نحو إسلام الرسول

(372) 27/8/2015 (المنهجية العلمية في التعامل مع القرآن [2-2)

إن حرية الاعتقاد التي كفلها الله للناس جميعا: «وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ»، ليست على إطلاقها، وإنما كفلها لهم قبل اتخاذ قرار الدخول في الإسلام، والالتزام بأحكام شريعته، أما بعد إسلامهم فهم ليسوا أحرارا في قبول أو رفض هذه الأحكام، بعد أن أقروا الإلتزام بها، ولم يكرههم على ذلك أحد!!

إن الذين أسلموا وآمنوا بالرسل، لم يترك الله لهم حرية اتباع أحكام الشريعة، فيؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، وإلا ما كانت هناك حاجة للعقوبات التي جاءت بها هذه الرسالات في الدنيا أو في الآخرة، وإنما أعطاهم الحرية لترك هذا الدين كلية، وحسابهم عند الله في الآخرة؟!

إن رسالة النبي الخاتم تختلف عن الرسالات السابقة في أنها حملت في ذاتها «الآية الإلهية» الدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، عليه السلام، الأمر الذي يقتضي أن يتعامل الناس مع هذا القرآن باعتباره «آية إلهية»، معاصرة لهم اليوم، تماما كما يتعاملون مع آيات الآفاق والأنفس!!

ولن يشفع لأحد عدم إيمانه بـ «الآية الإلهية»، المعاصرة له، بدعوى أنه ورث عن آبائه ميراثا ثقيلا يحتاج إلى صبر، وإلى فترة زمنية طويلة حتى يُخرج هذا الميراث من قلبه، فقد أرسل الله الرسل بالآيات الحسية لتكون حجة على من شاهدها في عصره، ثم من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، فإذا مات الرسول ماتت معه الآيات!!

أما «الآية القرآنية» فآية علمية، عقلية، حجيتها قائمة بين الناس إلى يوم الدين، لذلك لا يصح إسلام المرء إلا إذا قام على الإيمان بها في عصره، والإقرار أنها «الآية الإلهية» الدالة على صدق رسول الله محمد، وليس وراثة عن آبائه!!

إن نصوص «الآية القرآنية» منظومة علمية حضارية، جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، إلا أنها لا تفتح أبوابها إلا لمن حمل مفاتيحها المستنبطة من ذات النص القرآني، والتي يستحيل فهم القرآن بمعزل عنها، لأنها مفاتيح عالم «التدبر»: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا»!!

إن مفاتيح عالم «التدبر» والتي أسميها بـ «آليات عمل القلب»: آليات التدبر والتفكر والتعقل والتفقه والنظر..، إنها مفاتيح أقفال القلوب المغلقة، وبدون هذه المفاتيح لا يستطيع المرء إثبات أن هذا القرآن من عند الله: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا»!!

وحسب مشروعي الفكري، فإن «آليات عمل القلب» أداة من أدوات فهم القرآن الخمس: منظومة التواصل المعرفي – اللسان العربي المبين – آليات عمل القلب – السياق القرآني – آيات الآفاق والأنفس، وإن المحور الأساس الذي تدور حوله هذه الأدوات هو «منظومة التواصل المعرفي»، هذه الجملة التي كونت كلماتها بعد جهد كبير في تدبر القرآن، خلال رحلتي من الإيمان الوراثي إلى الإيمان العلمي!!

إنه يستحيل فهم كلمة واحدة من كلمات القرآن، اسما كانت أو فعلا، دون الاستعانة بـ «منظومة التواصل المعرفي»، فليس في القرآن قاموس يبين صور الأسماء، ولا كيفية أداء الأفعال، وقد بيّنت ذلك بأدلته القرآنية في الحلقتين الثالثة والرابعة من برنامج «نحو إسلام الرسول»، مع بيان الفرق الجوهري بين «التواصل العملي» العالمي، و«التواتر العملي» المذهبي!!

إن الذين قالوا «القرآن وكفى»، عندما واجهوا إشكالية كيفية أداء الصلاة، انقسموا إلى فريقين:

الأول: قبلوا الصلوات الخمس، ودليلهم في ذلك السنة العملية، أو التواتر العملي، فوافقوا في ذلك السلفيين، ونسوا أن ما تواتر عمليا عند فرقة (أو مذهب) لم يتواتر عند أخرى، وهذا يُسقط حجية مذهبهم هذا!!

الثاني: بحثوا في القرآن عن أسماء الصلوات، ومواقيتها، ففريق وجد أنها صلاتان: الفجر والعشاء، وفريق وجد أنها ثلاثة: الفجر والظهر والعشاء، وثالث وجد أنها الدعاء، تجلس في أي وقت وتدعو الله..، وهؤلاء جميعا لم يقولوا للناس، على أي منهج علمي أو شرعي، استنبطوا هذا العدد، إلا القول بـ «القرآن وكفى»!!

إن القرآن الذي يدّعون الاكتفاء به، لا يحمل إلا أسماء هذه الصلوات فقط، فمن أين جاءوا بمسمياتها إلا من خارج القرآن، فيستحيل تعلم الصلاة دون تعلم ما يتعلق بمسمياتها، وذلك من خلال «منظومة التواصل المعرفي»، سواء كان ذلك خاصا بالمواقيت، أو بكيفية الأداء، من قيام وركوع وسجود..، وغياب هذا عنهم يُسقط حجية ما ذهبوا إليه!!

«إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى