قلت في المقال السابق: (إن الخطاب الديني الذي يحمل التعددية المذهبية «العقدية والتشريعية» ليس من دين الله)!!
وقلت: (إن الخطاب الديني هو النور الذي يهدي الناس إلى صراط ربهم المستقيم، خطاب يتفاعل مع التحديات المحلية والعالمية والمستجدات الحضارية، بلغة معاصرة، تقدم حلولا عملية بعيدا عن الخطاب الديني المذهبي المتخلف، الذي لا يغني ولا يسمن من جوع)!!
يفهم من ذلك أني أتحدث عن الخطاب الديني الإلهي، الذي بلغه النبي الخاتم محمد، وأمر الله المؤمنين أن يقيموه في حياتهم، وأن يبلغوه للناس جميعا، ويكونوا عليهم شهداء، بسلوكياتهم وتحضرهم وتقدمهم…، هذا الخطاب الذي لا وجود له أصلا في واقع الناس، إلا نظريا في كتاب الله!!
فأنا في هذا المقال أنتقد الخطاب الديني المعاصر، بجميع توجهاته العقدية والتشريعية، وأبين للناس حقيقة الخطاب الديني الذي أمر الله اتباعه!!
فالذي آمن بالله، وبرسوله، وبكتابه، وبالآية القرآنية التي حملها هذا الكتاب، والدالة على صدق نبوة رسول الله محمد، هو الذي يخاطبه هذا المقال، ليصحو من غفلته، ويعلم أن الإسلام ليس منهجا نظريا تقوم به الحياة، وإلا لاستطاع كتاب الله أن يقيم هذه الحياة بذاته، دون حاجة إلى المسلمين المؤمنين به!!
إن الإسلام منهج عملي، يتحرك على أرض الواقع، في إطار «مجتمع إيماني»، يخاطبه الله دائما في كتابه بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا»:
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» – «لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ» – «لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا» – «وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ» – «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» – «وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» – «قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ» – «إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ»!!!
* «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ» – «فَانفِرُوا ثُبَاتٍ»، أي جماعات، «أَوِ انفِرُوا جَمِيعًا»!!
أما فشل المجتمعات الإيمانية في إقامة الخطاب الديني الإلهي في الأرض، منذ أحداث الفتن الكبرى وإلى اليوم، فقد كان بسبب هجر هذا الخطاب الإلهي، واتباع الخطاب الديني المذهبي، الذي فرق المسلمين في الدين، هذا التفرق الذي حذرهم الله منه، فقال تعالى:
«مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ» – «وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» – «مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا» – «كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»!!
ويستحيل أن يتحرك «المجتمع الإيماني»، الذي لا يتخذ غير نصوص «الآية القرآنية» منهجا في حياته، دون قيادة تنبع من داخله:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ» – «وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ»
إنها سنة الوجود الاجتماعي، فأين هذه القيادة التي أفرزها المجتمع الإيماني؟!
إننا يجب ألا ننظر إلى مأساة المسلمين بمنظار ضيق، لا نرى من خلاله إلا الفرقة التي ولدنا فيها وتربينا على مائدتها، ونريد أن نبحث لمأساتها عن علاج، وإنما علينا أن ننظر إلى المسلمين بمنظار عالمي، نرى من خلاله جميع الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، وعندها ستجف الأقلام وتطوى الصحف!!