نحو إسلام الرسول

(375) 7/9/2015 (ضرب المرأة بين القرآن وحقوق الإنسان)

أولا: مفهوم الضرب في اللسان العربي والسياق القرآني

لقد ورد فعل «اضرب»، بصيغة الأمر «بمعناه الحقيقي» في كثير من الآيات القرآنية منها:

١- قوله تعالى: «إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ (فَاضْرِبُوا) فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ»

ضرب الأعناق: قطع أعناق المشركين، فالسياق سياق معركة يعلم العرب معناه. وضرب البنان: قطع الأصابع لتعطيلها عن العمل.

وعندما تقوم الملائكة بفعل ذلك، فهذه آية من آيات الله، لا تُشاهد بالحس، وإنما يإدراك أثارها!!

٢- قوله تعالى: «فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ (اضْرِب) بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ»!!

لقد ضرب موسى البحر بعصاه (فَانفَلَقَ)، أى انقسم طُرقاً منفصلة عن بعضها، بدليل قوله تعالى بعدها: «كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ».

وللجذر «ض ر ب» دلالات مجازية معظمها ارتبط بضرب المثل، ذلك لأن في التمثيل بيانا للحق وفصله عن الباطل، مثال ذلك:

١- قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ (ضَرَبَ) اللّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء»

٢- قوله تعالى: «كَذَلِكَ (يَضْرِبُ) اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ» – «فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء» – «وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ»!!

وهناك دلالات أخرى تأتي بمعنى «سعى، سافر، جاهد..»، مثل:

١- قوله تعالى: «لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ (ضَرْبًا) فِي الأَرْضِ»

٢- قوله تعالى: «وَإِذَا (ضَرَبْتُمْ) فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ»

٣- قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا (ضَرَبْتُمْ) فِي سَبِيلِ اللّهِ فَتَبَيَّنُوا»

والقاعدة العامة، في علم السياق القرآني، عدم صرف الكلمة القرآنية عن معناها الحقيقي إلا بقرينة تصرف هذا المعنى إلى غيره!!

فإذا تتبعنا جذر «ض ر ب» في معاجم اللسان العربي، فإن أوَّل ما يطالعنا هو الدلالة الحقيقية لمعنى الضرب، وهي: إيقاع شيء على شيء، كضرب الشيء باليد والعصا والسيف»!! [انظر لسان العرب، تاج العروس، المفردات في غريب القرآن للراغب، المصباح المنير]

وإن المتدبر لكل ما ورد في السياق القرآني من دلالات مجازية، أو أخرى، يجد أن فعل الأمر «وَاضْرِبُوهُنَّ»، الذي ورد في سياق «الآية ٣٤» من سورة النساء، لا علاقة له بأية دلالة غير الدلالة الحقيقية!!

ثانيا: يقول الله تعالى:

ـ «الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ»

ـ «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ»

– «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ» – «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ» – «وَاضْرِبُوهُنَّ»

– «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا» – «إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا».

لقد قسم الله النساء المتزوجات قسمين:

١- نساء صالحات مطيعات لله، يحفظن حقوق أزواجهنّ في حضورهم وفي غيبتهم: «فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ».

٢- نساء خرجن عن منظومة الصلاح، وتخلفن عن القيام بواجباتهنّ الزوجية، ولم يحفظن حق الزوج في غيبته، وظهرت عليهن علامات هذا النشوز بعد الزواج، وهن المخاطبات بمراحل العلاج الثلاث: «فَعِظُوهُنَّ – وَاهْجُرُوهُنَّ – وَاضْرِبُوهُنَّ».

إذن فهذه المراحل العلاجية الثلاث، ليست لعموم النساء، وإنما للنساء الناشزات، اللاتي قد يظهر نشوزهن بعد الزواج، وقد يكون هذا النشوز نتيجة للبيئة التربوية، أو لمرض نفسي!!

