كيف تكون المرأة «زوجة» عند الله، و«مطلقة» عند أئمة السلف؟!!
إن قرار الطلاق قرار مصيري، لا يقوم على انفعالات، تصحبها «أيْمان»، تخرج على اللسان، في لحظة انفعال طارئة، وإنما على الفهم الواعي لحقيقة الزواج، وأنه آية من آيات الله، يجب أن تعيش في وجدان الزوجين، فلا تنفك عرى الزوجية إلا والزوجان في أعلى درجات اليقظة، والهدوء والسكينة.
إن قرار الطلاق ليس قرارا فرديا، وإنما هو قرار المؤسسة المعنية بشئون الطلاق، بعد فشل محاولات الإصلاح، ،انتهاء فترة «العدة»، وبعد بحث أسبابه الاجتماعية والنفسية والمالية، وهذا ما بينته الشريعة القرآنية، فيما يتعلق بهذا القرار المصيري، بتوجيه الخطاب إلى رسول الله محمد، عليه السلام، بصفته ولي أمر المسلمين، فقال تعالى في سورة الطلاق: «يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ…».
إن ضمير الجمع في قوله تعالى: «إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ»، وما بعده من الضمائر: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»، «وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»، يُبيّن مدى القيود التي فرضتها الشريعة القرآنية على قرار الطلاق، لتضييق دائرته إلى أقصى درجة!!
إن كلمة «إذا»، في قوله تعالى: «إِذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ»، تتعلق بإرادة الطلاق، ثم جاءت جملة «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» لتبين متى يقع الطلاق، إذ لا معنى لتحقق الطلاق بعد وقوعه، فهو كقوله تعالى: «إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ…»، أي إذا أردتم الصلاة فاغسلوا…، ومعلوم أن وقوع الصلاة يكون بعد الوضوء وليس قبله، ولذلك يجب أن نفرق بين إرادة الطلاق، وتوقيت وقوعه.
أولا: «إرادة» الطلاق، وعلى أساسها يبدأ إحصاء العدة، وخلال فترة العدة قد يُغير الزوج موقفه من هذه الإرادة، وتعود المياه إلى مجاريها، ويتوقف الإحصاء، ولا «يقع» الطلاق، لأن الله تعالى يقول في سورة البقرة: «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا».
والبعل: اسم زوج المرأة الذي من حقه ردها، وكلمة «بِرَدِّهِنَّ» تعني إلى الحالة التي كانت عليها قبل بدأ العدة، وقوله تعالى «فِي ذَلِكَ»، أي في فترة العدة «إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا»، فتعود الحياة الزوجية إلى ما كانت عليه، ولا تُحسب «إرادة» الزوج طلقة، لأنه ردّ زوجته قبل وقت «وقوع» الطلاق.
ثانيا: «وقوع» الطلاق، يقع الطلاق بعد فشل محاولات الإصلاح، وانقضاء فترة العدة، لقوله تعالى: «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»، فاللام في كلمة «لِعِدَّتِهِنَّ»، تدخل على فترة زمنية لها بداية ونهاية، كقوله تعالى: «وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا»، ولقد بيّن الله هذا الميقات بقوله: «فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً»، أي أن الميقات انتهى بانتهاء الأربعين ليلة. كذلك فإن ميقات عدة المرأة ينتهي بانتهاء القروء الثلاثة، قال تعالى في سورة البقرة: «وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ»، وقد سماهن الله مطلقات قبل انتهاء القروء الثلاثة، وذلك بالنظر إلى ما سيؤول إليه حالهن في نهاية العدة، ولأنهن بدأن السير في الإجراءات التي توصل في النهاية إلى الطلاق، كما نطلق كلمة «مسافرات» على من بدأن إجراءات السفر!!
ولذلك فإن الطلاق لا يقع إلا في نهاية ميقات العدة، لقوله تعالى: «فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ». إن قوله تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ» يُبيّن أن الزوج قبل انتهاء العدة مازال يُمسك بزمام العلاقة الزوجية، لم يطلق زوجته بعد، وقوله تعالى «أَوْ فَارِقُوهُنَّ» يُبيّن أن الزوج عليه أن «يوقع» الطلاق بعد انقضاء العدة!!
ثالثا: عدة المرأة، إن عدة المرأة ثلاثة قروء، والقَرْء: هو الفترة بين الطهر والحيض فتكون عدة المرأة: «طهر ـ- حيض»، يليه «طهر ـ- حيض»، يليه «طهر ـ- حيض»، ومعلوم أن براءة رحم المرأة تحصل بقرء واحد، فلماذا الانتظار ثلاثة قروء؟! ذلك لإعطاء الزوجين والمؤسسة المعنية بشئون الطلاق، مزيدا من الوقت للإصلاح بين الزوجين، فإذا انقضت فترة العدة تصبح المرأة «طالقا» طلاقا رجعيا، يرجع إليها مطلقها بعقد جديد.
رابعا: «وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ»، لقد أمر الله بإحصاء العدّة للمحافظة على حقوق الزوجين، ولا يُترك هذا الإحصاء لهما فقط، فعلى المؤسسة المعنية بشئون الطلاق أن تسجل موعد بداية العدة، وموعد نهايتها لأن المطلقة بعد انتهاء عدتها تنقطع عنها النفقة، وتستطيع أن تتزوج فور طلاقها!!
خامسا: «لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ»، إن المرأة في فترة العدة مازالت زوجة، لها حقوقها الزوجية، فإن ماتت يرثها زوجها، والعكس، فمن الخطأ الكبير أن تترك الزوجة بيتها، فتتدخل أطرف أخرى، فتتسع دائرة الخلاف!!
إن استخدام السياق القرآني لكلمة «بُيُوتِهِنَّ»، يُبيّن كيف تحافظ الشريعة القرآنية على كرامة المرأة وحقوقها، وأن وجودها في بيتها قد يُحدث تحولا إيجابيا في العلاقة بينها وبين زوجها، والله تعالى يقول في نفس السياق: «لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا»!!
سادسا: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ»، لقد أمر الله الزوجين، والمؤسسة المعنية بشئون الطلاق، الإشهاد على كل القرارات التي يتخذها الزوج، سواء كان ذلك عند بداية إحصاء العدة، أو في حالة ردِّ الزوجة، أو عند إيقاع الطلاق في نهاية العدة، وكل ذلك حرصا على حفظ وتوثيق حقوق الزوجين.
إنّ قوله تعالى «وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ»، يُبيّن وجوب أن يقيم الشاهدان الشهادة على أكمل أحوالها، كما يفعل من يريد إقامة شيء ليصير واقفاً بنفسه، غير محتاج إلى ما يدعمه!!
ومع هذا البيان الواضح، وهذا الشرط القطعي الدلالة «وَأَشْهِدُوا» ، «وَأَقِيمُوا»، نجد جمهور الفقهاء لا يشترطون الإشهاد على الطلاق!!
لقد تعدى أئمة السلف والخلف على أحكام الشريعة القرآنية، باتخاذهم مرويات وفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان، فهدموا أسرا بأكملها، بدعوى اتباع «السنة النبوية»، والله تعالى يقول في أول سورة الطلاق: «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»، ويقول في سورة البقرة، في سياق بيان أحكام الطلاق: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»!!
إن حدود الله قد بيّنها الله في كتابه، فقال تعالى بعد بيان أحكام الطلاق في سورة البقرة: «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»، لذلك فإن كل حكم فقهي، جاء خارج حدود النص القرآني، فليس حجة في دين الله، وإن أجمع عليه الناس جميعا، وأصبح عرفا سائدا بينهم!!
لقد قسم أئمة المذاهب الفقهية الطلاق إلى ثلاثة أنواع: «سني»، و«بدعي»، وما ليس بـ «سني ولا بدعي»، ثم قسموا الطلاق «السني» إلى سني حسن وسني أحسن، وقسموا »البدعي« إلى حرام ومكروه، إلى آخر ما مُلئت به آلاف الصحف من الأصول العقدية والتشريعية، ومسائل الأحكام، والتفريعات على المسائل، والتفريعات على التفريعات، والفتاوى…، هذه المنظومة الفقهية التي من أراد أن يقف عليها، فعليه أن يسبح في بحر وصفه الله بقوله:
«أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ»!!
ومن عينة هذه الظلمات، مما أجمع عليها جمهور الفقهاء:
– ـ إذا طلق الزوج امرأته وهي حائض، أو نفساء، أو في طهر جامعها فيه، يكون قد ارتكب محرما واثما كبيرا، إلا أن الطلاق يقع وتُحسب طلقة!! والحقيقة أن الطلاق لا يقع، ولا تُحسب طلقة، حسب ما ورد في الشريعة القرآنية!!
– ـ إذا طلق الزوج امرأته ثلاثا دفعة واحدة، فقال لها: «أنت طالق ثلاثا»، أو كرر لفظ «أنت» ثلاث مرات، وقال: أنت طالق . أنت طالق . أنت طالق، فلا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجا غيره، حتى ولو كان لا يقصد بالثلاثة أن تكون بائنة منه بينونة كبرى!! والحقيقة أن الطلاق لا يقع، لا بينونة صغرى ولا كبرى، حسب ما ورد في الشريعة القرآنية!!
– ـ إذا تلفظ الزوج بكلمة الطلاق، ولم يكن ينوي الطلاق، سواء كان لغوا أو تمثيلا أو تهديدا…، فإن الطلاق يقع، حتى ولو لم يقصد وقوعه!! فقد تتعود الزوجة أن تخرج من بيتها دون إذن زوجها، فإذا كره الزوج منها ذلك، وأراد تهديدها، فقال لها: «إن خرجت من البيت بغير إذني فأنت طالق» ثم خرجت، وقع الطلاق!! والحقيقة أن الطلاق لم يقع، حسب ما ورد في الشريعة القرآنية!!
وخلاصة القول: أن من «أراد» أن يطلق امرأته، عليه أن ينتظر حتى تطهر، ويبدأ في إحصاء العدة، فإن أراد ردّها أمسكها قبل انتهاء العدة، ولا تُحسب هذه الإرادة طلقة، وإن أصر على طلاقها ففي نهاية العدة «يوقع» الطلاق، وهنا تُحسب طلقة، ويُشهد على ذلك كله شاهدي عدل، ويوثق ذلك عن طريق المؤسسة المعنية بشئون الطلاق.
معلومات:
* الأيْمان: إن معظم المذاهب الفقهية جعلت «الأيْمان» طلاقا، حتى ولو كانت لغوا، فهدموا أُسرا بغير حق، انتصارا لمذاهبهم، واتباعا لأهوائهم، والله تعالى يقول: «لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ»!!