نحو إسلام الرسول

(353) 14/7/2015 (لهذا شق المسلمون عصا الطاعة، وقاتلوا الخلفاء)

لهذا شق «المسلمون» عصا الطاعة، وقاتلوا «الخلفاء»!!

إن أكبر مصيبة ابتُليت بها التيارات الدينية المختلفة، هي «الانتماء المذهبي»، القائم على «البيعة»، و«السمع والطاعة»، و«الولاء والبراء»، و«الجهاد والخروج في سبيل الله»!!

إن هذه «العقائد المذهبية»، لا علاقة لها أصلا بكتاب الله، ولا بتفعيل النبي لآياته، وإنما ظهرت بعد أحداث «الفتن الكبرى»، ودُوّنت في أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، بعد قرن ونصف القرن من وفاة النبي، وأخذت مساحة كبيرة من هذه الكتب، تصل إلى آلاف الصفحات!!

لذلك، فإن المجرم الحقيقي وراء كل الأعمال الإرهابية، التي تحدث في العالم باسم الإسلام، وتحت راية «لا إله إلا الله – محمد رسول الله»، يعيش آمنا، يخاطب الناس على منابر الدعوة، المحلية والفضائية، ويحمل سيف «إنكار السنة»، يضعه على رقاب كل من تسول لهم أنفسهم إنكار هذه «العقائد المذهبية»!!

إن المسلم الذي يفجر نفسه، لا يفعل ذلك من أجل «الإسلام»، وإلا ما فعل!! ولا بناء على فهم واع لآيات الذكر الحكيم، وإلا ما فعل!! وإنما يفعل ذلك من أجل شيء مقدس عنده، وهو «السمع والطاعة» لأمير الجماعة، الذي بايعه على ذلك!!

فإذا سألنا الأمير: كيف تبيح قتل المسلمين بغير حق، والله تعالى يقول:
«وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»؟! أخرج لك من خزانة مصدره الثاني للتشريع، الروايات والفتاوى التي تبيح له ذلك، وطبعا حسب التكييف الشرعي للمذهب العقدي الذي ينتمي إليه، والقائم على عشرات «الأحاديث» المنسوبة إلى النبي، التي تأمر بالطاعة المطلقة للإمام، ومن هذه «الأحاديث»، ما ورد في صحيح البخاري:

١- عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله: «من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات إلا ميتة جاهلية»!!

٢- عن عجرفة قال: قال سمعت رسول الله يقول: «إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة، وهي جمع، فاضربوه بالسيف، كائنا ما كان».

فتعالوا نفكر سويا: إذا كانت هذه الروايات، قد حملت «السنة النبوية» التي تأمر المسلمين بطاعة الأمراء وولاة الأمور طاعة مطلقة، فلماذا لم يهتد بها كبار الصحابة، ومعهم أم المؤمنين عائشة، ومعاوية الذي كان يملك جيشا من أقوى الجيوش الرادعة…، وتركوا خليفة المسلمين، عثمان بن عفان، يحاصره القتلة أربعين يوما، حتى قتلوه؟!

ولماذا شقت السيدة عائشة عصا الطاعة، وخرجت بجيشها تطالب خليفة المسلمين علي بن أبي طالب بالقصاص من الذين قتلوا عثمان؟! فهل المطالبة بدم عثمان، يمكن أن تكون مبررا شرعيا لاشتعال المعارك الدموية، التي استمرت إلى يومنا هذا؟!

وهل من ماتوا من جيش السيدة عائشة ماتوا ميتة جاهلية؟! وهل إذا ضرب خليفة المسلمين عليّ كل الرقاب التي خرجت عليه، يكون متبعا لـ «السنة النبوية»، حسب ما ورد في هذه الروايات؟!

إذن نحن أمام إشكالات كبيرة وخطيرة، ومنها:

أولا: كيف تشارك أم المؤمنين عائشة، وكبار «الصحابة»، في معارك دموية استمرت أياما، وسُفكت فيها الدماء عمدا مع سبق الإصرار والترصد، ومنهم «مبشرون بالجنة»، والله تعالى يقول: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً»؟!

ثانيا: كيف قبل «المحدثون» مرويات الذين اشتركوا في أحداث «الفتن الكبرى» من الجانبين، ألا يُدخلهم ذلك دائرة «الجرح»، فلا تُقبل شهاداتهم، ولا «أحاديثهم»، حسب ميزان الجرح والتعديل؟!

ثالثا: ماذا ستفعل المؤسسات الدينية الرسمية، مع أمهات كتب الحديث والفقه، التي تحمل هذه الألغام والقنابل الموقوتة: الإمارة – والخلافة – والبيعة – والسمع والطاعة – والجهاد والخروج في سبيل الله… ، وهي «القاتل الرسمي» وراء جميع الأعمال الإرهابية، التي تحدث في العالم تحت راية «لا إله إلا الله – محمد رسول الله»؟!

رابعا: ماذا ستفعل الدولة مع القنوات الفضائية، الذي تستضيف رموز التيارات السلفية، الذين يُدّعمون أزمة «التخاصم والتكفير» بين المسلمين؟! فهل يُعقل أن يخرج علينا أحد أقطاب الفكر السلفي، وعند حديثه عن الصراع بين السنة والشيعة يقول على إحدى هذه القنوات: «إذن نحن أمام صراع سني شيعي، لن يُحل إلا بأمرين: البلاد التي تحكمها أغلبية سنية تعتبر الشيعة زي اليهود والمسيحيين، مواطنون لهم الحق في كل الحقوق…»!!

والغريب، اللافت للنظر، أنه للخروج من هذه الإشكالات الخطيرة، التي تهدد «علم الحديث» بالسقوط من قواعده…، ذهب أئمة السلف إلى آية في سورة الحجرات، ظنوا أنها المخرج من إشكال سفك المؤمنين دماء بعضهم، عمدا مع سبق الإصرار والترصد، وأن ما فعلوه لا يخرجهم من ملة الإسلام، ولا يخلع عنهم صفة «الإيمان»، لأن الله تعالى يقول:

«وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا» – «فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ» – «فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا» – «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»

وبناء على ذلك أخرج «أهل السنة» جميع «الصحابة» من دائرة «الجرح»، ووضعوا أصلا جديدا من أصول الدين اسمه «عدالة الصحابة»، من مسهم بسوء فقد مس أصول الدين وثوابته، يُحكم عليه بالردة، وكذلك فعل «الشيعة»، وقالوا بـ «عصمة الأئمة»!!

فإذا ذهبنا إلى هذه الآية، وتدبرنا سياقها، وجدناها لا تتحدث مطلقا عن معارك دموية، وإنما عن «اقتتال»، أي عن تنازع، عن «خناقة»، قد تستمر ساعات على الأكثر، ولكن ليس أياما، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى حكاية عن موسى، عليه السلام: «فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ»، أي يتعاركان بالأيدي، بدليل أن موسى كان يستخدم يديه لفض هذا الاشتباك!!

صحيح، قد يتحول «الاقتتال» إلى «قتل»، ولكنه في هذه الحالة يكون قتلا خطأً، كما حدث مع موسى: «فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ»، و«الوكز»: هو الضرب باليد بجمع أصابعها!!

إن سياق الآية، لا علاقة له بالقتل العمد، بدليل قوله تعالى: «فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»، وقوله بعدها: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ»!!

ولكن، إذا أصرت طائفة على التوسع في «الاقتتال»، وتجاوزت الحدود: «فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى»، فهنا على الدولة، «الطرف الثالث في الآية»، أن تتدخل: «فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ» – «فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»!!

إن قوله تعالى «فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا»، دليل على أن «الاقتتال» لم يكن في أصله مواجه بالأسلحة القاتلة، كما حدث في أحداث «الفتن الكبرى»، ذلك أن المؤمنين لا يتعمدون سفك دماء بعضهم أصلا، فالله تعالى يقول: «وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا» – «فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا» – «وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ» – «وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا»!!

لذلك، فإن آية سورة الحجرات، لا تصلح مطلقا، أن تكون هي «الشماعة» التي يعلق عليها أئمة السلف والخلف، نتائج أحداث «الفتن الكبرى»!!

لقد كانت نتائج أحداث «الفتن الكبرى»، وراء كل الفتن والمصائب التي فرقت المسلمين إلى مؤسسات وجماعات وأحزاب دينية، حتى أصبح في كل شارع من شوارع البلاد مسجد حاضن للتطرف الديني، يتبع مؤسسة دينية، رسمية أو غير رسمية، الأمر الذي بات يمثل تهديدا حقيقا لأمن البلاد والعباد، بل ولأمن العالم!!

إننا يستحيل أن نقضي على الإرهابيين بالسلاح وحده، فهم يولدون كل يوم في جميع أنحاء العالم، فإذا استطعنا أن نقضي عليهم في بلد، لن نستطيع أن نقضي عليهم في العالم!!

والإرهابيون يستحيل أن يقضوا على الشعوب، إذا آمنت هذه الشعوب أن «الإرهاب» فكر يدخل القلوب، قبل أن يكون جسدا يتحرك بين الناس، وأن هذا الفكر يُقدم للناس على طبق من عسل، بداخله «سم» قاتل، لا يظهر مفعوله إلا بعد عقود من الزمن!!

و«الفكر الإرهابي» يستحيل أن نقضي عليه، دون إصدار تشريعات جريئة، تحاصر منابعه، وتحقق الأهداف التالية:

١- اقتلاع جذور الفكر الإرهابي من أمهات كتب التراث الديني، التي لبست ثوب «السنة النبوية»، لتأخذ قدسية في قلوب أتباع التيارات الدينية المختلفة!!

٢- الرقابة الناجزة على المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، وعلى المساجد الحاضنة للفكر الإرهابي، والمخترقة من الإرهابيين وأنصارهم، وعلى منابر الدعوة المحلية والفضائية!!

٣- وضع المناهج التربوية، التي تبين حقيقة الإسلام، من الألف إلى الياء، بحيث تكون مناهج رئيسة، تدرس في جميع المؤسسات التعليمية، من الحضانة إلى الجامعة!!

والسؤال: هل تجرؤ المؤسسات الدينية الرسمية، أن تصدر بيانا باسم هيئة كبار العلماء، يعتبر منفذي الأحداث الإجرامية كفارا، خارجين من ملة الإسلام؟!

الجواب: لن تجرؤ!! لأن هذا معناه، حذف آلاف الصفحات التي حملت هذه «العقائد المذهبية» من أمهات كتب التراث الديني، والحكم على «أحاديث» كثيرة بالبطلان، وقد وردت في أصح كتب الحديث، وهذا كله عندهم من المقدس الذي يحرم المساس به!!

لذلك سيبقى الوضع على ما هو عليه، وسيظل «الإرهاب» قائما بيننا، يعيش في سلام وأمان، تحميه المؤسسات الدينية!!

«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ»

معلومات:

* المبشرون بالجنة هم: أبو بكر – عمر – عثمان – عليّ – الزبير – سعد – أبو عبيدة – طلحة – عبد الرحمن بن عوف – سعيد بن زيد، وهذا الخبر ورد في كتب التراث الديني، ولكن أحداث «الفتن الكبرى» تكذبه!!

* حقيقة الإسلام: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ» – «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ»، والمرجع الوحيد لبيان حقيقة «الإسلام» هو كتاب الله: «أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا»!!

 

رابط المقال:
https://www.feqhelquran.com/…/20157131222516Mq_201507146_1.c…

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى