نحو إسلام الرسول

(318) 30/3/2015 (الآبائية السلفية)

يولد المولود بفطرة إيمانية، وبقلب يحمل آليات التدبر والتفكر والتعقل (آليات عمل القلب)، ما يجعله مؤهلا للتعرف على دلائل الوحدانية، وعلى فاعلية أسماء الله الحسنى ..، فيؤمن ألا إله إلا الله، ويخلص عبوديته لله، ويؤمن بالرسل، ويقيم الدين الذي أمره ربه باتباعه.

يولد المولود حرا، مزودا بإمكانات الإبداع والتطور الفكري، ولكن ارتباطه العاطفي والمعرفي بوالديه، يجعله أسير أفكارهم الدينية، يقاتل في سبيل الدفاع عنها، فإذا بلغ النكاح، واكتمل رشده، وتحمل مسئولية بناء أسرة، والوفاء باحتياجاتها …، نجده لا يُفكر في الوقوف على حقيقة تدينه الوراثي!!

إن أكثر أهل الأرض يعيشون أسرى التدين الوراثي، هذا التدين الذي غالبا ما تتواصل حلقاته، منذ أن يولد الإنسان إلى أن يتوفاه الله، ونادراً ما يقف وقفة تأمل، ليتعرف على حقيقة ما وجد عليه آباءه، ومدى موافقته للحق الذي أمره ربه باتباعه.

إن تقليد الآباء بغير علم، يُصادم منطق التطور الحضاري، وحركة الفكر وإبداعاته، فالإنسان مع انتهاء فترة طفولته، يجد نفسه فاقد الحرية الدينية، يعيش في دائرة التقليد الأعمى، سجين الظن والوهم…، فإذا حاول الخروج من هذا الأسر، وجد سيفا مسلطا على رقبته، اسمه سيف (الردة)، فإذا لم يعد إلى ما وجد عليه آباءه، (قُتل)!!

إن الذي اتهموه بالردة، كان يعيش منذ طفولته مسلوب الإرادة، ليس له من أمر تدينه شيء، فهل عندما يملك إرادته، ويقيم البراهين العقلية الدالة على أنه قد ضل الطريق، يكون جزاؤه القتل؟!

وإذا كان تدين الآباء سيشفع للأبناء في الآخرة، إذن فما أهمية إرسال الرسل، إذا كان الناس جميعا سيدخلون الجنة بغير حساب، لأنهم عاشوا حياتهم أسرى تدينهم الوراثي، لا حول لهم ولا قوة؟!

إن إدارة هذه الأزمة تكتب فيها المجلدات، ولكن المحور الأساس الذي تدور حوله، هو قوله تعالى في سورة البقرة:

«وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ – قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا – أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً – وَلا يَهْتَدُونَ»؟!

وقوله تعالى في سورة المائدة:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ – وَإِلَى الرَّسُولِ – قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا – أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ – لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً – وَلا يَهْتَدُونَ»؟!

إن الخطاب القرآني يبيّن للناس كافة، أهمية وقوفهم على حقيقة تدينهم الوراثي، وموقعه من الدين الذي أمر الله باتباعه، فالآباء قد (لا يَعْقِلُونَ)، قد (لا يَعْلَمُونَ)، قد (لا يَهْتَدُونَ) ..، فهل يعذر الله الأبناء بغفلة آبائهم، واتباعهم دينا لم يأذن به؟!

إن خطر الآبائية، أنها تجعل الأبناء يقدسون تراث آبائهم الديني، في الوقت الذي لا يستند فيه هذا التقديس على نصوص شريعة إلهية، وإنما على ما حمله الآباء من سلطة زمنية دينية، استقرت في قلوب الأبناء، وأصبحت عقبة أمام دعوة الرسل.

إن الناس يولدون أسرى تدينهم الواراثي، مكرهين على اتباع آبائهم، ولكن مشيئة الله اقتضت، أن يأخذ الإنسان قرار تدينه بنفسه، وعلى مسئوليته، وبكامل إرادته، فليس هناك قوة، تستطيع أن تفرض على الإنسان تغييرا لا يريده، وإن استطاعت أن تحمل جسده على التغيير، فلن تستطيع أن تحمل قلبه على تغيير ما يؤمن به!!

إن الحد الفاصل بين الإيمان الوراثي، الذي يتحمل الآباء مسئوليته، والإيمان العلمي القائم على الحجة والبرهان، والذي يتحمل مسئوليته الإنسان نفسه ..، هو بلوغ الإنسان النكاح، واكتمال رشده، وهذا ما بيّنه الله في سياق الحديث عن أحكام اليتامى، فقال تعالى:

«وَابْتَلُوا الْيَتَامَى – حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ – فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً – فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ».

فإذا كانت هذه هي مسئولية المسلم تجاه اليتيم، فكيف تكون مسئوليته تجاه الدين الذي أمر الله باتباعه؟!

لقد ولد معظم المسلمين في بيئات مذهبية، بعد أن تفرقوا إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة، وأصبح أبناء كل فرقة يؤمنون أنهم هم الفرقة الناجية، وأن آباءهم هم السلف الصالح، فاتسعت دائرة التقليد والتعصب المذهبي، وساد الجمود الفكري، ولم يعد للتحقيق العلمي، ولا للحوار الجاد، مكان بين شيوخ ودعاة الفرقة والمذهبية، الذين يقفون يحرسون أزمة التخاصم والتكفير!!

لقد توقف الفكر الإسلامي عند ما دوّنه أئمة السلف من تراث ديني، حمل مرويات منسوبة إلى النبي، نقلها التابعون عن الصحابة، وورثها الأبناء عن الآباء، كلٌ حسب مذهبه الديني …، فأين نجد اليوم، هذا الدين الذي أمر الله المسلمين ألا يتفرقوا فيه، «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ»، وكل فرقة تدّعي أنها الفرقة الناجية؟!

لقد وقفت عملية التغييب العقلي، التي فرضتها الآبائية المذهبية على الأبناء، عقبة أمام حرية الأبناء في اختيار دينهم الحق، والله تعالى يقول:

«لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»

فهل يُعقل، أن يقول الله تعالى: «قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ»، ثم يجعل مسئولية هذا (التبيّن)، في أيدي الآباء (أئمة السلف)، دون أن يكون للأبناء (التابعين) دور في تحمل هذه المسئولية؟!

ثم كيف سيفرق الأبناء بين دين الطاغوت: «فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ»، ودين الله «وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ»..، إذا لم يكن قرار تدينهم في أيديهم، لا في أيدي آبائهم (أئمة السلف)؟!

إن الآبائية السلفية فتنة، لأنها تقدس التاريخ، وتجعل السلف مصدرا دينيا تشريعيا حاكما على دعوة الرسل، ولقد أرسل الله نبيّه الخاتم محمدا، عليه السلام، بكتاب حمل في ذاته «الآية القرآنية»، الدالة على صدق نبوته، والقائمة بين الناس إلى يوم الدين، هذا القرآن الذي أقام خير أمة أخرجت للناس ..، فأين ذهبت هذه الأمة، ولماذا لم تتواصل حلقاتها على مر العصور؟!

ماذا لو قال الله يوم القيامة، لأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الذين جعلوا (أئمة السلف) طوق نجاتهم في الآخرة:

لقد أمرتكم باتباع (الرسول)، الذي حمل رسالة الله للناس: القرآن الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

ثم افتريتم على الله ورسوله الكذب، وقلتم: إن الله أرسل رسوله بـ (الكتاب) و(السنة)، ثم هجرتم (الكتاب) واتبعتم (السنة)، وجعلتم مروياتها حاكمة على آيات الكتاب، بدعوى أنها «السنة النبوية»، التي أمر الله باتباعها.

ثم جعلتم من مرويات «السنة النبوية»، ما هو صحيح، وحسن، ومشهور، وضعيف، وموضوع…، كلٌ حسب مدرسته في الجرح والتعديل، والتصحيح والتضعيف، ولم يشهد النبي كتابة هذه المرويات، ولا يعلم عنها شيئا، وإلا لحفظت (مرويات السنة)، كما حفظت (آيات الكتاب).

ماذا لو قال الله ذلك، لأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، فماذا سيكون موقفهم، خاصة إذا علموا أن الرسول قد تبرأ من كل من اتخذ نصا تشريعيا غير النص القرآني، فتذكروا قوله تعالى:

«وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً»

«وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً»

معلومات:
* إن مجيء رسول الله بآية علمية عقلية خالدة، دعوة لحرية الفكر والتجديد والإبداع، فالآيات القرآنية واحدة، خوطب بها الناس، وفق إمكاناتهم المتطورة، إلى يوم الدين.
* إن طاعة الرسول من أصول الإيمان، تتحقق عمليا مع من عاصروه، وعلميا مع من جاءوا من بعده، وآمنوا برسالته، واتبعوها.

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى