عندما وقع مئات القتلى والجرحى من الحجيج في منى، استغل أنصار القراءات الشاذة للقرآن هذه الكارثة، وخرجوا علينا مهللين: ألم نقل لكم إن معنى «الحج أشهر معلومات» أن يحج المسلمون في أي وقت من هذه الأشهر، حتى لا تحدث كل عام مثل هذه الكوارث؟!
وما أزعجني أن يُوصف الذين يحجون كما أمرهم الله في كتابه، وكما حج المسلمون من لدن إبراهيم عليه السلام، ونقلته لنا «منظومة التواصل المعرفي»..، أن يوصفوا بالغباء لأنهم يُؤدون مناسك الحج في الأيام المعلومات المعدودات، هكذا وصفهم بعض أنصار هذه القراءات الشاذة للقرآن!!
لذلك وجدتها فرصة أن أجمع تعليقاتي على أسئلة الأصدقاء حول موضوع المقال السابق، ففيها الكفاية لبيان كيف يتعامل القلب السليم، بآليات التدبر والتفكر والتعقل ..، مع أحكام الشريعة القرآنية، فأقول:
أولا: الحج فريضة مقيدة بالاستطاعة، فلو لم يستطع المسلمون جميعا أداء فريضة الحج سقطت عنهم
ثانيا: الاستطاعة ليست فقط استطاعة الحاج، وإنما أيضا استطاعة الحكومة السعودية في رعاية الحجيج الرعاية الكاملة، التي تضمن لهم الأمن والسلامة، الأمر الذي يستلزم تحديد الأعداد التي تحقق ذلك، فلو أنها لم تستطع أن تضمن ذلك إلا لـ ١٪ من تعداد المسلمين سقطت الفريضة عن الباقي.
ثالثا: عدم السماح للحاج أن يحج إلا مرة واحدة، لأنه بحجه هذا يكون قد أدى الفريضة التي فرضها الله عليه.
رابعا: تنتهي مناسك الحج بعد الإفاضة من عرفات، وذكر الله عند المشعر الحرام، أما ما يؤديه الحجيج بعد ذلك في منى من أعمال فهي عادات وليست مناسك!!
خامسا: إن جميع المصائب التي تحدث خلال الأيام المعلومات المعدودات التي فرض الله فيها أداء مناسك الحج تحدث بعد الإفاضة من عرفات، أي بعد انتهاء المناسك، إذن فلا علاقة لما يحدث في منى من مصائب بفريضة الحج لأنها خارج دائرة المناسك!!
سادسا: إن الإشكال الذي انطلق منه أنصار القراءات الشاذة للقرآن عند تنظيرهم للدين الجديد الذي يريدون الناس اتباعه، فضلوا وأضلوا، أنهم يستقون شبهاتهم من خارج دائرة الدين الذي أمر الله اتباعه، ثم يقولون هذا: «مِنْ عِندِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ»!!
سابعا: إن غياب المنهجية العلمية عن تفكير أنصار القراءات الشاذة للقرآن جعلهم يكرهون مصطلح «المنهجية العلمية» وما حملته من أدوات لفهم القران وفي مقدمتها ما أسميه بـ «منظومة التواصل المعرفي»، لذلك أراهم يهربون دائما من التعليق على هذه الأداة المحورية في فهم القرآن، ولكن هل تعلمون لماذا يهربون؟!
ثامنا: يهربون لأن هذه المنظومة المعرفية تهدم قراءاتهم الشاذة للقرآن من قواعدها، فعلى سبيل المثال عندما يقول الله تعالى: «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ»، ثم يقول بعدها: «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»، يقولون: إن معنى فرض فيهن الحج أي من حج في أي وقت خلال الأشهر المعلومة!!
تاسعا: فإذا سألتهم: وما هي هذه الأشهر المعلومة التي ستحجون فيها؟! ذكروا لك أسماءها!! فإذا سألتهم: ومن أين جئتم بهذه الأسماء، هل هي مذكورة في القرآن؟! قالوا: لا ليست مذكورة!!
عاشرا: إذن فأصحاب القراءات الشاذة للقرآن، والذين اتبعوهم بغير علم، يستعينون أصلا بمصدر معرفي خارج حدود القرآن الذي يدّعون أنهم يدافعون عنه، وهذا المصدر المعرفي هو الذي تعلموا من خلاله أسماء الأشهر التي يريدون أن يحجوا في أي وقت «فيهن»!!
ثم القاصمة: لقد أعطى هؤلاء ظهورهم للمصدر الأساس الذي أرشدهم إلى معنى «الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ»، وهو النصف الأول من الجملة القرآنية، ثم ذهبوا إلى النصف الثاني من الجملة: «فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ»، يفترون على الله الكذب!!
الحقيقة، إنني أقف دائما حائرا أمام من يُقحمون أنفسهم في الحديث عن الشريعة القرآنية، وهم يجهلون أولويات المنهج العلمي في التعامل مع نصوصها، وهو المنهج الذي أمر الله الناس جميعا أن يتبعوه عند التعامل مع القرآن، وفي مقدمة هذه الأولويات تفعيل «منظومة التدبر»:
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»
«أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»