نحو إسلام الرسول

(351) 24/6/2015 (عندما تكون «الفرقة الناجية» خلية نائمة)

لم يتعلم المسلمون الدرس، بعد أحداث «الفتن الكبرى»، وظلوا يسفكون دماء بعضهم البعض، بسبب انتماءاتهم العقدية، حتى لا تحكم البلاد بعقيدة غير التي عليها الطائفة المنتصرة، وهم بذلك قد أعطوا ظهورهم لتحذير الله لهم من الشرك، إن هم تفرقوا في الدين!!

لقد أصبح المسلمون على شفا حفرة من النار، بعد أن أنقذهم الله منها، وقت أن كانوا معتصمين بحبل الله جميعا، أمة واحدة، لقد تمزقت أوصالهم، وأصبحوا فرقا وجماعات، تدعى كل طائفة أنها المتبعة لكتاب الله وسنة رسوله، وتعتبر المخالف لمذهبها العقدى حلال الدم!!

لقد امتدت أزمة «التخاصم والتكفير» بين المسلمين، وتشعبت جذورها وتفرعت، حتى وصلت اليوم إلي قلب كل مسلم ينتمي إلى مذهب آبائه الديني، العقدي أو التشريعي، الإرهابي وغير الإرهابي، ويعتبر أن مذهبه هو مذهب «الأمة الإسلامية»، وأنه المتحدث الرسمي باسم «الإسلام»!!

لقد شهد تاريخ الصراع المذهبي بين المسلمين، منذ أحداث «الفتن الكبرى» وإلى اليوم، أن القلوب «المسالمة»، التي تشربت أزمة «التخاصم والتكفير»، تتحول إلى قلوب «عدوانية»، عندما تشتعل نار الفتنة المذهبية بين المسلمين، وعندها لن تكون هناك حرمة للدماء!!

لقد شهد تاريخ الصراع المذهبي بين المسلمين، أن أزمة «التخاصم والتكفير»، وما تسفر عنه من تصرفات عدوانية تجاه الآخر، تظل كامنة «خلية نائمة»، حتى يأتي وقت اشتعالها، الأمر الذي يجب أن نراه ببصائرنا، قبل أن نشاهده بأبصارنا!!

فهل كان يُتصور، أن يأتي يوم على العراق، تُهدم فيه بيوت بأكملها، امتزجت فيها دماء الأولاد بمذهبي السنة والشيعة، واستمروا يعيشون في سكن الزوجية في سلام، سنوات وسنوات، حتى اشتعلت «الخلية النائمة»، فهُدمت البيوت؟!

وهل كان يُتصور، أن يأتي يوم في مصر، تتحالف فيه المؤسسات الدينية المختلفة، الرسمية والأهلية، مع نظام جاء إلي سدة الحكم، على أكتاف عاطفة الشعب الدينية، في الوقت الذي يشهد تاريخه، أنه يسعى إلى إقامة دولة الخلافة، على أساس توجهه العقدي، وإن طال الزمن؟!

لماذا لم يتعلم النظام الحاكم في مصر الدرس، بعد أن تبين له حجم الدمار الذي كان ينتظر البلاد والعباد، وراح يسمح لأنصار دولة الخلافة، أن يعيدوا ترتيب أوراقهم من جديد، ليعيدوا الكرة مرة أخرى، تحت رعاية مؤسسات الدولة الدينية؟!!

إنني لا أتحدث عن أزمة يراها كل من له عين يبصر بها، وإنما أتحدث عن جذور أزمة تأصلت في قلوب أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، جيلا بعد جيل، ولا يراها إلا من نظر إلى حال المسلمين بعين البصيرة، ليقف على جذور هذه الأزمة، التي تظل «خلايا نائمة»، تلبس ثوب «التقية»، إلى أن يأتي الوقت الذي تثور فيه!!

ولكن هل تعلم، أن أصل هذه الأزمة، هو إيمان كل طائفة، أنها هي «الفرقة الناجية» التي بشرها النبي بدخول الجنة، وأن ما دونها في النار؟!

إن من الروايات المنسوبة إلى النبي، عليه السلام، والتي أصبح يحفظها الصغير قبل الكبير، رواية تقول: «تفرّقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وتفترق أمّتي على ثلاث وسبعين فرقة!! وزيد في رواية أخرى: «كلهم في النار إلا ملّة واحدة»، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟! قال: ما أنا عليه وأصحابي»!!

وعلى الرغم من أن بعض أئمة السلف يرى أن في أسانيد هذه الرواية ضعف، إلا أنهم اعتبروها أصلا من أصول الدين، فيقول ابن تيمية: «وبهذا يتبين أن أحق الناس بأن تكون هي «الفرقة الناجية»، هم أهل (الحديث والسنة)، الذين ليس لهم متبوع يتعصبون له إلا رسول الله، وهم أعلم الناس بأقواله وأحواله، وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها»!! [مجموع الفتاوى – عبد القاهر البغدادي/ الفرق بين الفرق]

تدبر قول ابن تيمية، وهو يصف المحدثين فيقول: «وأعظمهم تمييزا بين صحيحها وسقيمها»!!
فإذا أخذنا بهذا الميزان، الذي يُميّز به الفرقة الناجية عن غيرها، ووزنا به المحدثين من الفرق الإسلامية الأخرى، التي ذكرها شيخ أهل السنة والجماعة، الإمام الأشعري (ت٣٣٠هـ) في كتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين» لوجدنا كل هذه الفرق ناجية، لأن الآليات التي تُميّز صحيح الحديث من سقيمه، كلها وجهات نظر!!

فما هي هذه الفرق، التي ذكرها الإمام الأشعري في كتابه «مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين»، والتي تعتبر كل فرقة منها أنها «الفرقة الناجية»؟!

يقول: «اختلف الناس بعد نبيهم، صلى الله عليه وسلم، في أشياء كثيرة، ضلل فيها بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين»!!

ثم قسم فرق المسلمين إلى: الشيعة، الخوارج، المرجئة، المعتزلة، الجهمية، الضرارية، الحسينية، البكرية، العامة، أصحاب الحديث، الكلابية!!

وقسم الشيعة ثلاثة أصناف، وما تفرع عنها من طوائف، وذكر ذلك في (٨٩ صفحة)!!

ثم تكلم بعدها في عشرات الصفحات عن طائفة الخوارج وأصنافهم، ثم تحدث عن فرق المرجئة، وهم اثنتا عشرة فرقة، وبعد ذلك تحدث عن المعتزلة وفرقها، وعن الجهمية والضرارية والبكرية، والحسينية، والعامة …ثم تكلم عن «أهل السنة والجماعة»!!

كان هذا هو حال المسلمين حتى منتصف القرن الرابع الهجري، ونحن اليوم في القرن الخامس عشر الهجري…، أي أن المذهب العقدي والتشريعي الذي تنتمي إليه مؤسسة الأزهر، والذي هو المذهب الأشعري، يرجع إلى القرن الرابع الهجري، وليس إلى ما كان عليه الرسول وصحبه، ولا الخلفاء الراشدون!!

وهنا تكمن الأزمة…، لأنه سيخرج علينا من يقول: إن الأشعري لم يأت بمذهبه من عنده، وإنما هو متبع لما كان عليه الرسول وصحبه والخلفاء الراشدون، وهو (الإسلام الوسط)!!

فهل لا يعلم هؤلاء، أن جميع الفرق التي وصفها الأشعري بالإسلامية، تقول إنها تتمسك بما كان عليه الرسول وصحبه؟!! وهل يعلم الذين يتحدثون عن (الإسلام الوسط)، وعن (الأمة الوسط)، ما هو (الإسلام)، وأين هي (الأمة الوسط)؟!

وهل عندما قال الله تعالى: «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً»، كان المقصود بهذه الأمة (أهل السنة والجماعة)؟! أم المذهب (الأشعري)؟!

هل كان المقصود (الجماعة السلفية) بمساجدها، أم (الجماعة الإسلامية) بمساجدها، أم (أنصار السنة) بمساجدها، أم (الجمعية الشرعية) بمساجدها…، إلى آخر الفرق والطوائف التي ذكرها الإمام الأشعري؟!

هل عندما يرفع أنصار (الفُرقة والمذهبية) سلاح (إجماع الأمة) في وجه المخالف لهم، فماذا يقصدون بكلمة الأمة؟!! هل يقصدون الأمة التي لا وجود لها، أم أمة مذاهبهم العقدية والتشريعية؟!

وإذا كان رسول الله، وهو إمام «الأمة الوسط»، قد شهد على معاصريه، ثم شهد صحابته على معاصريهم، وشهد التابعون…، وكان من المفترض أن تتحرك الشهادة على مر العصور، والمسلمون أمة واحدة، فأين هذه الأمة اليوم؟!

وإذا كان تقصير علماء الفرق والمذاهب المختلفة، في تحمل مسئولية الشهادة على الناس، أمة واحدة، يعتبر معصية لله ورسوله، فيجب أن يكون أول عمل يشغلهم، هو الاستغفار والتوبة والإنابة إلى الله، وذلك بسبب مخالفتهم لـ «السنة النبوية” الكبرى، سنة النبي في الشهادة على الناس!!

إن سفك دم امرئ بغير حق، مهما كانت ملته، ومهما كان توجهه السياسى، عظيم عند الله تعالى، فإذا كان هناك من لا يبالون بعظم هذه الكبيرة، فسفكوا الدماء بغير حق، فعلى النظام الحاكم أن يقتلع الجذور العقدية والتشريعية، التي قامت عليها هذه «الفرق الناجية»، والتي تدفع أتباع كل فرقة إلى تفجير أنفسهم، وسط عشرات الأبرياء، من الفرق الأخرى، وقتل جنود أبرياء، عملهم هو حماية مؤسسات الدولة؟!

إن قتل الإرهابيين لن يقتل الفكر الإرهابي، وعندما نطالب بثورة على الإرهاب، يجب أن نعلم أن هذه الثورة، يجب أن تكون في المقام الأول، ثورة على الأفكار وليس على الأبدان، وعلى جذور المذهبية وليس على ما عُلم منها بالضرورة، وعلى تصحيح مفهوم ثوابت «الدين الإلهي»، وليس ثوابت «الدين المذهبي»!!

إن أزمة التفرق والتخاصم في الدين، بين طوائف المسلمين، متصلة الحلقات، ولن تنفك بالمناورات السياسية، ولا بمبدأ «التقية»، الذي تحاول معظم هذه الطوائف الدينية التجمل به، لإعطاء صورة مشرقة أمام الناس، لتحظى برضاهم وتأييدهم، في الانتخابات البرلمانية القادمة!!

إن المسلمين أمام خطر محو هويتهم، ولن ينجوا من هذا الخطر، إلا إذا خلعوا ثوب الفُرقة والمذهبية التخاصمية التكفيرية، فلن ينفعهم يوم القيامة مذهب آبائهم السني أو الشيعي أو المعتزلي أو الخارجي، وما تفرع عن كل فرقة من هذه الفرق من طوائف متصارعة…، فالسفينة إذا غرقت ستغرق بمن عليها!!

«وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ – فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى