نحو إسلام الرسول

(374) 1/9/2015 (عمر بن عبد العزيز أكره العلماء على تدوين الحديث)

في رسالة بعنوان «السنة قبل التدوين»، حصل بموجبها الدكتور محمد عجاج الخطيب على درجة الماجستير بتقدير ممتاز، ثم على درجة الدكتوراة في الحديث وعلومه بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، عن موضوع «نشأة علوم الحديث ومصطلحه»، أنقل بعض الفقرات الهامة من كتابه «السنة قبل التدوين»، لبيان حجم الكارثة التي حلت بالمصدر الثاني للتشريع منذ ولادته، ولولا أنها رسالة علمية أكاديمية صاحبها عَلَم من علماء الحديث، ما التفت إليها!!

يقول الباحث تحت عنوان: «خدمة عمر بن عبد العزيز للسنة»:

«عاش عمر بن عبد العزيز في جو علمي، فلم يكن بعيدا وهو أمير الأمة عن العلماء، ورأيناه يكتب بنفسه بعض الأحاديث، ويشجع العلماء، وقد رأى أن يحفظ حديث الرسول ويجمعه، وربما دعاه إلى هذا نشاط التابعين آنذاك، وإباحتهم للكتابة حين زالت أسباب الكراهة، لأننا لا نعقل أن يأمر بجمع السنة وتدوينها، والعلماء كارهون لهذا، ولو كرهوا كتابتها ما استجابوا لدعوته، ومما لا شك فيه أن خشيته من ضياع الحديث دفعته إلى العمل لحفظه»!!

تعليق: فهذه الرسالة العلمية، التي لا شك أنها تحمل مرجعيات موثقة، تشهد أنه حتى فترة خلافة عمر بن عبد العزيز «٩٩-١٠١هـ» لم تكن هناك مدونات تحفظ الحديث، بل وكان التابعون يكرهون كتابته، فهل يُعقل أن يكره التابعون شيئا لم يكره الصحابة؟!

ثم ما معنى قوله عن خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز: «خشيته من ضياع الحديث دفعته إلى العمل لحفظه»، فكيف عرف خليفة المسلمين أن الحديث لم يضع أصلا، وقد كان الصحابة والتابعون يكرهون كتابته خلال قرن مضى؟!

ثم انظر ماذا قال الباحث بعدها:

«ويمكننا أن نضم إلى ما ذكرنا سببا آخر كان له أثر بعيد في نفوس العلماء حملهم على تنقيح السنة وحفظها، وهو ظهور الوضع بسبب الخلافات السياسية والمذهبية ويؤكد لنا هذا ما يرويه أخو ابن شهاب الزهري عنه قال: سمعته يقول: لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبت حديثا، ولا أذنت في كتابه، ورأي الزهري هذا رأي أكثر علماء ذلك العصر، فإن حرصهم على حديث رسول الله من أن يُدرس، لا يقل عن حرصهم على سلامته من الكذب والوضع، فكان هذان العاملان من أقوى العوامل التي حفزت همم العلماء إلى خدمة السنة وكتابتها، عندما تبنت الحكومة جمعها رسميا على يدي الخليفة الورع عمر بن عبد العزيز»!!

تعليق: إذن فالذي حمل أئمة السلف على «تنقيح السنة وحفظها» هو ظهور «الوضع بسبب الخلافات السياسية والمذهبية»، وذلك قبل عصر عمر بن عبد العزيز، فهل بعد أن تبنت حكومة عمر بن عبد العزيز «رسميا» جمع الأحاديث، استطاعت تنقيح السنة وحفظها؟!!

يقول الباحث: إن عمر بن عبد العزيز كتب إلى الآفاق: «انظروا حديث رسول الله فاجمعوه»، وإذا كانت المنية قد اخترمت الخليفة الراشد الخامس قبل أن يرى الكتب التي جمعها أبو بكر بن حزم بناء على طلب الخليفة، كما ذكر ذلك بعض العلماء، فإنه لم تفته أولى ثمار جهوده التي حققها «ابن شهاب الزهري» الذي يقول:

«أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا»، وقد اعتبر علماء الحديث تدوين عمر بن عبد العزيز هذا أول تدوين للحديث ورددوا في كتبهم هذه العبارة:

«وأما ابتداء تدوين الحديث فإنه وقع على رأس المائة في خلافة عمر بن عبد العزيز أو نحوها»، وهكذا كانت نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني خاتمة حاسمة لما كان من كراهة الكتابة وإباحتها، فدونت السنة في صحف وكراريس ودفاتر، وكثرت الصحف في أيدي طلاب الحديث»!!

تعليق: فها هو الباحث يكشف عن بعض أسباب عدم تدوين الحديث طيلة قرن من الزمن، وحتى عصر الزهري «ت ١٢٤هـ»، ومنها اختلاف الصحابة والتابعين حول شرعية هذا التدوين، فهل بعد أن زالت هذه الأسباب، ودُوّنت السنة في صحف وكراريس ودفاتر، بأمر من الخليفة الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز، انتهت أزمة تدوين السنة، و«تنقيحها وحفظها» في منتصف القرن الثاني الهجري؟!

ثم أين هي كتب الحديث التي دونها الزهري بأمر من خليفة المسلمين عمر بن عبد العزيز، والتي إن وجدت ما كان لأمهات كتب الحديث التي ظهرت بعد ذلك أن تولد أصلا، وفي مقدمتها البخاري «السني»، الذي ولد عام ١٩٤هـ، والكافي «الشيعي»، الذي ولد في منتصف القرن الثالث، وتوفي عام «٣٢٩هـ»!!

فإذا بحثنا في علم الرجال، عن السيرة الذاتية للزهري، الذي يعتبر الحلقة الأولي التي يمكن الإمساك بها تاريخيا للوقوف على الاتجاه العام لحركة تدوين الحديث، وجدنا الآتي:

الاسم: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري «ت ١٢٤هـ»، كان من رواة الحديث، وكان حريصا على إرضاء التوجه السني العام الذي كان سائدا في عصر الدولة الأموية، استعمله يزيد بن عبد الملك على القضاء، ولكنه أمام مجون واستهتار الوليد بن يزيد «ت ١٢٦هـ» دافع عن عليّ وشيعته، وأدان عثمان والسيدة عائشة، وطلحة والزبير، ولم يُحفظ له كتاب، كحال معظم كتب الأخباريين الأُوَل، ولكن حفظت أجزاء من كتاب له يسمى «المغازي»، داخل كتاب مصنف عبد الرزاق الصنعاني!!

وتحت عنوان: «رد الشبهات التي أثيرت حول الزهري» يقول الباحث:

«لم يسلم الزهري من اتهامات وجهها إليه بعض أتباع الفرق وأعداء الإسلام، فاتهمه بعض الشيعة بالسير في ركاب الأمويين وإرضائهم بوضع ما يروق لهم من الأحاديث التي تثبت دعائم ملكهم، وترد على خصومهم، ويرى هؤلاء في ادعائهم هذا أن الأمويين استعانوا ببعض العلماء من الصحابة والتابعين لإلباس حكمهم ثوب المشروعية الدينية، وساعدوهم في نشر سلطانهم»!!

ثم يقول الباحث: «ويمكننا أن نحمل قول الزهري: «كنا نَكرَه كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأينا ألا نمنعه أحدا من المسلمين»، على ما بيناه، لأننا نعرف أن الإمام الزهري كان يكتب الحديث وهو في دور طلب العلم، وكان يشجع أصحابه على الكتابة، حتى إنه كان يكتب في ظهر نعله خشية أن يفوته الحديث»!!

ثم يقول: «وفعلا عندما طلب منه الخليفة هشام بن عبد الملك أن يكتب لبنيه خرج وأملى على الناس الحديث، وقال: استكتبني الملوك، فأكتبتهم، فاستحييت الله إذ كتبها الملوك ألا أكتبها لغيرهم»!!

وعن من كان يكره كتابة الحديث في القرن الثاني الهجري قال: «ونرى بعض من كره الكتابة في هذا العصر، يعتمد عليها في حفظ الحديث، ثم يمحو ما كتبه بعد أن يحفظه، وقد فعل غير واحد من السلف أمثال سفيان الثوري «ت ١٦١هـ»، وحماد بن سلمة «ت ١٦٧هـ»..، ويُروى في هذا عن خالد الحذاء «ت ١٤١هـ»: ما كتبت شيئا قط إلا حديثا طويلا فإذا حفظته محوته»!!

تعليق: إن الذين يدَّعون أن علوم الشريعة، من تفسير وحديث وفقه وتاريخ، دونت في عصر الرسالة، ولكنها كانت مدونات فردية، ظهرت إلى النور عندما سمحت السلطة الحاكمة بالتدوين بعد منتصف القرن الثاني، هؤلاء أقول لهم:

إذا كانت هذه المدونات قد حملت شريعة إلهية واجبة الاتباع، فلماذا لم تدون في حياة النبي، أو في عصر الخلافة الراشدة، قبل أن تعصف بها الفتن الكبرى، والخلافات السياسية والمذهبية، لتخرج إلى الناس بعد قرن ونصف القرن في ثوب مذهبي، تدعي كل فرقة، ويدعي كل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، أن مرجعياته في الحديث هي التي حملت السنة النبوية الصحيحة واجبة الاتباع؟!

إن رسول الله لا يفعل شيئا إلا بأمر من الله تعالى، ولو أمره الله بتدوين أحاديثه لفعل كما فعل مع كتاب الله، ولأصبحت هذه الأحاديث جزءا أساسيا من الشريعة الإلهية التي أمر الله اتباعها، ولتعهد الله بحفظها كما تعهد بحفظ كتابه!!

إن الذين قسموا الوحي الإلهي إلى:

القسم الأول: كتاب الله، الذي شهد رسول الله على بلاغه قبل وفاته، وورثه المسلمون كما بلغه الرسول، وتعهد الله بحفظه إلى يوم الدين!!

القسم الثاني: أحاديث نبوية، لم يشهد رسول الله تدوينها، ولا الخلفاء الراشدون من بعده، ولم يرثها المسلمون كتابا واحدا، بل كانت سببا في تدعيم أزمة التفرق والتخاصم والتكفير بينهم، وظهور الجماعات والأحزاب الدينية التي تفسد في الأرض وهي ترفع راية «الكتاب والسنة»!!

إن الذين فعلوا ذلك، أقول لهم: اتقوا الله، فقد نسبتم إلى الله ما لم يأذن به، والله تعالى يقول:

«قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ»

معلومات:

* عمر بن عبد العزيز: ثامن الخلفاء الأمويين، ولد سنة ٦١هـ، ولعدله عدّه كثير من أئمة السلف خامس الخلفاء الراشدين، ولما تولى سليمان بن عبد الملك الخلافة جعله ولي عهده، فلما مات سليمان سنة ٩٩هــ تولى عمر الخلافة، حتى قُتل مسموماً سنة ١٠١هـ!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى