نحو إسلام الرسول

(384) 7/10/2015 (ضرب المرأة بين الشريعة القرآنية وحقوق الإنسان)

لقد دعت منظمات حقوق الإنسان الدولية والمحلية، في مختلف أقطار العالم، إلى مكافحة كل أشكال العنف ضد المرأة، استنادا إلى تشريعات صادرة عن الأمم المتحدة، من أجل حماية الإنسان من أية عقوبات تهين كرامته، ومن ذلك ضرب المرأة، فما هي حقيقة هذه العقوبة في الشريعة القرآنية؟!

إن «الشريعة القرآنية» لم تأمر بضرب «المرأة»، ولم تترك الخلافات الزوجية، التي قد تصل إلى الطلاق، يديرها الزوجان حسب هواهما وتصرفاتهما غير الرشيدة، وإنما أمرت أن تكون الخلافات الزوجية تحت رعاية وإشراف مؤسسة رسمية متخصصة في شؤون الأسرة، ولتكن «محكمة الأسرة»، وقد سبق بيان ذلك في مقال سابق، بعنوان «المرأة زوجة عند الله.. مطلقة عند أئمة السلف»، بتاريخ ٢٤/ ٧/ ٢٠١٥.

إن الآية القرآنية، التي يستند إليها المدافعون عن حقوق الإنسان في اتهام الشريعة الإسلامية بانتهاك حقوق المرأة، هي «الآية ٣٤» من سورة النساء، وتحديدا كلمة «وَاضْرِبُوهُنَّ» التي وردت في سياقها، فتعالوا نلقي بعض الضوء على هذه الآية، لنقف على حقيقة هذا الإتهام.

«أولا»: يقول الله تعالى في سورة النساء، «الآية ٣٤»:

«الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» – «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» ـ- «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ» -ـ «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا».

إن المتدبر لسياق هذه الآية، يعلم أن الله قسم الزوجات إلى صنفين:

الصنف الأول: نساء صالحات، مطيعات لله، يحفظن حقوق أزواجهنّ، ليس في حضورهم فقط، وإنما في غيبتهم: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ»، و«الباء» في قوله تعالى «بِمَا حَفِظَ اللَّهُ» تسمى باء الملابسة، أي أن صلاح المرأة وطاعتها لزوجها، وحفظ حقوقه في غيبته، ليس تفضلا منها، وإنما استجابة لأمر الله تعالى!!

الصنف الثاني: نساء نشزن عن «منظومة الصلاح»، وتخلفن عن القيام بوظائفهنّ وواجباتهنّ الزوجية، ولم يحفظن حق الزوج في غيبته، وقد ظهرت عليهن علامات هذا النشوز بعد الزواج، هؤلاء هن الناشزات المخاطبات بمراحل العلاج الثلاث: »فَعِظُوهُنَّ» – «وَاهْجُرُوهُنَّ» -ـ «وَاضْرِبُوهُنَّ«، وليس الخطاب لعموم النساء!!

إذن فالشريعة القرآنية لا تتحدث عن ضرب المرأة، ولا عن ضرب الزوج امرأته، وإنما عن حالة خاصة جدا من حالات النشوز، تقبل فيها المرأة الضرب، ولا تجد فيه إهانة لكرامتها!!

«ثانيا»: النشوز في اللسان العربي: هو الترفع والعلو والتباعد، وهو في العلاقة الزوجية سوء خلق تنشأ عليه المرأة «أو الرجل»، يجعل المرأة تتعالى على زوجها، وتتعدى على حقوقه الزوجية، ولا تحفظه في غيبته.. ويرجع إلى سوء اختيار أحد الزوجين للآخر، فإذا لم يُعالج عند ظهوره، فإنه سيؤدي حتما إلى انفصال الزوجين.

وحرصا على عدم هدم بيت الزوجية لأسباب قد لا تقتضي ذلك، أمرت الشريعة القرآنية الزوجين عند ظهور هذا النشوز، باتباع خطوات إصلاحية، ولم تنتظر حتى يحدث النشوز فيصعب الإصلاح، ويقع الطلاق!!

«ثالثا»: إن الله تعالى هو الذي أمر الزوجين باتباع هذه الخطوات الإصلاحية، فهو سبحانه خالق هذه الأنفس، الخبير بما يصلحها: «أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ»، فقال تعالى في سورة النساء «الآية ٣٤» مخاطبا الرجال: «وَاللَّاتِي «تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ..»، وقال مخاطبا النساء، «الآية ١٢٨»: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ..»!!

إذن فعندما تحدثت الشريعة القرآنية عن النشوز، والخطوات الواجب اتباعها عند ظهوره، لم تتحدث عن نشوز المرأة فقط، وإنما تحدثت أيضا عن نشوز الرجل، ولذلك وجه الله الخطاب إلى «الحكمين» بالتدخل في حالة ظهور هذا النشوز، فقال تعالى «الآية ٣٥»:
«وَإِنْ (خِفْتُمْ) شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا».

«رابعا»: إن الكلمة القرآنية لا يمكن صرفها عن المعنى الحقيقي الذي ورد في السياق القرآني، وعرفه اللسان العربي، إلا بقرينة تصرفه إلى غيره، فإذا تتبعنا جذر «ض ر ب» في معاجم اللسان العربي، فإن أوَّل ما يطالعنا هو الدلالة «الحقيقية» لمعنى الضرب، وهي: إيقاع شيء على شيء، كضرب الشيء باليد والعصا والسيف!! [انظر لسان العرب، تاج العروس، المفردات في غريب القرآن للراغب، المصباح المنير].

فإذا ذهبنا إلى «الآية ٣٤»، التي وردت فيها كلمة: «وَاضْرِبُوهُنَّ»، لا نجد في سياقها قرينة تصرف الضرب عن معناه الحقيقي، لأننا أمام درجات من العلاج، تبدأ بالوعظ، والمرأة التي تتوقف عن نشوزها بالوعظ لا يجوز للزوج أن يلجأ إلى هجرها، فضلا عن ضربها، والتي تتوقف بالهجر لا يجوزللزوج أن يضربها، إذن فالله تعالى لم يبح الضرب ابتداءً، وإنما جعله آخر مراحل العلاج، التي قد تستجيب له بعض الحالات!!

إن الذين صرفوا الضرب عن معناه الحقيقي، لإرضاء منظمات حقوق الإنسان الدولية، وقالوا إن معناه «الإبعاد»، أي إبعاد المرأة عن بيت الزوجية، أو إبعادها عن زوجها داخل بيت الزوجية، هؤلاء لم يلتفتوا إلى معنى كلمة «الهجر»، الذي يعني الإبعاد والفصل بين الزوجين، في أكبر شيء يؤذيهما، وهو افتقاد العلاقات الحميمة بينهما، مع ملاحظة أن الآية بدأت بالوعظ، وثنّت بالهجر، وثلَّثت بالضرب، فلا يُعقل أن يكون الهجر والضرب شيئا واحدا بمعنى الإبعاد والفصل بينهما!!

لقد اشترطت الشريعة القرآنية عدم إبعاد المرأة عن بيتها في فترة العدة التي تسبق وقوع الطلاق، وذلك حتى لا تتسع دائرة الخلاف بينهما: «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا»، ولذلك لم يقل الله «واهجروهن في المضجع»، بصيغة المفرد، وإنما جاء بلفظ الجمع فقال في «المضاجع»، لبيان أن الهجر يكون في أي مضجع يجمع الزوج مع امرأته داخل البيت، الأمر الذي يُشعرها بغضب زوجها، فتعيد التفكير، وترجع عن نشوزها!!

«سابعا»: لقد ورد فعل «اضرب»، بصيغة الأمر «بمعناه الحقيقي»، في كثير من الآيات القرآنية، ولا توجد قرينة في سياق هذه الآيات تصرفه عن هذا المعنى، تماما كفعل الأمر «وَاضْرِبُوهُنَّ»، وسأضرب مثالين على ذلك:

١- قوله تعالى:«إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ «فَاضْرِبُوا» فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»

ضرب الأعناق: قطع أعناق المشركين وفصلها عن الجسد، وضرب البنان: قطع الأصابع لتعطيل عمل اليد، وعندما تفعل الملائكة ذلك، وهو أمر لا يُشاهد بالحس، فهذه آية من آيات الله، يرى المسلمون أثارها بأعينهم!!

٢- قوله تعالى: «فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ «اضْرِب» بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»!!

لقد ضرب موسى البحر بعصاه، «فَانفَلَقَ»، أى انقسم طُرقاً منفصلة عن بعضها «كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»، وهنا ورد الضرب بمعناه الحقيقي!!

ولا توجد قرينة، في سياق أحكام القرآن، تصرف الحكم عن معناه الحقيقي!!

«ثامنا»: هناك دلالات، للجذر «ض ر ب»، مجازية، ومعظمها ارتبط بضرب المثل، ففي التمثيل فصل الحق عن الباطل، كقوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ «ضَرَبَ» اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء»، وهو قوله تعالى: «كَذَلِكَ «يَضْرِبُ» اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ» – «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء» – «وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ»!!

وهناك دلالات أخرى تأتي بمعنى «سعى، وسافر، وجاهد..»، كقوله تعالى:

«لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ «ضَرْبًا» فِي الأَرْضِ»،

وقوله تعالى:

«وَإِذَا «ضَرَبْتُمْ» فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ»،

وقوله تعالى:

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا «ضَرَبْتُمْ» فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا».

وكل الدلالات المجازية، والإضافية، لا علاقة لها بفعل الأمر «وَاضْرِبُوهُنَّ»، الذي ورد في سياق «الآية ٣٤» من سورة النساء!!

«تاسعا»: يختلف النساء في طبائعهن، فهناك من تستجيب لزوجها خلا فترة الموعظة وتنتهي القضية، وهناك من تستجيب خلال فترة الهجر، وهناك من لا تنفع معها موعظة، ولا يؤثر فيها هجر، فهل يطلقها زوجها، ويهدم بيت الزوجية؟!

الحقيقة هناك تصرفات غريبة وشاذة، قد تظهر من أحد الزوجين بعد فترة من الزواج، بعد أن نبتت شجرة الحب، وأصبح بينهما أولاد.. ومن هذه التصرفات أن تكون المرأة مصابة بمرض نفسي، لا ترى الرجولة إلا إذا استخدم زوجها معها العنف، ولا ترى في الضرب إهانة لكرامتها، ويُسأل عن ذلك علماء النفس!!

ولكن كيف يكتشف الزوج ذلك؟! إذا ضرب امرأته مرة واحدة، بعد استنفاد فترة الموعظة وفترة الهجر، ووجد أن ضربها قد زاد الأزمة اشتعالا، إذن فلن يجدي معها علاج، وعليه أن يطلقها، وإذا كان قد أحدث بجسدها أية إصابات، فإن «محكمة الأسرة» ستعاقبه على ذلك استنادا إلى قانون العقوبات، وأحكام القصاص!!

«مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»

معلومات:
محكمة الأسرة: تتشكل من ثلاثة قضاة، للنظر في الدعاوى المرفوعة من الزوجين، يتبعها مكتب فني يعمل به إخصائيون في القانون والاجتماع وعلم النفس، للتحقيق في أسباب النزاع، وسماع أقوال الزوجين، وإبداء النصح والإرشاد لهما، وقرارتها واجبة التنفيذ.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى