قلت في المقال السابق: «إن إخراج الناس من الظلمات إلى النور، عمل مؤسسي حضاري، يقوم على: «منظومة الفقه القرآني المعاصر»، التي تثبت للعالم أجمع أن هذا القرآن يحمل الآية والمنهج في نفس الوقت، الآية الدالة على أن محمدا رسول الله، والمنهج الذي يشهد بذاته أن هذا القرآن حقا من عند الله تعالى»
«فقه قرآني «متجدد» يتلائم مع مقتضيات وتحديات كل عصر» … «فقه قرآني «متحرك» يضمن السلامة والنجاح والرقي والتقدم لأي نظام يقوم عليه في أي عصر وفي أي مكان».
وعلى أساس هذه المقدمة الحضارية قلت هذه التوصية: «فقه قرآني يعمل به جميع المسلمين على كلمة سواء، وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله، ويطبقون شريعته، ويتبعون رسوله محمدا».
ففهم البعض من هذه التوصية أني أدعو إلى (فقه إسلامي موحد لجميع المسلمين)، ظنا منهم أني أعني بكلمة «الفقه» معناها الاصطلاحي، الذي يستخدمه فقهاء المذاهب المختلفة، فلزم التوضيح:
أولا: لقد أردت أن أقول في هذه التوصية المعنى التالي:
إن ما يُميز الفقه القرآني، أن المتبع له لا يكون متبعا لأحد من البشر، وإنما متبعا للرسول، لذلك قلت: «ويتبعون رسوله محمدا»..، ويكون مطبقا للشريعة التي جاء بها، لذلك قلت: «ويطبقون شريعته»..، وهو على يقين أنه حقا يطيع الله، لذلك قلت: «وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله»!!
ثانيا: إن الدارس لمشروعي الفكري، يعلم أني لا أستخدم كلمة «الفقه»، بمعناها الاصطلاحي المستخدم في الفقه الإسلامي، وإنما هي آلية من آليات عمل القلب، لا تعمل منفصلة عن باقي آلياته، إلا أنها تهتم بربط الأسباب بمسبباتها، لتصل إلى حقائق الأمور، تدبر قوله تعالى:
«أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ ۗ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَٰذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلٌّ مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۖ فَمَالِ هَٰؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا»
ثالثا: إن الكلمة السواء، ليست كما فهم البعض «الفقه الإسلامي الموحد لجميع المسلمين»، وإنما هي مصطلح قرآني، يعني الكلمة التي اجتمع عليها الأنبياء والمرسلون، ولا يختلف عليها أولوا الألباب، ونص عليها القرآن صراحة بالدلالة القطعية، ولا مجال فيها لاجتهاد البشر، سواء كانت تتعلق بملة الوحدانية، أو بأحكام الشريعة القرآنية، ولا يكون المسلم حرا في اختيارها أو عدم اختيارها، بعد أن أسلم وجهه لله تعالى، وأقر العمل بشريعته، وهذا ما قصدته بقولي:
«فقه قرآني يعمل به جميع المسلمين على كلمة سواء، وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله، ويطبقون شريعته، ويتبعون رسوله محمدا»!!
هذه هي «منظومة الفقه القرآني المعاصر»، الفقه القرآني «المتجدد»..، الفقه القرآني «المتحرك»..، الفقه القرآني الذي يجمع المسلمين على كلمة سواء، وهم على يقين أنهم حقا يطيعون الله، ويطبقون شريعته، ويتبعون رسوله محمدا..، فشريعة الله ليست شأنا فرديا يتبع فيه كل مسلم هواه!!
ولقد أكدت ذلك بقولي في خاتمة المقال: «ولا نجاة لعلمائها بتخصصاتهم العلمية المختلفة، وليس فقط علماء المذاهب الدينية، إلا إذا تحملوا جميعا مسئولياتهم لإقامة هذه المنظومة الفقهية المعاصرة، على الأصول والقواعد القرآنية، التي جاءت بها نصوص «الآية القرآنية» هذه الآية التي هي البرهان الوحيد الذي يحمله المسلمون اليوم، الدال على صدق «نبوة» رسولهم محمد، عليه السلام»!!
«أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»