ثالثا: إن مسألة «النشوز» ليست مسألة نسبية، كما قد يعتقد البعض، ذلك لأن النشوز حسب ما ورد في اللسان العربي، يعني الترفع والعلو والتباعد، وهو في العلاقات الزوجية سوء خلق تنشأ عليه المرأة (أو الرجل)، يجعل أحدهما يتعالى على الآخر، ويتعدى على حقوقه الزوجية، وهي أمور يحكم فيها الحكمان كما سيأتي بيانه.

إن الشريعة القرآنية عندما تحدثت عن النشوز، لم تتحدث عن نشوز المرأة فقط: «وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ»، وإنما تحدثت أيضا عن نشوز الرجل «الآية ١٢٨»: «وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا»!!

ولقد أمرت الشريعة القرآنية «الحَكَمَيْن» بالتدخل عند ظهور علامات النشوز، فقال تعالى في سورة النساء «الآية ٣٥»:

«وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا» – «فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا» – «إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا».

إن قوله تعالى: «وَإِنْ خِفْتُمْ» يبيّن أن الشريعة القرآنية لا تنتظر حتى يحدث النشوز بين الزوجين، فيصعب الإصلاح، ويقع الطلاق، وإنما أمرت الحكمين باتباع خطوات إصلاحية، تحت رعاية المؤسسة الرسمية المتخصصة في شئون الأسرة، وقد سبق بيان ذلك في منشور سابق، بعنوان «المرأة زوجة عند الله مطلقة عند أئمة السلف»، بتاريخ ٢٤/ ٧/ ٢٠١٥!!

إن الزوج الذي يتجاوز حدود مرحلة من مراحل العلاج الإصلاحي الثلاث: «فَعِظُوهُنَّ – وَاهْجُرُوهُنَّ – وَاضْرِبُوهُنَّ» فإن المؤسسة المعنية بشئون الأسرة تضع حد لهذا التعدي، وقد يعاقب الزوج جنائيا!!

رابعا: إن الشريعة القرآنية لم تتحدث عن ضرب المرأة بوجه عام، ولا عن ضرب المرأة الناشز فور نشوزها، ولم تبح الضرب ابتداءً، وإنما جعلته آخر مراحل العلاج التي قد تستجيب لها بعض الحالات، حسب مراحل العلاج الإصلاحي الثلاث.

إن هناك نساء لا ترى الرجولة إلا إذا استخدم زوجها معها العنف، ويُسأل عن ذلك علماء النفس، وتقبل الضرب ولا ترى فيه إهانة لكرامتها، ويستطيع الزوج أن يكتشف ذلك من أول مرة، فإن وجد أن ضربها قد زاد الأزمة اشتعالا، إذن فلن يجدي معها علاج، وعليه أن يطلقها، ولذلك قال تعالى بعد هذه المراحل الثلاث: «فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا».

إن الذين صرفوا الضرب عن معناه الحقيقي، وقالوا إن معناه إبعاد المرأة عن بيت الزوجية، أو إبعادها عن زوجها داخل بيت الزوجية، هؤلاء لم يلتفتوا إلى كلمة «اهْجُرُوهُنَّ»!!

إن كلمة «اهْجُرُوهُنَّ» تعني الإبعاد والفصل بين الزوجين, في شيء يؤذيهما تركه، وهو افتقاد العلاقة الحميمة بينهما، فهل يعقل أن يكون الهجر والضرب شيئا واحدا بمعنى الإبعاد والفصل بين الزوجين؟!!

لقد اشترطت الشريعة القرآنية عدم إبعاد المرأة عن بيتها في فترة العدة، وهي الفترة التي تسبق وقوع الطلاق، وذلك حتى لا تتسع دائرة الخلاف بين الزوجين، ويكون هناك مجال لإذابة الخلاف بينهما: «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا»!!

لقد جاءت كلمة «المضاجع» بلفظ الجمع في قوله تعالى: «وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ»، وذلك لبيان أن الهجر يكون في أي مضجع يجمع الزوج مع امرأته داخل البيت، الأمر الذي قد يجعل المرأة تشعر بغضب زوجها، فتعيد التفكير، وترجع عن نشوزها!!

«مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى