نحو إسلام الرسول

(319) 6/4/2015 (هل حفظ الله الأحاديث النبوية كما حفظ النص القرآني)

لقد اقتطع أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، جملة قرآنية من سياقها الذي وردت فيه في سورة الحشر (الآية ٧)، وأقاموا عليها حجية مصدر تشريعي، ما أنزل الله به من سلطان، بدعوى أن الله آتى رسوله نصّين تشريعيّن: «آية قرآنية»، و«حديث نبوي»، حمل «السنة النبوية» واجبة الاتباع!!

فما حقيقة هذا الادعاء، الذي لم أر خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود، من استطاع من علماء الفرق المختلفة، أن يقيم البرهان العلمي على صحته؟!!

أولا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على شهادات أموات (ميت عن ميت عن ميت …)، يتتبعها المحدث بعد قرن من وفاتهم، فينظر في مذاهبهم، العقدية والفقهية، فإذا وافقت مذهبه قبلها!!

ثانيا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على منظومة روائية، يضع أصولها وفروعها «مذهبيون»، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف!!

ثالثا: إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على صحة نسبة (النص) إلى الرسول، حتى وإن ثبتت صحة النسبة ثبوتا قطعيا!!

* إن حجية النص التشريعي الإلهي، لا تقوم على شهادات الأموات، ولا على منظومة (علم الحديث) المذهبية، ولا على صحة النسبة إلى الرسول ….، وإنما على البرهان (الإلهي) الدال على صدق (نبوة) الرسول، وعلى صحة نسبة النص التشريعي إلى الله تعالى، وليس إلي الرسول.

رابعا: لقد وضع أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، منظومة من «القواعد»، و«المصطلحات»، جعلوها حاكمة على فهم النص القرآني، لخدمة توجهاتهم العقدية والفقهية المذهبية، ومنها قولهم: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»!!

* إن قاعدة: «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب»، ليست على إطلاقها، فهناك كثير من الآيات القرآنية، يُفهم منها «الخصوصية» ولا يمكن تعميمها، أو «العمومية» ولا يمكن تخصيصها، وذلك حسب السياق الذي وردت فيه، ومن هذه الآيات، قوله تعالى في سورة الحشر (الآية ٧):

« مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى – فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ – كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ – وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ – وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا – وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ».

إن سياق هذه الآية، وما بعدها، يُفهم منه، أن كلاما كان يُتداول بين الصحابة، عن خلاف نشب بين المهاجرين والأنصار، بخصوص توزيع الرسول للفيء، فنزل القرآن يُبيّن حقيقة هذا الأمر، وهذا ما نفهمه من قوله تعالى بعدها:

« لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ – يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً – وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ – أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ »

« وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ – يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ – وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا – وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ – وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ».

فإذا طبقنا قاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، لنفهم بها ما فهمه أئمة السلف، من أن (الإيتاء) ليس فقط للفيء، وإنما أيضا لـ (الأحاديث النبوية)، فهذا معناه، أن المهاجرين، كانوا يتهمون الأنصار بأن « فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا » من (الأحاديث النبوية)، لذلك نزل القرآن يدافع عن الأنصار، ويبين أنهم: « وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا » من (الأحاديث النبوية)…، فهل يمكن أن يجد الأنصار، في قلوبهم شيئا، من (الأحاديث النبوية)؟!

ثم أية (أحاديث نبوية) هذه التي آتاها الرسول للصحابة: هل هي الأحاديث التي صحت عند أهل السنة، أم التي صحت عند الشيعة، هل هي التي صحت عند البخاري (السني)، أم عند الكليني (الشيعي)؟!

لقد كان للمنافقين من الصحابة موقف من توزيع رسول الله للصدقات، فإذا رأوها توزع على غيرهم طعنوا ولمزوا..، فيقول الله تعالى في سورة التوبة:

« وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ – فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا – وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ »

« وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ – وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ – سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ – إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ »

تدبر العلاقة بين قوله تعالى في سورة الحشر: « وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »، وقوله في سورة التوبة، في سياق الحديث عن توزيع الصدقات: « مَا آتَاهُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »، لتعلم أن الرسول، يستحيل أن يؤتي أصحابه شيئا (يتعلق برسالته)، التي أمره ربه أن يبلغها للناس، إلا إذا كان (نصه)، هو عين ما آتاه الله…، فهل آتى الله تعالى رسوله محمدا (نصا) غير (النص القرآني)؟!

* لقد حفظ الله (النص القرآني)، فهل حفظ أيضا النص الثاني (الأحاديث النبوية)، الذي آتاه الرسول، بنفس كلماته وحروفه، كما حفظ (النص القرآني)!!

خامسا: إذا أردنا أن نفهم جملة « وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ »، على أساس قاعدة (العبرة بعموم اللفظ)، فلن نجد خلافا بين أهل اللسان العربي، ولا بين أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، حول معنى كلمة (رسول)، وأنها تعني حامل (الرسالة)..، إذن فما الذي آتاه الله لرسوله، وأمره أن يؤتيه للناس؟!!

إنه لا يوجد في كتاب الله آية واحدة، يُفهم منها، أن الله آتى رسوله نصيين تشريعين: أحدهما حفظه في كتاب، والآخر فوض المحدثين أن يحفظوه في كتبهم، كلٌ حسب مدرسته في التصحيح والتضعيف!!

إن استقطاع جملة قرآنية من سياقها الذي وردت فيه، ثم من سياق الآيات قبلها وبعدها، ثم من سياق آيات أخرى..، وتوظيفها لإثبات حجية المصادر التشريعية الثانية، التي دوّنها أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، بعد ما لا يقل عن قرنين من الزمن…، إن هذا العمل، عمل لا يقبله الله ولا رسوله، ولا يصدر عن عالم، يخشى الله، ويخاف أن يقع في محرم، من هذه المحرمات:

« قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ – مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ – وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ – وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً – وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ »!!

تدبر قوله تعالى: « وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ »!!

فهل يحمل أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، البرهان على حجية مصادرهم التشريعية الثانية، وصحة نسبتها إلى الله تعالى (وليس إلى الرسول)، وذلك على وجه القطع واليقين؟!

هل قرأ أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، قول الله تعالى، على لسان هود عليه السلام:

« قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ – أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ – مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ – فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنْ الْمُنتَظِرِينَ »!!

هل قرأ أئمة الفرق والمذاهب المختلفة، قوله تعالى في سورة النجم، مبينا خطورة الإيمان الوراثي، ومخاطبا قوم رسول الله محمد:

« إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا – أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ – مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ – إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ – وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ – وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى »!!

فهل مرويات الفرق والمذاهب المختلفة، من (الهدى) الذي جاءنا من ربنا؟! وإذا كانت من الهدى، فما الفرق بينها وبين الهدى الذي حفظ الله نصوصه في كتابه؟!

وهل يعقل، أن يقيم الله حجته على الناس، استنادا إلى مرويات (ظنية الثبوت عن الرسول)، في الوقت الذي لا تقوم فيه هذه الحجية، إلا إذا كان النص (قطعي الثبوت عن الله)؟!

إن البرهان على صدق (نبوة) رسول الله محمد، (كتاب)، يحمل في ذاته (الآية الإلهية)، أي أن النص التشريعي الذي أمر الله الناس باتباعه، محفوظ في كتاب، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكيف يأمر الله رسوله، أن (يؤتي) الناس نصا تشريعيا، يعلم سبحانه أنه هو (الباطل)، الذي سيفرق المسلمين إلى فرق متخاصمة متقاتلة، ويُذهب خيريتهم؟!

تعريفات:
– الفيء: هو ما استولى عليه المسلمون، من أموال العدو، من غير مشقة، ولا قتال.
– الجرح والتعديل: علم يبحث في صفات الراوي، فإن كانت مذمومة كان (مجروحا)، ولا تقبل روايته، وإن كانت محمودة، كان (عدلا)، وتقبل روايته.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى