الجمل: بين علي بن أبي طالب، ابن عم النبي وصهره، وأم المؤمنين عائشة، زوج النبي وأكثر رواة الحديث، ومعها طلحة والزبير.

معركة النهروان: بين علي والخارجين عليه، الذين عُرفوا بعد ذلك بفرقة الخوارج.

موقعة صفين: بين علي ومعاوية ذي النسب الأموي، الذي حافظ على ولايته للشام عشرين سنة.

لقد اشتعلت الحرب، وقُتل آلاف المسلمين في موقعة الجمل وحدها، منهم طلحة والزبير، وانتصر خليفة المسلمين علي، وتعامل مع المتمردين بحكمة، وأعاد السيدة عائشة إلى المدينة، ونجح في توحيد الصفوف باستثناء جبهة الشام بسبب وقوف «حركة القراء» بجوار معاوية، فقد انضم إلى جيشه أربعة آلاف من القراء بقيادة عبيد الله بن عمر بن الخطاب!

لقد قامت «حركة القراء» بدور خطير في أحداث الفتن الكبرى، وبلغ عدد المشاركين منها في معركة «صفين» أربعة آلاف قارئ، من مجموع عشرين ألفا في معسكر الطرفين، فما هي «حركة القراء»؟!

القراء: هم قارئوا القرآن ومعلموه، وكان يُنظر إليهم باعتبارهم أهل الورع والتقوى والصلاح من صحابة رسول الله، وقد أخذت هذه الطبقة تزداد يوما بعد يوم حتى أصبحت حركة منظمة «غير رسمية» يقودها مالك بن الحارث الملقب بالأشتر، وأصبح لها نفوذ في البلاد، الأمر الذي جعل ولاة الأمور يقربون القراء إليهم، ويشركونهم في صنع القرار السياسي!

لقد قامت «حركة القراء» بأدوار خفية لتحقيق مصالح سياسية، وكانت تتلوّن باللون السياسي الذي ترى فيه مصلحتها، فقد استغلت فرصة خروج سعيد بن العاص والي الكوفة لمقابلة خليفة المسلمين عثمان بن عفان، وقررت منعه من دخول الكوفة، وعينوا مكانه أبا موسى الأشعري، ساعدهم في ذلك عبد الله بن مسعود خازن بيت مال الكوفة، مما اضطر عثمان إلى قبول هذا الوضع مكرها!

ولقد استغلت «حركة القراء» حرق عثمان المصاحف التي كانت موجودة في أيدي القراء، والإبقاء على نسخة واحدة بقراءة واحدة هي لغة قريش، في التحريض ضده، خصوصا بعد أن رفض عبد الله بن مسعود تسليم مصحفه لعثمان، ووقف أبو موسى الأشعري معهم!

لقد اعتبرت «حركة القراء» أن ما يفعله عثمان بدعة مخالفة لسنة رسول الله وخليفتيه، فقد كان في الكوفة قُراء ينسبون قراءاتهم إلى ابن مسعود، وفي البصرة والشام أيضا قراؤها، فشعرت الحركة أن جمع عثمان المسلمين على رسم واحد للقرآن يسحب نفوذهم الديني من بين المسلمين، وبالتالي سلطتهم الشرعية على الخليفة، باعتبارهم الممثلين لرسول الله في العمل بكتاب الله وسنة رسوله!

ولكن اللافت للنظر، والذي يكشف الدور السياسي المتلون الذي كانت تقوم به «حركة القراء»، أنها أشاعت بعد مقتل عثمان أن عليا كان وراء مقتله، وعندما علمت السيدة عائشة ذلك، وكانت وقتها في مكة، طلبت القصاص من قتلة عثمان، فانقسمت البلاد إلى قسمين: الأول: وقف مع السيدة عائشة بقيادة طلحة والزبير، والثاني: وقف مع علي بن أبي طالب باعتباره الخليفة الشرعي.

لقد أخذ علي بن أبي طالب البيعة بإجماع أهل المدينة، وحدث ذلك بصورة سريعة لحسم الخلافات والصراعات والفتن التي ظهرت بعد مقتل عثمان، واستند أهل المدينة في هذه البيعة إلى نتائج مجلس الشورى الذي كان قد اختاره عمر بن الخطاب قبل موته، والتي أسفرت عن أن يكون الاختيار بين عثمان وعلي، فتولى عثمان الخلافة وجاء الدور على عليّ.

وأمام هذه التحديات، ولإحكام السيطرة على البلاد، اضطر علي بن أبي طالب إلى الاستعانة بـ «حركة القراء» ونجح في عزل أبي موسى الأشعري واسترداد الكوفة والسيطرة عليها، ولكن الفريق المعارض بقيادة السيدة عائشة وطلحة والزبير، أعلنوا رفضهم بيعة علي حتى يسلمهم القراء الذين شاركوا في التحريض على قتل عثمان!

وكانت هناك طائفة يطلق عليها «أهل الجماعة»، تنادي بطاعة الإمام الذي تؤول إليه السلطة، ووجوب المسارعة إلى بيعته وتحريم الخروج عليه، حتى وإن فسد وطغى، فهؤلاء انضموا إلى «حركة القراء» وسارعوا إلى بيعة عليّ، وهؤلاء سيبايعون بعد ذلك معاوية الذي خرج على عليّ وقاتله، وهم الذين أطلق عليهم معاوية «أهل السنة الجماعة» بعد أن أصبح خليفة المسلمين!

والسؤال: هل كان لقراء القرآن، أهل الورع والتقوى والصلاح من صحابة رسول الله، دور في حفظ كتاب الله، ووصوله إلينا سالما من التحريف والتبديل، كما يدعي أنصار الفرقة والمذهبية؟!

الجواب: إن تاريخ «حركة القراء»، الذي أشرنا إلي جانب منه، خير شاهد على فاعلية حفظ الله تعالى كتابه دون تدخل أحد من البشر، ولو كان قراء القرآن هم الذين حفظوه لوصل إلينا كما وصلت مرويات الرواة المذهبية التكفيرية المتخاصمة!

لقد أصبح الموقف بين الفريقين صعبا، فالسيدة عائشة وأنصارها لن يبايعوا عليا، وعليّ لن يُسلمهم من تتهمهم السيدة عائشة بقتل عثمان حتى ينتهي التحقيق في هذه الواقعة، ولكن وبسبب تحريضات أصحاب المصالح السياسية الخاصة، انزلق الفريقان في عمل عسكري: جيش تقوده زوج النبي، والآخر يقوده خليفة المسلمين وابن عم النبي!

ولقد استغل الوضّاعون والمفتون المغرضون هذا الصراع السياسي الطائفي في وضع الأحاديث المفتراة على الله ورسوله، والإفتاء بشرعية الخروج على خلافة عليّ، وفتاوى أخرى تدعم هذه الشرعية وتطالب بمحاربة الخارجين عليها! لقد أخرج البخاري في صحيحه: «كنا في زمن النبي لا نعدل بأبي بكر أحدا، ثم عمر، ثم عثمان، ثم نترك أصحاب النبي لا نفاضل بينهم».

نلاحظ أن هذه الرواية ذكرت الخلفاء حسب ترتيبهم التاريخي، ولم تذكر الخليفة الرابع، في الوقت الذي يخبر فيه الراوي عن واقعة حدثت في زمن النبي، «كنا في زمن النبي»، أي قبل ظهور الخلفاء أصلا!

ألا يُشتم من ذلك رائحة الوضع، وأن الفريق الأول الذي تقوده السيدة عائشة ومعها الأمويون، أرادوا بهذه الرواية إخراج عليّ بن أبي طالب من المفضلين الراشدين، وإباحة الخروج عليه في المعارك الثلاث السابق ذكرها؟!

ويروي البخاري عن عمار بن ياسر قوله: «إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي».

يقول ابن حجر عند شرحه هذه الرواية: «مراد عمار بذلك أن الصواب في تلك القصة كان مع علي، وأن عائشة مع ذلك لم تخرج عن الإسلام، ولا أن تكون زوجة النبي في الجنة، فكان ذلك يعد من إنصاف عمار وشدة ورعه وتحريه قول الحق»!

ونحن نتحدث عن مدى تحقق شرط العدالة في رواة الأحاديث المنسوبة إلى النبي، فإن قول ابن حجر إن الصواب كان مع علي اعتراف منه بأن السيدة عائشة أخطأت، وعندما يترتب على هذا الخطأ سفك دماء آلاف المسلمين في المعركة التي قادتها، وهي معركة الجمل، فإن ذلك يسقط عدالتها حسب شروط علماء الجرح والتعديل، ولن يشفع لها أنها زوج النبي!

فإذا علمنا أن عمار بن ياسر كان يقاتل في جيش عليّ، وأن هناك رواية في البخاري تقول: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»، واعتبرنا أن هذه الرواية حديثا نبويا ووحيا من الله تعالى، كما يدعي المحدثون وأئمة السلف والخلف، إذن فقد حكم هذا الحديث على جيش السيدة عائشة بأنه جيش البغاة، وبذلك تسقط عدالة كل المشاركين فيه من الصحابة، استنادا إلى صحيح «السنة النبوية» التي نقلها أصح كتاب في الحديث عند أهل السنة والجماعة!

فإذا ذهبنا إلى رواية أخرى أخرجها البخاري في باب الفتنة التي تموج كموج البحر، عن أبي بكرة، قال: «لقد نفعني الله بكلمة أيام الجمل لما بلغ النبي أن فارسا ملّكوا ابنة كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»!

وفي هذه الرواية، ينقل لنا أبو بكرة من مسرح الأحداث «أيام الجمل» حديثا جعله يمتنع عن القتال في صف عائشة، ثم تأكد له صحة هذا الحديث عندما انتصر جيش علي!

ألا يُشتم من ذلك رائحة الوضع الشيعي، الذي اخترق أمهات كتب أهل السنة على حين غفلة من أهلها، وهو كثير؟! ألم تأت هذه الرواية ضمن منظومة الروايات المذهبية التي تم توظيفها لخدمة أغراض سياسية تحت رعاية «السنة النبوية» المذهبية؟!

إننا لو صدقنا رواية البخاري، واعتبرناها وحيا من الله أسقطنا عدالة كل من اشتركوا مع السيدة عائشة في حرب عليّ، لأنهم قوم لا يفلحون! ولو كذبناها أسقطنا عدالة الفريقين، لأن الله تعالى يقول:

«وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»!

معلومات:

أبو بكرة: اسمه نفيع بن الحارث الثقفي أبو بكرة، كان من فقهاء الصحابة، مات في خلافة معاوية بن أبي سفيان بالبصرة «ت ٥٢هـ»، قال الحسن البصري: لم ينزل البصرة أفضل من أبي بكرة، وعمران بن حصين.

 

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى