لقد كان صحابة رسول الله، يتداولون بينهم، كل ما كان يحدث في عصر «التنزيل»، من قصص وحراك تشريعي ومعرفي، فينزل القرآن يصحح أو يغير، يُحل أو يُحرم…، ويصبح ما أنزله الله من قرآن، هو ما يجب عليهم اتباعه…، فهل التزم الصحابة، بعدم نشر وتداول كل ما نزل القرآن يصحح مساره، أو يُحرمه؟!!
هناك حادثة، يعلم (المذهبيون)، من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، (تفاصيلها)، وهي حادثة (الإفك)، والتي أشار القرآن إليها في سورة النور، وحذر الصحابة من تتداولها، وإشاعتها بين الناس.
فهل التزم الصحابة بهذا التحذير، أم نقل بعضهم تفاصيلها للتابعين، ثم تناقلتها الألسن حتى وصلت إلى عصر التدوين، فدوّنها المحدثون في أمهات الكتب، ومازالت إلى يومنا هذا تُحكى على منابر الدعوة الإسلامية، (يشيعون الفاحشة) باسم اتباع (السنة النبوية) وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا؟!
فهل ذكر الله تعالى شيئا، عن قصة هذا الإفك، والأطراف التي شاركت في إشاعته، في كتابه الحكيم؟! هل ذكر الله شيئا عن المرأة التي أصابها هذا الإفك؟!
هل فهم الصحابة، الذين أشاعوا هذا الإفك بين الناس، قوله تعالى:
«إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ – وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ – وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً – وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ»؟!
تدبر قوله تعالى للصحابة: «وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ»!!
إن هؤلاء الصحابة، كانوا معاصرين لهذه الحادثة، زمانا ومكانا، ومع ذلك كانوا يتداولون روايات باطلة عن تفاصيلها، والرسول قائم بين ظهرانيهم، فكيف بحال الروايات، التي دونها المحدثون بعد وفاة النبي بقرنين من الزمن، ونسبوها إلى النبي، باعتبارها (السنة النبوية)؟!
إن (المذهبيين)، من أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، لا مانع عندهم، أن تشيع الفاحشة، قرونا من الزمن، في الذين آمنوا، على أمل أن يأتي (جهابذة علم الحديث)، فيوحي إليهم الله تعالى بحقيقة هذه الفاحشة، هذه الحقيقة التي لم يعلم عنها الصحابة أنفسهم شيئا!!
هل فهم (جهابذة علم الحديث) قول الله تعالى:
«وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا (أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا) سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ»
لماذا قبل (جهابذة علم الحديث) كلام الصحابة عن هذا الإفك، ودوّنوه في أمهات كتبهم، والله تعالى يخاطب الصحابة في عصر الرسالة، ورسول الله مازال يعيش بينهم، ويقول:
«يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ (أَبَداً) إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ»!!
إن هذا مجرد مثال، لبيان أن (الأحاديث) التي نسبها رواة الفرق والمذاهب المختلفة إلى «النبي»، وادّعوا أنها حملت (السنة النبوية)، هذه (الأحاديث) مشكوك أصلا في صحة نسبتها إلى الصحابة (وليس إلى النبي)، وذلك بشهادة الله عز وجل: «وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ – مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ»!!
«إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ – (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) – وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ – لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ – وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»