نحو إسلام الرسول

(354) 20/7/2015 (الرسول جمع القرآن وليس أبوبكر وعثمان)

الرسول جمع القرآن وليس أبوبكر وعثمان

إن المرجعية الرئيسية التي يستقي منها الإرهابيون شرعية أعمالهم، وشرعية سفك الدماء بغير حق…، هي «المصدر الثاني للتشريع»، الذي فتح باب التطرف الديني علي مصراعيه، ليستقي منه الفكر الإرهابي الدموي شرعيته، وليجد من يريد أن يفتري على الله ورسوله الكذب ضالته!!

وإن من افتراء الكذب علي الله ورسوله، الذي حمله هذا «المصدر الثاني للتشريع»، القول إن آيات القرآن لم تُجمع في حياة النبي، وإنما جمعها الصحابة بعد وفاته من على الرقاع، والعسب، واللخاف، والأدم، والأكتاف…، حتى جاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجمعه الجمعة الأخيرة!!

ولكن لماذا يفترون على الله الكذب، في مسألة تعتبر آية من آيات الله الظاهرة ظهور الشمس في كبد السماء، وهي نصوص «الآية القرآنية»؟! والجواب: لأنهم يريدون إعطاء شرعية لأحاديث المصدر الثاني للتشريع، فذهبوا يقولون: لقد نُقلت الأحاديث بالرواية، وكذلك نُقل القرآن!!

فإذا قلت لهم: ولكن الأحاديث قد آتاها الباطل من بين يديها ومن خلفها، ووصلت إلينا عن طريق «خبر الواحد»، أما القرآن فقد وصلنا بحفظ الله له، دون أن تمسه أيدي البشر؟! قالوا: إذا كانت الأحاديث قد نُقلت عن طريق «خبر الواحد»، فكذلك القرآن نُقل عن طريق «خبر الواحد»!!

إن القول إن الذين نقلوا القرآن، هم الذين نقلوا «الأحاديث»، وإن «الرواية البشرية» يمكن أن تكون حاكمة على «الآية القرآنية»، تنسخها، وتقيدها، وتخصصها، إلى آخر ما هو مفصل في «علوم القرآن»، إن هذا القول مصيبة كبرى حلت بتدين المسلمين، واعتقادهم بوجود مصدر تشريعي غير القرآن، ألبسه أئمة السلف لباس «السنة النبوية» ليأخذ قدسية في قلوبهم، وتُسفك الدماء بغير حق استنادا إلى «رواية بشرية» لها قدسيتها!!

إن إشكاليات «علوم القرآن» تُكتب فيها المجلدات، وسأضرب مثالا واحدا يُبيّن حجم هذه
المصيبة: لقد جعلوا قصة زيد بن ثابت، في جمع القرآن، دليلا على أن القرآن نُقل إلينا بأخبار الآحاد، وهذا ما أثبته البخاري في صحيحه، حيث روى عن زيد قوله: فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، ولم أجدها مع غيره، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر.

والسؤال: ما معنى قول زيد بن ثابت، إنه لم يجد بعض آيات القرآن إلا عند رجل واحد هو أبو خزيمة الأنصاري؟! هل يريد أن يُحمل أبي بكر وعمر وحفصة مسئولية ضياع آخر سورة التوبة من مصاحف باقي الصحابة؟! أم يريد أن يثبت أن القرآن نُقل بخبر الواحد، كما نُقلت «الأحاديث»، وبذلك تتساوى حجية «الأحاديث» مع حجية القرآن؟!!

وينقل السيوطي عن الليث بن سعد قال: وكان الناس يأتون زيد بن ثابت فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وإن آخر سورة براءة لم يجدها إلا مع خزيمة بن ثابت، ذي الشهادتين، فقال: اكتبوها فإن رسول الله جعل شهادته بشهادة رجلين، فكتب، وأن عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده!! [الإتقان في علوم القرآن]

والسؤال: إذن فما المانع أن يأتي المنافقون بشاهدي عدل، على أن ما معهم من آيات «مفتراة» قد كُتبت بين يدي رسول الله؟! وإذا كانت آية الرجم لم تُقبل من خليفة المسلمين عمر، لأنه كان وحده، فلماذا ظلت عقوبة الرجم «سنة نبوية» إلى يومنا هذا؟!

إن الإشكاليات التي وردت في أمهات كتب «علوم القران»، والتي حملها «المصدر الثاني للتشريع»، باسم «السنة النبوية»، لا تقل خطورة عن إشكاليات أمهات الكتب التي حملت الفكر الإرهابي الدموي، فإذا كان الإرهاب يقتل مجموعة من الأفراد، فإن التغييب العقلي التي تحدثه مرويات هذه الكتب يقتل شعوبا بأكملها، وتجعلها في ذيل التقدم الحضاري!!

لقد تعامل أئمة وعلماء السلف والخلف مع القرآن، باعتباره كتابا إلهيا، كالتوراة والإنجيل، بمعزل عن «الآية الإلهية»، التي حملها كتاب الله، والتي جمعت «الآيات الحسية»، التي أيد الله بها الرسل السابقين، ورآها الناس بأعينهم، كعصى موسى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله،… لذلك يستحيل أن يتوفى رسول الله قبل أن تُجمع نصوص «آيته القرآنية» في كتاب، هو نفسه الكتاب الذي بين أيدينا اليوم، وبرهان ذلك ما يلي:

أولا: لقد كان من شدة حرص النبي على أن لا ينسى شيئا من الآيات التي كانت تتنزل عليه، أنه كان يُسرع بإعادة قراءة الآيات أكثر من مرة، فأنزل الله: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» – «سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَى» – «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ» – «فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» – «وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا»

لقد جمع الله تعالى القرآن في قلب النبي، فقال تعالى: «فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ»، ولا شك أنه كان مجموعا أيضا في قلوب كثير من الصحابة، ومع ذلك لم يكتف الله بجمع القرآن في القلوب، وأمر رسوله أن يُدوّنه في كتاب، وهذه سنة الله مع جميع الأنبياء..، فهل يُعقل أن يعصى الرسول ربه، ويترك سور الكتاب للصحابة، يختلفون في جمعها بعد وفاته، ويأتون بالشهداء يشهدون هل هذه الآية من القرآن أم ليست من القرآن؟!

ثانيا: إن اسم الإشارة الذي ورد في قوله تعالى في أول سورة البقرة: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» جاء في سياقه المحكم، فـ «ذلك» يشير إلى الموضوع القريب، وهو ما نزل من آيات قبل سورة البقرة، وكذلك إلى البعيد، وهو ما سيلحق بها من آيات، كما يُستعمل لبيان علو شأن هذا الكتاب، وأنه في منزلة تجعله بعيدا عن أيدي البشر، لذلك قال تعالى بعدها: «لَا رَيْبَ فِيهِ»!!

إن إطلاق لفظة «الكتاب» على الآيات المنزلة، كالحاضر المشاهد، مع أن الكتاب لم يكن قد اكتمل بعد، يشير إلى ما ستؤول إليه هذه الآيات، وأنها في النهاية ستكون بين دفتي كتاب، يستحيل أن يتوفى النبي ولا يعلم صحابته أوله من آخره، ولا ترتيب سوره!!

ثالثا: إن «الآية القرآنية»، التي جعلها الله دليلا على صدق نبوة رسوله محمد، لا علاقة لها بالماضي، أي لا علاقة لها بأئمة السلف ومصادرهم التشريعية، لأنها ليست خبرا ماضويا ينقله الأموات عن الأموات، كما هي الحال مع «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي، وإنما هي آية يراها الناس حاضرة أمامهم اليوم وليس الأمس، فنحن عندما ننظر إلى «آية الشمس»، هل ننظر إليها بمنظار الأمس!!

إن «الآية القرآنية» ليست «آية حسية» يراها الناس تمشي على الماء، وتسبح نصوصها في الهواء…، وإنما هي «آية عقلية»، تراها القلوب، عن طريق تفعبيل «العلماء» من كل التخصصات العلمية، لآليات عمل القلب: آليات التفكر والتعقل والتدبر والنظر!!

إن الدين الإسلامي الذي ارتضاه الله للناس جميعا: «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»، والذي لن يقبل الله غيره: «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»، هو دين «الآية القرآنية»، وليس دين «الرواية البشرية»: «أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ»!!

إن «الخطاب الديني»، الذي أمر الله الناس باتباعه، هو خطاب «الآية القرآنية»، وليس خطاب «الرواية البشرية»، لذلك فإن أزمة الخطاب الديني، المثارة على الساحة الفكرية والسياسية اليوم، ليست أزمة تجديد ولا تطوير ولا تنقية للخطاب الديني، هذا الخطاب القائم على «المصدر الثاني للتشريع»، للفرق والمذاهب المختلفة، وإنما هي أزمة «تأصيل الخطاب الديني»، وفصل «الخطاب الإلهي» عن «الخطاب البشري»!!

لقد قضيت معظم عمري أفكر، أبحث، أدرس، أكتب، أتكلم…، فتعلمت أن الإسلام منظومة متكاملة، «علم + عمل»، وأن العلم يجب أن يتحول إلى عمل، وكلما اقتربت من دائرة العمل، وتفعيل «أحكام الشريعة القرآنية» بين الناس، هجرني البعض…، فإذا أردت تفعيل ما أمر الله به من «ملة الوحدانية» هجرني الكل، إذن فمتى نحول العلم إلى عمل، بما يرضي الله تعالى، دون أن يهجرنا أحد؟!

عندما تُسفك الدماء بغير حق باسم الإسلام، والمسلمون يقفوف متفرجين بدون عمل، وعلماؤهم وشيوخهم يكتفون بإصدار بيانات إدانة الإرهاب، وهم الذين صنعوا الإرهابيين بأيديهم، بتقديسهم لأمهات الكتب التي يستقي منها الإرهابيون شرعية أعمالهم الإجرامية، إذن فلا تحدثني عن «الإسلام»، ولا عن «العلم»، ولا عن «العمل»، وإنما حدثني عن «المنافقين»، الذين يقولون ما لا يفعلون، لذلك ميزهم الله بميزة خاصة في جهنم، فقال:

«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا»!!

 

معلومات:

* الرقاع: جمع رقعة وهي القطعة من النسيج أو الجلد، والعسب: جمع عسيب، وهو جريد النخل، واللخاف: جمع لخفة وهي صفائح الحجارة الرقاق، والأدم: جمع أديم وهو الجلد المدبوغ، والأكتاف: جمع كتف وهو عظم عريض يكون في أصل كتف الحيوان.

* زيد بن ثابت: شارك مع رسول الله في معاركه، بداية من غزوة الخندق، سنة خمس من الهجرة، وشهد غزوة تبوك، وكان من كتبة الوحي، وأحد أصحاب الفَتْوى الستة، توفي عام ٤٥هـ.:

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى