نحو إسلام الرسول

(363) 7/8/2015 (هل فسر النبي القرآن بمرويات السنة النبوية؟)

خلال رحلتي من الإيمان الوراثي إلي الإيمان العلمي، القائم على الحجة والبرهان، قررت أن أقوم بجمع كل المرويات المتعلقة بتفسير النبي للقرآن، صحيحها وضعيفها، لأقف على حقيقة هذه «السنة النبوية» المفسرة لكتاب الله، التي يحكم أئمة السلف والخلف على منكرها بالردة، فإذا لم يتب قتلوه!!

وفي أثناء إعداد هذه الدراسة، وقع في يدي كتاب بعنوان «الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم» للشيخ أبىِ محمد السيد إبراهيم بن أبي عمة، تحقيق ومراجعة الشيخ مصطفى العدوي، الذي قال في مقدمته: «ولأنّ القرآن نزل على رسول الله، فلا شك أنه عليه السلام أعلم الناس بتأويله فعليه أنزل، وبلسانه تلي، وبسنته فسر، قال الله تعالى:

«وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ»: فسنة رسول الله كلها تفسير للقرآن، وبيان لمعانيه وألفاظه وأحكامه»!!

فإذا أردنا أن نقف على هذه «السنة النبوية» المبينة لمعاني وألفاظ وأحكام القرآن، من خلال ما ورد في هذا «الصحيح المسند من التفسير النبوي للقرآن الكريم»، وجدنا، على سبيل المثال، أن عدد الآيات التي وردت في سورة البقرة، «٧» آيات، وردت فيها أحاديث صحيحة مرفوعة إلى النبي، حسب قواعدهم المذهبية في التصحيح والتضعيف، من مجموع «٢٨٦» آية، وهذه الندرة نجدها أيضا في باقي السور!!

إن توظيف قوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ» لإعطاء شرعية للمصدر الثاني التشريعي المفترى على الله ورسوله، والذي حمل منظومة التطرف الديني وسفك الدماء بغير حق على مر العصور، مصيبة كبرى حلت بتدين المسلمين!! فتعالوا نتعرف على معنى هذه الآية، من خلال السياق الذي وردت فيه، لنقف على حقيقة التوظيف المذهبي لها!!

لقد سمى الله أهل الكتب الإلهية بأهل الذكر، فقال تعالى في سورة الأنبياء: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ»

وقال تعالى في سورة النحل «الآيات ٤٣-٤٤»: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» – «بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ».

إن المتدبر للسياق القرآني الذي وردت فيه الآيتان، يعلم أن الخطاب القرآني ليس للمؤمنين برسالة النبي محمد، وإنما للمكذبين بها، جاء يأمر النبي أن يُبيّن لهم، أن الله تعالى لم يرسل رسلا من النساء أو من الملائكة، وإنما من الرجال: «وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ»، وأن عليهم أن يتأكدوا من ذلك، بسؤال أهل الكتب السابقة: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ»!!

إذن فالقضية التي كانت مثارة، وجاء من أجلها هذا البيان القرآني، هي قضية خلاف بين أهل الكتاب حول ماهية وطبيعة الرسل، وكان من مهمة النبي أن يُظهر لهم حقيقة ما اختلفوا فيه، وهذا ما بيّنه قوله تعالى في الآية «٣٩» من سورة النحل، أي قبل «الآيات ٤٣-٤٤»:

«لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ»

وما بيّنه قوله تعالى في الآية «٦٤»: «وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»!!

إن قوله تعالى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» ليس أمرا للرسول ليُبيّن للمسلمين القرآن، لأن المقصود بـ «الناس» هنا المكذبون برسالة النبي من أهل الكتاب، الذين اختلفوا حول نبوة محمد، و«مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» من كتب، وليس حول القرآن «الذكر» المنزل على محمد، وهذا ما أفاد به اسم الموصول «مَا»، وصلته «نُزّل»، لأنه لو كان «الذكر» المنزل على محمد هو نفسه «مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» من كتب، لجاءت الجملة «لتبينه للناس»، أي القرآن، وليس «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ»!!

إن «الذكر» الذي أنزله الله على رسوله محمد، والذي هو «القرآن»، جاء مبينا لغيره مما نزل على «الناس»، الذين هم «أهل الكتاب»، من رسالات، وكاشفا عما أخفوه وحرفوه منها، وهذا ما بيّنه قوله تعالى في سورة المائدة: «يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنْ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ»!!

إذن فيكون المعنى: «وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ»، أي هذا القرآن، «لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ»، أي لهؤلاء المكذبين، حقيقة «مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ» في كتبهم، مما أخفوه واختلفوا فيه…، فكيف يتحول الخطاب القرآني من أهل الكتاب إلى المسلمين، لتصبح هذه الآية دليلا على حجية «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي، التي ألبسها أئمة السلف والخلف لباس «السنة النبوية»، لتأخذ قدسية في قلوب أتباعهم؟!!

لقد جاء «البيان»، في السياق القرآني بمعنى «الإظهار»، أي إظهار الحق، أو الحكم الشرعي، أو الخبر…، كلٌ حسب السياق الذي وردت فيه الكلمة، وهذا ما بيّنه الله لرسوله في قوله تعالى في سورة القيامة:

«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» – «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» – «فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» – «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ»

فهل يُعقل أن يكون معنى «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ»، أي ثم إنا علينا تفسير آياته، عن طريق مرويات «السنة النبوية»، التي إن صحت عند طائفة لم تصح عند أخرى؟!

إن قوله تعالى: «ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ»، يعني بيان القرآن كله، وليس جزءا منه، فهل يعقل أن يخرج الرسول على قومه ويقول لهم: أنا رسول الله، وهذا القرآن هو «الآية» الدالة على صدق بلاغي عن الله، ولكن لابد أن أفسر لكم نصوصها كلها، حتى تستطيعوا أن تأتوا بمثلها؟!!

إن القرآن الحكيم جاء بيّنا في ذاته، مبيّنا لغيره، فهو ليس في حاجة إلى بيان المرويات الظنية الثبوت عن الرواة الذين نقلوها، وبرهان ذلك قوله تعالى: «الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ» – «أَنَّى لَهُمْ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ»

ولقد جاء بيان معنى «رَسُولٌ مُبِينٌ» في موضع آخر، فقال تعالى: «فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ»، بل إن هذا البلاغ المبين هو سنة جميع الرسل، فقال تعالى: «فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ»؟!

وسأضرب بعض الأمثلة على هذا البيان القرآني:

١- عن أحكام الخمر والميسر، وأحكام اليتامى، يقول الله تعالى: «يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ»، تدبر: «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ»!!

٢- عن نكاح المشركين والمشركات، يقول الله تعالى: «وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»، تدبر: «وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ»!!

٣- عن المحيض، وإتيان النساء، وأحكام الطلاق، يقول الله تعالى: «فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، تدبر: «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»!!

٤- وفى ختام أحكام الطلاق، ومتعة المتوفى عنها زوجها، يقول الله تعالى: «كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».

فهذه بعض أحكام سورة البقرة، ولكن الحقيقة، أن الذين يفهمون ما ورد فيها من بيان، هم الذين اتصفوا بالصفات التي وردت في الآيات الأربع السابقة: «لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ» ـ «لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ـ «لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» ـ «لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»، وقليل ما هم!!

إن أئمة السلف والخلف مجمعون على أن عقوبة الزنى هي «الرجم»، ومصدر هذا الإجماع هو مرويات «السنة النبوية»، فإذا ذهبنا إلى القرآن، وجدنا أن العقوبة هي «الجلد»، إذن فمن نصدق؟!!

عندما يقول الله في سورة النور: «سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، فعلينا أن نتدبر جملة: «وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ»، ثم قوله بعدها: «لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، ثم يأتي البيان بعدها مباشرة بوصف فعل الزنى وعقوبته، فيقول تعالى: «الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ» من غير تقسيم لفعل الزنى إلى زنى «محصن»، عقوبته الرجم، وزنى «غير محصن» عقوبته الجلد!!

والسؤال: هل يمكن أن يفوض الله رسوله أن يستقل بتشريع عقوبة «الرجم»، لتأتي بها مرويات «السنة النبوية»، ظنية الثبوت عن من نقلوها، ويترك العقوبة المخففة التي هي «الجلد» لتشريعات القرآن؟!

هل بعد هذا من تطرف ديني وإرهاب وسفك للدماء بغير حق، نأتي فنطالب المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية بمحارية الإرهاب، وهي التي تقدس هذه المرويات، وتدافع عنها، وتقتل من ينكرها، بدعوى إنكار مرويات «السنة النبوية»، المفسرة للقرآن؟!!

معلومات:

* حجية «الأحاديث»: الصحيح أن نقول حجية «المرويات» المنسوبة إلى النبي، لأن «حديث النبي» لا يطلق إلا على كلامه، الذي خرج على لسانه، بحروفه المتعاقبة، وسمعه أصحابه منه مباشرة، فإذا رواه الصحابي، سُمي «رواية» الصحابي عن النبي، وليس حديث النبي!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى