هناك من يدّعون أن كلمة (الفرقان)، تنقسم من حيث المعنى، إلى فرقان (عام) وفرقان (خاص)!!
وأن (الفرقان العام)، هو (الوصايا العشر) التي أنزلها الله على موسى، وورد ذكرها في الآيات (١٥١-١٥٣) من سورة الأنعام، وهي ما يجب على الناس الإلتزام، ليصبحوا من (المتقين) ويدخلوا الجنة بسلام!!
أما (الفرقان الخاص)، فهو الذي ورد في الآيات (٦٣-٧٤) من سورة الفرقان، وليس مما يجب على الناس جميعا اتباعه، وإنما هو على سبيل الاستحسان، ومن اتبعه يكون (إماما للمتقين)!!
ولكنهم عندما وجدوا أن (الفرقان العام)، الواجب على الناس جميعا اتباعه، لا يتضمن الفرائض الرئيسة في منظومة الشريعة القرآنية، ومنها الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج..، ووجدوا أن هذه الفرئض، لا تخرج عن منظومة (التقوى)…، ذهبوا إلى تقسيم (التقوى) إلى ثلاثة أنواع، حتى يضعوا كل نوع في السياق الذي يخدم هواهم، وهي:
١- التقوى الفردية / ٢- التقوى الاجتماعية / ٣- التقوى التشريعية
هذه (عينة)، من المناهج الفكرية العشوائية، التي تنحرف بأتباعها عن المنهجية العلمية لتدبر القرآن، استنادا إلى منهج أصحابها (التجميعي)، الذي يقوم على قاعدة (القص واللصق)، وليس على المنهج (التحليلي)، الذي يقوم على تفعيل آليات التفكر والتعقل والتدبر….، آليات عمل القلب!!
فأقول، باختصار:
إن الفرقان، والحكمة، والنور، والضياء، والميزان..، كلها (صفات بيان) للكتاب، وليست في ذاتها كتابا، ولا بعض آياته، يقول الله تعالى في سورة البقرة (٥٣):
«وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ»
ويقول تعالى في سورة الأنبياء (٤٨):
«وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ»
ومعلوم أن (هارون) كان مصاحبا لموسى، ولم يتلق وحيا خاصا به، اسمه (الفرقان)، وإنما مجموع ما أوتيه موسى وهارون، في مواجهة فرعون، هو الكتاب (التوراة)، و(الفرقان)، أي (الآيات البينات)، التي تفرق بين الحق والباطل، والدالة على أن موسى رسول الله!!
إن (الفرقان)، في اللسان العربي، مصدر بوزن فعلان، وهو مشتق من (الفرق)، ويستخدم في السياق القرآني، للتمييز بين الحق والباطل، يقول الله تعالى في سورة الأنفال (٤١):
«…. إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ – وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا – يَوْمَ الْفُرْقَانِ – يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ»
إن الذي أنزله الله على محمد، عليه السلام، هو القرآن، و(يوم الفرقان) هو يوم انتصار الحق على الباطل، (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ)!!
كما تأتي كلمة (الفرقان) صفة بيان للكتاب، وليست هي الكتاب، ولا بعض آياته، يقول الله تعالى في سورة البقرة (١٥٨):
«شَهْرُ رَمَضَانَ – الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ – (هُدًى) لِّلنَّاسِ – وَ(بَيِّنَاتٍ) مِّنَ (الْهُدَىٰ) وَ(الْفُرْقَانِ )»
فالقرآن كتاب هداية، ولابد أن يحمل للناس (البينات)، أي البراهين الدالة على أنه من عند الله، وهذه (البينات) تهدي الناس إلى (الفرقان)، أي إلى التفريق بين الحق والباطل.
ولذلك وصف الله تعالى (القرآن) بـ (الفرقان)، وأنزل سورة باسمه، فقال تعالى:
«تَبَارَكَ الَّذِي (نَزَّلَ الْفُرْقَانَ) عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ (نَذِيراً)»
ولا يوجد دليل في هذا (القرآن)، يثبت أن (الفرقان)، هو الآيات (١٥١-١٥٣) من سورة الأنعام، التي يدّعون أنها (الوصايا العشر)، التي أنزلها الله على موسى!!
لقد ذكر الله تعالى، في نفس السورة، أن (الفرقان)، هو وصف بيان لـ (القرآن)، وليس لبعض آياته، فقال تعالى (الآية ٤):
«وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا – إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ – وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ»
إن اسم الإشارة، في قوله تعالى: (إِنْ هَذَا) يعود إلى (الفرقان) المشار إليه في أول السورة، ولا يُعقل أن يكون اتهام المشركين للنبي، يتعلق فقط بجزء من القرآن، هو آيات سورة الأنعام!!
وعندما اتهموا الرسول، بأن هناك من يُملي عليه (أساطير الأولين)، يستحيل أن يكون هذا الاتهام موجه فقط للآيات (١٥١-١٥٣) من سورة الأنعام، أى للوصايا العشر، فتدبر (الآية ٥):
«وَقَالُوا (أَسَاطِيرُ) الأَوَّلِينَ – (اكْتَتَبَهَا) – (فَهِيَ) تُمْلَى عَلَيْهِ – بُكْرَةً وَأَصِيلاً»
ثم تدبر قوله تعالى بعدها (الآية ٦):
«قُلْ (أَنزَلَهُ) الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ»
فهل يُعقل، أن يكون (الفرقان) المنزل، «لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً»، هو (الوصايا العشر)، التي وردت في آيات سورة الأنعام؟!!
لقد أيد الله جميع الرسل بـ (الآيات البيّنات)، التي تفرق بين الحق والباطل، أى أيدهم بـ (الفرقان) الدال على صدق بلاغهم عن الله، فقال تعالى في سورة آل عمران (٣-٤):
«نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ – مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ – وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ – والإِنْجِيلَ» – «مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ – وَأَنْزَلَ (الْفُرْقَانَ) – إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ..»
لقد أنزل الله على محمد، (القرآن)، وعلى موسى (التوراة)، وعلى عيسى (الإنجيل)، وبدون تأييدهم بالحجج والآيات البينات، الدالة على صدق بلاغهم عن الله، لا تكون هناك فاعلية للرسالات، وهذا هو (الفرقان)، الذي أنزله عليهم!!
وكذلك، أنزل الله (الميزان)، وهو أيضا صفة بيان للكتاب، ليقوم الناس بالقسط، فقال تعالى:
«لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ (الْكِتَابَ) و(الْمِيزَانَ) لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ»
إذن فما الفرق بين (الفرقان) المنزل، و(الميزان) المنزل، و(الحكمة) المنزلة، و(النور) المنزل…، ولماذا لا تكون كل هذه الصفات البيانية للكتاب، هي (الوصايا العشر)، يا أولي الألباب؟!
(يتبع)