نحو إسلام الرسول

(329) 1/5/2015 (هل رواة الحديث، هم الذين حفظوا القرآن؟!)

هل ترك الله (القرآن) للصحابة، يحفظونه، فاختلفوا فيه، حتى جاء الخليفة الثالث عثمان بن عفان (ت ٣٥ هـ)، فجمعهم على مصحف واحد، وحرق كل النسخ التي كان حولها خلاف؟!

وإذا كان الأمر كذلك، فمن الذي نشر ما كان بين الصحابة من خلاف حول آيات الكتاب، حتى وصلت إلى عصر التدوين، فدوّنها المفسرون والمحدثون في أمهات الكتب، حسب توجهاتهم العقدية والتشريعية، لتصل إلينا اليوم على هذا الحال المأسوي؟!

إن (القرآن) بريء من كل ما دونه المفسرون والمحدثون من مرويات، سواء كانت عن (جمع القرآن)، أو عن غيره، وبرهان ذلك، أن الله تعالى لو أسند جمع القرآن للصحابة، لوصل إلينا روايات مذهبية، كما وصلت مرويات المحدثين، كلٌ حسب مدارسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، وهي مسألة لا خلاف عليها بين أهل البصيرة!!

وانظر وتدبر، ماذا قال الله تعالى عن قضية (جمع القران):

«لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ» – «إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ»!!

إن قضية (جمع القرآن)، فتنة كبرى، أشعلها المحدثون، خاصة أتباع السنة والشيعة، فالسنة يتهمون الشيعة بتحريف القرآن، وأن عندهم قرآنا غير القرآن الموجود بين أيدي المسلمين، والشيعة يتهمون السنة بتحريف القرآن، والتقول على الله بغير علم!!

ومن (المرويات)، التي يتهم فيها الشيعة السنة بتحريف القرآن، ما رواه البخارى في صحيحه، (4944)، حيث قال:

(حدثنا عمر، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن إبراهيم، قال: قدم أصحاب عبد الله على أبي الدرداء فطلبهم فوجدهم، فقال أيكم يقرآ عليَّ قراءة عبد الله؟! قال: كلنا، قال فأيكم أحفظ؟! فأشار إلى علقمة قال: كيف سمعته يقرأ «والليل إذا يغشى»؟! قال علقمة: «والذكر والأنثى»، قال أشهد أني سمعت النبي يقرأ هكذا، وهؤلاء يريدونني على أن أقرأ: «وما خلق الذكر والأنثى»، والله لا أتابعهم)!!

إن معظم (مرويات) الفرق المختلفة، حول (جمع القرآن)، تطعن في حفظ الله للقرآن، فماذا لو أن الله تعالى أسند مهمة حفظ القرآن للصحابة، كلٌ حسب إمكاناته الثقافية والمعرفية!!

تعالوا إلى إشكالات رواية البخاري، وهي كثيرة، لذلك سأذكر بعضها:

أولا: اختلاف الصحابة حول صحة آية في كتاب الله!!

ثانيا: يُقسم أحد الصحابة بالله، أن رسول الله علمه الآية، الموجودة في المصحف اليوم، في سورة الليل، وهي: «وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى»، علمه إياها هكذا: «وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى»، بدون جملة «مَا خَلَقَ»!!

ثالثا: يصر فريق من الصحابة، أن الآية التي بها جملة «مَا خَلَقَ»، هي الصحيحة!!

رابعا: إن هذا الخلاف حدث بعد وفاة النبي، ولم يحدث في «عصر التنزيل»، وهذا معناه أن (النبي) تُوفي، ولم يكن (القرآن) كتابا، والله تعالى بيّن في أول سورة البقرة، أن الآيات القرآنية التي كانت تتنزل على رسول الله، ستؤول في النهاية إلى كتاب قبل وفاته، وهذا ما يُفهم من وجود اسم الإشارة (ذلك)، فقال تعالى: «ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ»!!

فهل يُعقل، أن يتوفى رسول الله، ولم يكن كتاب الله قد جُمع، انتظارا للجمع الأخير، الذي قام به الخليفة الثالث عثمان بن عفان؟!

سادسا: إن حذف جملة «مَا خَلَقَ» من الآية، ليس قراءةً من (القراءات)، كما قد يدعي البعض، لأنه على فرض أنها كانت من (القراءات)، ما حدث حولها خلاف بين الصحابة!!

سابعا: إذا كانت مشكلة المصاحف المختلفة، والقراءات المتعددة، والآيات التي زيدت ونقصت من كتاب الله..، هذه الإشكالات التي تدّعي كتب (علوم القرآن) أنها كانت منشرة بين الصحابة، إذا كانت قد انتهت بالجمع الأخير، فما سر تداول الصحابة لها بعد ذلك، ثم كيف يقوم المحدثون بتدوينها في أمهات الكتب، وهي تهدم ما قام به الخليفة الثالث؟!

لقد حملت أمهات كتب (علوم القرآن)، عشرات الروايات التي تطعن في صحة نسبة القرآن إلى الله تعالى، والتي لم يستطع أحد من المحدثين حذفها، خشية المساس بحجية جميع (المرويات) المنسوبة إلى النبي، فما علاقة حجية هذه (المرويات) بحجية (القران)؟!

لقد ابتدع المحدثون قاعدة، تعطي شرعية لمروياتهم، فقالوا: إن الذين حفظوا (القرآن)، ونقلوه إلينا، هم الذين حفظوا (الحديث) ونقلوه إلينا!!

ثم قالوا: إن هذا القرآن، نُقل إلينا بالرواية، تماما كما نُقلت مرويات الحديث، فإذا شككنا في رواية الحديث، شككنا في رواية القرآن!!

ثم وضعوا على هذا الأساس قاعدة أخرى تقول: إن حجية (القرآن) ثبتت بالرواية، كما أن حجية (الحديث) ثبتت بالرواية!!

ثم خرجوا بنتيجة: إن التشكيك في (حجية الحديث)، يعد تشكيكا في (حجية القرآن)!!
إن هذه المصيبة الكبرى، التي حلت بالفكر الإسلامي، ظهرت بعد تفرق المسلمين إلى فرق عقدية وتشريعية، وبعد أن هجرت قلوبهم كتاب الله، هذا الذكر الحكيم، الذي بيّن للناس جميعا ما يلي:

أولا: أن حفظ (الذكر) ليس معناه حفظ أوراق المصحف من أن يمسّها أحد بسوء، أو حفظ سور القرآن من أن يقلدها أحد، ويكتب سورا مشابهة لها!!

لقد حرق أعداء (الإسلام) المصاحف، وكتبوا جملا يحاكون فيها الجمل القرآنية، وأطلقوا على كتاب من كتبهم اسم (الفرقان الحق)…، فهل شلّ الله أيديهم؟! هل خسف الله بهم الأرض؟! إن كتاب (الفرقان الحق)، موجود على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى يومنا هذا!!

ثانيا: إن الله تعالى عندما طلب من أهل اللسان العربي أن يأتوا بمثل سور القرآن، ولم يستطيعوا، لم يكن ذلك بسبب عدم قدرتهم على تقيلد الجمل القرآنية، وإعادة صياغتها بأسلوبهم الخاص، كما فعل أصحاب (الفرقان الحق)!!

إن السبب: أنهم يعلمون، أن المطلوب ليس فقط تقليد الجمل، وإنما أن يأتوا (بمثلها)، والمثلية هنا لا تشمل فقط الإتيان بمثل (الجملة القرآنية)، وإنما أيضا بمثل (الآية القرآنية)، والفرق كبير، بل لا وجه للمقارنة أصلا، لذلك قال تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا – وَلَنْ تَفْعَلُوا)!!

ثالثا: إن العلاقة بين (الرسول)، و(القرآن)، و(الكون)، منظومة متكاملة، يستحيل أن يخترقها إنس ولا جان، ومن الآيات القرآنية التي جاءت تبيّن هذه العلاقة، قوله تعالى:

«أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ، وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ، فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ»؟!

تدبر العلاقة بين الرسول (إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، والكون (مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ)، والقرآن (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ)!!

فهل يُعقل، أن يكون الذين نقلوا (حديث الله)، الذي تشهد له هذه المنظومة الكونية المحكمة، هم الذين نقلوا مرويات (المصدر الثاني للتشريع)، بمدارسه المذهبية المختلفة؟!

عندما طلب المكذبون برسالة النبي الخاتم محمد، عليه السلام، الآيات الحسية، نزل القرآن يبين لهم، أن هذا القرآن، قد حمل في ذاته، الآية الدالة على أنه من عند الله، فقال تعالى:

«وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ، قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ»

ثم تدبر ماذا قال الله بعدها:

«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ، أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى، لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»؟!

إن مسألة مساواة حجية (المرويات) بحجية (القرآن)، لإعطاء قدسية لهذه (المرويات)، على مستوى الفرق الإسلامية المختلفة، بدعوى أن العامل المشترك بينهما، هو (السند الروائي)…، إنها مصيبة كبرى، في حق الدين الذي ارتضاه الله للناس جميعا، وقال عنه:

«وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً، (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ»

فأي إسلام سيقبله الله تعالى:

الإسلام الذي قام على مرويات (جمع القرآن)، حسب مرجعيات (أهل السنة)، أم حسب مرجعيات (الشيعة)؟!

أفلا يتدبرون .… أفلا يتفكرون …. أفلا يعقلون ….!!

محمد السعيد مشتهري

* علوم القرآن:
أنواع المعارف والعلوم المتصلة بالقرآن الكريم، سواء كانت خادمة له، أو دل القرآن على مسائلها وأحكامها، كعلم التفسير، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، والناسخ والمنسوخ…، ولكل فرقة من الفرق الإسلامية، العلوم الخاصة بها.
* المصدر الثاني للتشريع:
وحي ثان، يدّعي أئمة كل فرقة، أنه نزل ليفسر القرآن، ويستكمل أحكامه، فإذا نظرنآ إلى الروايات التي نسبها الرواة إلى النبي، على أساس أنها وحي من الله، وجدنا بينهم اختلافا كبيرا!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى