نحو إسلام الرسول

(346) 7/6/2015 (عندما تصبح ثوابت الدين الإلهي، ثوابت (مذهبية)

عندما أرفض أن يكون (التراث الديني)، للفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة، حاملا لنصوص مصدر تشريعي إلهي، وسمه أئمة السلف باسم «السنة النبوية»، ليتخذ قدسية في قلوب أتباعهم، فهذا لا يعني أني أرفض حياة النبي، وأنه كان يتحرك بين الناس، وكان يعاتبه الله ويصصح له…، هذه الحياة التي ينطق بها القرآن ليل نهار!!

وعندما أرفض أن يكون التراث الديني (المذهبي)، مرجعا لثوابت (الدين الإلهي)، ولما هو «معلوم من الدين بالضرورة»، ولـ «ازدراء الأديان»…، فذلك لأن المسلمين تفرقوا (في الدين)، وأصبحوا شيعا وأحزابا دينية، رغم أن الله أمرهم بـ (الاعتصام)، وحذرهم من (التفرق)، فقال تعالى:

«وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ»

إذن، فأين هذا الدين الذي يكفر من ينكر (ثوابته)، ويُسجن ويُتهم الردة، ويقتل…، بعد أن أصبح لكل فرقة من الفرق الإسلامية، بل ولكل مذهب من مذاهب الفرقة الواحدة، مرجعية دينية خاصة بها، ومصدر تشريعي يرون أنه الذي حمل أحكام (الدين الحق) واجبة الاتباع؟!

لقد أصبحت (المرجعيات السلفية)، مصدرا رئيسا لأحكام الشريعة الإسلامية، وأصبح (أئمة السلف) هم النماذج التي يجب التأسي بها، وأصبح (أتباع) أئمة السلف، لكل فرقة من الفرق الإسلامية، هم أتباع (السلف الصالح)…، إذن فمن هم (السلف الصالح)؟!!

هل هم رسول الله وصحبه؟! أم هم بعد إضافة الخلفاء الراشدين؟! أم بعد إضافة التابعين وتابعي التابعين؟! أم هم أئمة مذاهب (أهل السنة)؟! أم (الشيعة)؟!، أم (المعتزلة)…؟!
ثم من هم (أهل السنة)؟!

إذا أردت أن تقف على حجم مأساة أزمة التفرق و(التخاصم المذهبي)، فاكتب في محرك البحث، على شبكة الإنترنت، جملة مذاهب أهل السنة، وستظهر لك عدة صفحات، منها سؤال على موقع [الإسلام سؤال وجواب /- الشيخ محمد صالح المنجد]، يقول: ما الفرق بين أهل السنة والجماعة، والمذاهب الأخرى (مثل الشافعية والمالكية .. إلخ)؟!

الجواب: «أهل السنة والجماعة، لا يقابلهم المالكية والشافعية والحنابلة وأمثالهم، بل يقابلهم أهل البدع والضلال في الاعتقاد والمنهج، كالأشعرية والمعتزلة والمرجئة والصوفية وأشباههم»، انتهى!!

إن القول بأن (الأشاعرة) ليسوا من (أهل السنة)، هو قول (الحنابلة وأهل الحديث)، فتعالوا نلقي بعض الضوء، على الصراع المذهبي، بين (الأشعرية)، و(الحنابلة وأهل الحديث)، لنجيب على سؤال: هل (ثوابت الدين الإلهي) يمكن أن تكون (مذهبية)، وهل ما يحدث اليوم من تخاصم بين مؤسسة الأزهر والجماعات السلفية ليس وليد اليوم؟!

يقول شيخ أهل السنة والجماعة، (هكذا هو لقبه)، أبو الحسن الأشعري، توفي [٣٢٤ أو ٣٣٠هـ] في كتابه: (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين):

“اختلف الناس بعد نبيهم في أشياء كثيرة، ضلل فيها بعضهم بعضا، وبرئ بعضهم من بعض، فصاروا فرقا متباينين، وأحزابا متشتتين….»، ثم ذكر أن هذه الفرق عشرة أصناف: الشيع، والخوارج، والمرجئة، و(المعتزلة)، والجهمية، والضرارية، والحسينية، والبكرية، والعامة، وأصحاب الحديث، والكلابية أصحاب عبد الله بن كلاب القطان…» …. ثم ذكر عشرات المذاهب، (العقدية والتشريعية)، التي تفرعت عن كل فرقة من هذه الفرق!!

ويقول في كتابه «الإبانة عن أصول الديانة»، فصل في إبانة قول أهل الحق و(السنة)، عن مصادر التشريع فيقول:

إن قال لنا قائل: «قد أنكرتم قول (المعتزلة) والقدرية والجهمية والحرورية والرافعة والمرجئة، فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون!!

قيل له: قولنا الذي نقول به، وديانتنا التي ندين بها، التمسك بكتاب الله عز وجل، وبسنة نبينا محمد، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون»!!

أقول: هذا هو حال (أئمة السلف)، حتى الربع الأول من القرن الرابع الهجري، فكل فرقة تقول: التمسك بكتاب الله، وبسنة رسوله، وما روى عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث…، ثم إذا هم يختلفون في مرويات السنة، وفي عدالة الصحابة، وفي حجية قول التابعي، وفي جرح وعدالة أئمة الحديث….، فهل هذه الصراعات المذهبية التخاصمية، وما ترتب عليها من فتاوى وأحكام…، يمكن أن تكون من (ثوابت الدين الإلهي)؟!!

انظر إلى ما حدث من تخاصم، وتقاتل، وتكفير…، بين (الحنابلة وأهل الحديث)، و(الأشاعرة)، عام (٤٤٧هـ)، وقد كان سبب التقاتل، الخلاف حول مسألة (الجهر بالبسملة في الصلاة)!!

لقد توجه (الحنابلة) إلى أحد مساجد (الأشاعرة)، ونهوا إمامه عن (الجهر بالبسملة)، وتطور النزاع حول هذه المسألة الفقهية (الفرعية) إلى الاقتتال، وكان جانب الحنابلة هو الأقوي، فالتزم (الأشاعرة) البيوت، ولم يخرجوا لحضور صلاة الجمعة، ولا الجماعات، خوفا من الحنابلة. (ابن الجوزي/ المنتظم، ابن الأثير/ الكامل، ابن كثير/ البداية والنهاية)!!

ولم يكن (الحنابلة وأهل الحديث)، قبل عام (٤٦٩هـــ)، يُمكّنون (الأشاعرة) من إظهار مذهبهم على رؤوس الأشهاد، فلما جاء ابن القشيري (ت٥١٤ه)، وذم (الحنابلة) ووصفهم بالتجسيم، حدثت معارك دموية بين (الحنابلة) و(الأشاعرة)، قُتل فيها نحو عشرين شخصا من الجانبين، وجُرح آخرون، وكانت هي الأخطر، منذ نشوب الصراع العقدي بين مذاهب (أهل السنة)!! [ابن أبي يعلى/ طبقات الحنابلة]

لقد نص الدستور المصري، في مادته الثانية، على أن: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع، والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسيرها»!!

إننا عندما نقول: إن «مبادئ الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريع»، ثم نتبع ذلك بقولنا: «والأزهر الشريف هو المرجعية النهائية في تفسيرها»، فإن هذا يعني، أن دور الأزهر هو حماية هذه المبادئ، وشرحها وتدريسها في جميع المؤسسات التعليمية، ونشرها عبر جميع وسائل الإعلام، حتى ننتزع من قلوب المسلمين، هذا التخاصم، وهذا التطرف الديني، الذي زرعته «المذهبية»، و«السلفية»، ومازالت تحرسه وتدافع عنه إلى يومنا هذا!!

لقد عرفت كل الرسالات الإلهية (مبادئ) الشريعة، فهي قوانين إلهية، وليست بشرية، بداية بالوحدانية، النبوات، الحق والعدل، حفظ النفس والمال، حرية الفكر، كرامة الإنسان، السلام ونبذ العنف….، أما المذاهب (السلفية)، فاجتهادات بشرية، قام بها (أئمة السلف)، حسب توجهاتهم (العقدية والتشريعية)!!

وإن ما أراه مخالفا لدور الأزهر الدستوري، هو ما صرح به فضيلة الدكتور محمد الطيب، شيخ الأزهر، خلال الندوة التحضيرية لمؤتمر التجديد فى الفكر والعلوم الإسلامية، حيث قال:

«إن اتخاذ المذهب الأشعري لا يعني التعصب لمذهب محدد، لكننا وجدنا به انعكاسا صادقا وأمينا لما كان عليه رسول الله والصحابة، فضلا عن أن هذا المذهب ليس محدثا وجديدا كمذهب الاعتزال، الذى يسهل الباحث فيه أن يعثر على نصوص تصطدم بنصوص السنة، فى مقابل ذلك نجد فى الأشعري نصوصا تستقيم مع العقل والمنطق»!!

فهل ما ذكره شيخ الأزهر، في حديثه عن أزمة التخاصم العقدي، بين (الأشعرية) و(المعتزلة)، يعتبر تفسيرا لمبادئ الشريعة الإسلامية، حسب ما ورد في الدستور؟!

إنه على الرغم من قول شيخ الأزهر: «إن اتخاذ المذهب الأشعري لا يعني التعصب لمذهب محدد» إلا أننا نجده قد تحيز إلى ( المذهب الأشعري) فقال: «لكننا وجدنا به انعكاسا صادقا وأمينا لما كان عليه رسول الله والصحابة»!!

إن كل فرقة، من الفرق الإسلامية، ترى أن (نصوص السنة)، التي صحت عندها، هي انعكاس صادق وأمين لما كان عليه (رسول الله والصحابة)، وهذا ما أثبته فضيلته بقوله بعدها: «هذا المذهب ليس محدثا وجديدا كمذهب (الاعتزال)، الذى يسهل الباحث فيه أن يعثر على نصوص (تصطدم) بنصوص السنة»!!

إن كل فرقة تقول إن نصوص الفرق الأخرى، (تصطدم) بنصوص السنة، ذلك لأن الأزمة الكبرى، التي يعجز (علماء الحديث)، عند أية فرقة، أن يجدوا لها حلا، هي أزمة (الجرح والتعديل)، هذا العلم الذي قام على مذاهب أصحابه (العقدية والتشريعية)، المختلفة!!

إن الجماعات السلفية، (الحنابلة وأهل الحديث والوهابية)، والتي ترفع اليوم راية التمسك بالكتاب والسنة، تختلف اختلافا جذريا مع (المذهب الأشعري)، قد يصل إلى التضليل والتكفير..، استنادا إلى (نصوص السنة) التي صحت عندها!!

إن القاضي عندما يحكم في قضية، استنادا إلى المادة الثانية من الدستور، وتكون جريمة المتهم هي إنكار (ثوابت الدين)، وما هو (معلوم من الدين بالضرورة)،…، فإنه لن يخرج، في بحثه عن صحة هذا الاتهام، عن النظر في (مبادئ الشريعة الإسلامية)، التي يعلمها، ويعلمها المتهم قبل مثوله أمام القضاء، بل ويجب أن يعلمها الصغير قبل الكبير!!

إن دور الأزهر الرائد، بمؤسساته المختلفة، هو تفعيل مبادئ الشريعة بين الناس، استنادا إلى الدستور، وليس تفعيل أزمة التخاصم المذهبي، بين الفرق والمذاهب الإسلامية، علما بأن وصف هذه الفرق بـ (إسلامية)، قد أجمعت عليه جميع أمهات كتب الملل والنحل!!

«وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ» – «فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُرًا ۖ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»

معلومات:

* السلفية: هم أتباع أحمد بن حنبل، وابن تيمية، ومحمد بن عبد الوهاب، الذين بدأ ظهورهم في القرن الرابع الهجري، وكانوا من الحنابلة، وزعموا أنَّ أحمد بن حنبل، هو الذي أحيا عقيدة السلف وحارب دونها!!

* الأشاعرة: هم الذين ينتمون إلى المذهب الأشعري، الذي أسسه أبو الحسن الأشعري، الذي أمضى فترة طويلة من حياته معتزليا، ثم تاب عن الاعتزال، وأعلن توبته أمام الملأ بالبصرة، (٣٠٠هـ)، وانفرد بمذهبه.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى