نحو إسلام الرسول

(323) 20/4/2015 (أزمة الأزهري – الجفري – البحيري)

إن الساحة التي انتصر فيها رسول الله على قومه، وأثبت فيها صدق نبوته، باعتباره «النبي» الخاتم، و«الرسول» المبلغ عن الله رسالته …، هي ساحة «الآية القرآنية»، التي لم يستطع الإنس والجن، أن يأتوا بمثل نصوصها، وهم أهل «اللسان العربي».

فهل يعقل، أن يقول «الرسول» لأهل «اللسان العربي»، المكذبين لدعوته، المتهمين له بالضلال: إن هذا القرآن، الذي لم تستطيعوا أن تأتوا بمثله، لن تستطيعوا أن تفهموا آياته، إلا إذا بيّنتها لكم بـ «سنتي»، وهي «الأحاديث»، التي أوحى الله إليّ بمعناها، أما لفظها فمن عندي؟!

وهل يعقل أن يأمر الله «رسوله» أن يبلغ مصدره الثاني للتشريع، المبيّن والمكمل لأحكام القرآن، ثم يترك نصوصه، لرواة الفرق والمذاهب المختلفة، يتعاملون معها كلٌ حسب مذهبه العقدي والتشريعي، لتصل إلى عصر التدوين، فيُدوّنها المحدثون، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف؟!

ثم هل يعقل، أن يكون (الدين الإسلامي)، الذي لن يقبل الله تعالى غيره، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ)، والذي ترك رسول الله صحابته عليه، قبل ظهور الفرق والمذاهب المختلفة، وقبل عصر تدوين أمهات كتب التفسير والحديث والفقه، الخاصة بكل فرقة من هذه الفرق…، هل يعقل أن يكون هذا الدين، هو فقط الدين الذي عليه أتباع فرقة (أهل السنة والجماعة)، الذي دار حول تراثها الديني، ومصدرها الثاني للتشريع، ما شاهدناه في (١٧-٤-٢٠١٥)، من حوار بين الأزهري والجفري والبحيري (ومعذرة لعدم استخدام الألقاب)؟!

إن (الأزهري والجفري والبحيري)، يبحرون جميعا، في مركب واحدة، ترفع راية التراث الديني لفرقة (أهل السنة والجماعة)، مع اختلاف بينهم، في كيفية التعامل مع نصوص هذا التراث، بالهدم، أو التنقية، أو التجديد…، وهكذا يفعل أتباع كل فرقة، من هذه الفرق التي لم يكن لها وجود مطلقا في حياة (النبي)، في الوقت الذي يّدعون فيه، أنهم يتبعون (السنة النبوية)؟!

إن (المنهج العلمي)، الذي ادّعى أطراف الحوار تمسكهم به، يفرض عليهم، وقبل الخوض في إشكالات التراث الديني، لفرقة (أهل السنة والجماعة)، أن يقولوا للناس (أولا)، ما هي الفرق الإسلامية، ومتى ظهرت، وموقف (أهل السنة) من الفرق الأخرى، وهل هي حقا (الفرقة الناجية)، وباقي الفرق في النار؟!

لماذا يشترط (المنهج العلمي) أن يبدأ الحوار، بـ (تحرير المصطلحات) أولا؟!

لأنني عندما أتكلم عن (الإسلام)، يجب أن أبيّن للناس، معنى (الإسلام) الذي أقصده، وهل هذا المعنى متفق عليه بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!

فإذا خالفتُ هذا المعنى، أثناء حديثي، أكون قد هدمت القواعد التي أقمت عليها فكري!!
وعندما أتكلم عن (السنة النبوية)، يجب أن أبيّن للناس، معني (السنة النبوية)، وهل هذا المعنى متفق عليه بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!

فإذا خالفت هذا المعنى، أثناء حديثي، أكون قد هدمت القواعد التي أقمت عليها فكري!!
وعندما أتكلم عن (المذاهب الفقهية) يجب أن أبيّن للناس، ماذا أقصد بـ (المذاهب الفقهية)، وما هي هذه المذاهب، وهل متفق عليها بين باقي الفرق الأخرى أم لا؟!!

والأهم من ذلك كله: هل (الإسلام) فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة؟! وهل قسم الرسول (سنته النبوية)، أجزاءً، فأعطى لكل فرقة جزءا؟!!

هكذا تبدأ الحوارات العلمية، بـ (تحرير المصطلحات)، حتى لا يحرث أطراف الحوار في الهواء، والضحية هو المشاهد، الذي قد لا يفقه شيئا عن إشكالات (علم الحديث)، ولا عن علم (الجرح والتعديل)، ولا عن تاريخ (المذاهب الفقهية)، وما حدث من أزمة التخاصم والتكفير بين أتباعها!!

إن هذا الحوار، لم يناقش (الدين الإسلامي)، الذي ارتضاه الله للناس جميعا، وإنما ناقش الدين الذي ارتضته فرقة (أهل السنة) لأتباعها، لذلك كان من الطبيعي، أن تحدث هذه الأخطاء العقدية والتشريعية، بين أطراف الحوار، التي سأشير إلى بعضها:

* الأزهري: «القضية أنه على مدى قرون، اهتدت الأمة الإسلامية، واهتدت المدارس العلمية، إلى مجموعة خطوات يستلهم فيها، ويراعى فيها، الأدوات العلمية المنقولة عن الجيل الذي قبله … إلى أدوات الفهم عن الصحابة، كما ورثهم إياها (النبي)..»!!

أقول: أطلق (الأزهري) مصطلح (الأمة الإسلامية) ولم يبيّن لنا، ماذا يقصد بـ (الأمة الإسلامية)، وأين هي هذه الأمة، التي نقلت مدارسها العلمية أدوات الفهم، جيلا عن جيل، وصولا إلى الصحابة، الذين ورثوا هذه الأدوات عن (النبي)؟!

يستحيل أن يقصد جميع الفرق والمذاهب الإسلامية الموجودة اليوم، لأن المدارس العلمية لهذه الفرق مختلفة في الأصول والفروع، وعلى رأسها مدارس (الشيعة)…، إذن فهو يقصد بـ (الأمة الإسلامية) فرقة (أهل السنة والجماعة)، وهذه وحدها تهدم مشروعه الفكري من قواعده، لأنه لا يعتبر باقي الفرق من (الأمة الإسلامية)، وإلا كان عليه أن يذكر (مثلا) موقفه من (الشيعة) من الناحية العقدية والتشريعية!!

فهل هذا هو (الدين الإسلامي) الذي كان عليه رسول الله وصحبه في عصر الرسالة؟!

* الجفري: قال في حلقة (١٦-٤-٢٠١٥): «حدث خلاف كبير بين العلماء في الشريعة، ونقد بعضهم بعضا، نقد حقيقي، بل نقد قوي، حاد، وصل إلى أن يأتي التلميذ فيستقل عن شيخه، بمذهب مختلف تماما عن مذهب شيخه»!!

وقال: «الذي حدث على مر العصور هو التالي: أثناء عملية التجديد، النقد، التنقية… اعتراها نوعان من الشوائب في بعض فتراتها …»، ثم قال، عند حديثه عن النوع الثاني، وهو استغلال الساسة لهذه الخلافات قال: «وهكذا تتسلسل، حتى في الدولة العباسية نفسها يأتي أحد خلفاؤهم أو ملوكهم يتنبى الفكر (المعتزلي)، ويجعله وسيلة لتأديب كل من يخالفه من علماء (أهل السنة)، ويُعذب في ذلك الإمام أحمد بن حنبل، ويُعذب ويُعلق ويجلد..، حتى يسيل الدم من ظهره ومن بطنه، لأنه مصر على الثبات على الفكر الذي آمن به أو الذي توصل إليه»!!

وقال: «هذا الاستغلال السياسي المتسلسل، كان ينحرف بالخلاف الديني، عن مكانه الصحيح، وهو الحوزات العلمية، ومدارس التعليم، والمساجد، وقاعات النقاش بين العلماء…، ليتحول إلى مناظرات يديرها الحكام في قاعات السلاطين، لتستثمر بعد ذلك في إطار سياسي، وهذا اللعبة إلى اليوم موجودة، إذن المسألة ليست دينية، ولا طائفية، وإنما سياسية»!!

أقول: إن قول (الجفري): «هذا الاستغلال السياسي المتسلسل، كان ينحرف بالخلاف الديني، عن مكانه الصحيح، وهو الحوزات العلمية، ومدارس التعليم، والمساجد، وقاعات النقاش بين العلماء…» يستحيل أن يقصد بـ (المكان الصحيح) الذي كان يجب أن تناقش فيه (الخلافات الدينية)، هو قصر الخلافة، الذي من المفترض أن يتولى خليفة المسلمين بنفسه إدارة هذه الخلافات الدينية!!

ولكن، لأن (الخلفاء) كانوا يحكمون البلاد، حسب انتماءاتهم العقدية والتشريعية، خضع المذهب الديني الحاكم للبلاد، وكذلك فترة استمراره، لمدى القوة (العسكرية) التي يتمتع بها الخليفة، فظهر (أهل السنة والجماعة) على يد (معاوية)، ثم ظهرت (المعتزلة) في فترة الخلافة العباسية، وعُذّب الإمام أحمد بن حنبل، حتى سالت الدماء من ظهره ومن بطنه..، لخلاف عقدي، وليس سياسيا ولا تشريعيا!!

وقال في حلقة (١٧-٤-٢٠١٥): «بالأمس ذكرت أن الإمام أحمد بن حنبل أسس منهجا مخالفا لشيخهه، خرج بأحكام مخالفا لشيخهه الشافعي….»، إلى آخر ما قال، وأثبت به، في حديثه كله، أنه يفهم (الإسلام)، ويفهم (السنة النبوية)، بفهم فرقة ومذاهب (أهل السنة والجماعة)!!

فهل هذا هو (الدين الإسلامي) الذي كان عليه رسول الله وصحبه في عصر الرسالة؟!

* البحيري: وهو يبحر مع (الأزهري)، و(الجفري)، في نفس المركب، تحت راية التراث الديني، لفرقة (أهل السنة والجماعة)، يعترف بأن موطأ مالك أثبت سندا ومتنا من البخاري، فيقول: «أنا لحد الآن رأيي بالمناسبة، إن الموطأ أثبت سندا ومتنا من البخاري»… إلى آخر ما ذكره في هذا الحوار، وأثبت فيه، أنه لا يهدم (الأحاديث) كلها، ولا مذاهب الفقهاء كلها، وأنه يؤمن بـ (السنة النبوية)، بعد تنقيتها واستخراجها من التراث الديني لفرقة (أهل السنة والجماعة)!!

إن هذا الذي ذهب إليه (البحيري)، وأجهد نفسه فيه، وسجل (ويسجل) فيه مئات الحلقات، لا علاقة له بما أمره الله تعالى باتباعه، ولن ينفعه يوم القيامة قوله، إنه كان يريد تنقية تراث (أهل السنة والجماعة)، فدين الله الذي سيحاسب عليه الناس يوم القيامة، هو الدين الذي كان عليه رسول الله وصحبه الذين رضي الله عنهم، قبل ظهور هذه الفرق، وهذه المذاهب الفقهية، المتخاصمة المتصارعة!!

وهناك عشرات الأخطاء العقدية والتشريعية، حدثت في هذا الحوار، تحتاج للرد عليها إلى مؤلفات، وهي موجودة على موقعي، ولكن يكفي أن أطلب من أطراف الحوار، أن يتدبروا السياق القرآني الذي وردت فيه هذه الآية:

«أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى