نحو إسلام الرسول

(317) 30/3/2015 (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)

لقد ورث المسلمون «الإسلام»، أقوالا، ومواعظ، وكتبا، بمعزل عن «العمل الصالح»، فتخلفوا وأصبحوا عالة على الأمم المتقدمة (غير المسلمة)، فلماذا كان هذا (التخلف) مصير (خير أمة أخرجت للناس)؟!

إن دخول الجنة لن يكون بالأفكار والكتب والخطب، فكتاب الله يحمله المسلمون جميعا، وهم يعلمون أنه «كلام الله»، وآيته الدالة على صدق «نبوة» رسولهم محمد، فلماذا أصبحوا في ذيل التقدم الحضاري؟!

إن كتاب الله «آية قرآنية»، نزلت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، فهل أخرج المسلمون الناس من الظلمات إلى النور، أم هم الذين خرجوا من النور إلى الظلمات، بتفرقهم وتخاصمهم وتقاتلهم؟!

«الر ـ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ ـ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ـ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ – إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ».

إن المسلم (المؤمن)، الذي أقام دينه على نصوص «الآية القرآنية»، وفاعليتها في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، يستحيل أن ينفصل «عمله الصالح» عن إيمانه، ولا ينفصل إيمانه و«عمله الصالح» عن رؤية مستقبلية للآثار المترتبة على هذا العمل، تدبر قوله تعالى: «وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ».

إن كلمة (وَآثَارَهُمْ)، تعني أن الإنسان محاسب ليس فقط على عمله، وإنما على آثاره (الممتدة المفعول)، فإذا كان عملا صالحا، فيجب أن يقوم على «خطة تنموية شاملة»، وعلى «متابعة» تضمن عدم انحراف العمل عن صفة «الصلاح»، وهو ما يُعرف اليوم بـ «التنمية المستدامة».

ولكن المسلمين، قرونا من الزمن، يقولون إنهم يؤمنون بالله، ويعملون الصالحات، ويقيمون أحكام الشريعة، ويعلمون جيدا كل الحقائق السابقة ..، فأين إذن المشكلة؟!

لقد كانت «الفتن كبرى»، هي المشكلة الكبرى، والعظمى، التي فرقت المسلمين إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة، وقد حذر الله (صحابة) رسول الله من الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة النبي، ومع ذلك حدث الانقلاب، وسُفكت الدماء بغير حق، مع سبق الإصرار والتعمد!!

فهل رجع (التابعون)، أو (تابعو التابعين) …، إلى رشدهم، ونبذوا التفرق والتخاصم والتقاتل؟! (لا)!! بل أيّدوا التفرق، ودعّموه، واتخذت كل فرقة لها مصدرا ثانيا للتشريع، حمل تراثها الديني، من (أحاديث) منسوبة إلى النبي، وتأويلات لآيات الذكر الحكيم، وفتاوى ..، وكل ذلك لإثبات أنها هي الفرقة الناجية!!

لم يتعلم المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الدرس، ولم يأخذوا العبر من أحدث «الفتن الكبرى» التي مزقت أمتهم، وفرقت دينهم، فظلت سنن التغيير (السلبي) تعمل فيهم، إلى يومنا هذا، لا يرونها وهي شاخصة أمام أعينهم!! لقد هجروا «الآية القرآنية»، الممتدة المفعول إلى يوم الدين، فذهبتهم خيريتهم!!

لقد أصبح «الإسلام»، أن يحافظ المسلمون على أداء الصلوات (وهم ساهون)، وأداء الزكاة (وهم لاهون)، وحج البيت (وهم مغيّبون)، والصلاة على النبي (ولا علاقة لهم بالنبوة)، ثم ما عليهم بعد ذلك إلا الانتظار، حتى يحضر (المهدي)، ويقيم لهم (دين الله) في قلوبهم، وعلى أرضهم، نيابة عنهم!!

لم يتعلم المسلمون، أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، الدرس، وأعطوا ظهورهم لتحذير الله لهم من الوقوع في «الشرك»، إن هم أصروا على تفرقهم في الدين!!
إن التفرق في الدين شرك بالله تعالى فهل يعلم أتباع الفرق والمذاهب المختلفة ذلك؟!

فلنتدبر قوله تعالى في سورة النور:

– وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
– لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
– وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
– وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً

ثم تدبر جيدا، الشرط الذي اشترطه الله تعالى للوفاء بهذا الوعد:

– يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً

ثم تدبر جيدا ماذا قال الله بعدها:
– وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ

تدبر جيدا هذا (الشرط): «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»، ثم انظر من هم الذين يحذرهم الله من هذا (الشرك)، إنهم «الَّذِينَ آمَنُوا – وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ»، فهل يمكن أن يشرك هؤلاء بالله تعالى؟!

لقد شغل أتباع الفرق والمذاهب المختلفة أنفسهم، بقضية (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ)، قرونا من الزمن، وظنوا أن هذا «الاستخلاف» يعني «الخلافة الإسلامية»، التي قامت على سفك الدماء بغير حق، فظلوا ينتظرونها، ويخططوا لإقامتها، ودوّنوا فيها الكتب…، دون باقي الوعود، ولم ينتبهوا إلى أن وعد الله «منظومة متكاملة»، تقوم على شرط «يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً»، فلما أضاعوا «الشرط»، لم يحصلوا على كل «الوعود»!!

هل المشكلة في عدم وفاء الله بوعده؟! أم في عدم وفاء المسلمين بشرطه؟!

إننا إذا نظرنا إلى الوعد الثاني، «وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ»، وجدنا أن التمكين للدين، لا يكون إلا لـ (الدِّينُ الْقَيِّمُ) الذي ارتضاه الله للناس، لا الدين الذي ارتضاه أئمة الفرق والمذاهب المختلفة لأتباعهم، هذا الدين المذهبي، الذي حذر الله رسوله محمدا، والذين آمنوا معه، من اتباعه، فقال تعالى في سورة الروم:

– «فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً – فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا – لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ – ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ – وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ»

– «مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ – وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ – وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ – مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً – كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ»!!

والسؤال: من هم الذين خاطبهم الله بقوله: «وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ»؟!!

إنهم: رسول الله محمد، عليه السلام، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً)، وصحابته: (مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ).

فهل يعلم أئمة، وأتباع الفرق والمذاهب المختلفة، أنهم لن يكونوا أفضل عند الله، من رسوله وصحبه الكرام (الذين رضي الله عنهم)، وأن تحذيرهم من التفرق في الدين، ومن اتخاذ مصادر تشريعية، ما أنزل الله بها من سلطان، هو حجة عليهم في الدنيا والآخرة؟!

إن من حق شعوب العالم أن تخاف من الإسلام، ومن المسلمين، ولن يزيل هذا الخوف قول أئمة وشيوخ ودعاة الفرق والمذاهب المختلفة، بأن «اختلافهم رحمة»!!

أية رحمة هذه، التي تسفك الدماء بغير حق، تحت راية «لا إله إلا الله، محمد رسول الله»، ويُفجر الإنسان نفسه، طمعا في الحور العين؟!

أية رحمة هذه، التي تسفك دم الزانية والزاني (رجما)، بشريعة مفتراة على الله ورسوله، ويتفق على وجوب تنفيذها، أئمة المؤسسات الدينية، للفرق والمذاهب المختلفة، سلفية كانت أو إخوانية، أو داعشية؟!

أية رحمة هذه، التي بموجبها تطلق المرأة طلاقا بائنا، استنادا إلى فقه المصدر الثاني للتشريع، وهي عند الله مازالت زوجه؟!

إلى آخر ما حمله هذا المصدر الثاني للتشريع، من منظومة روائية مفتراة، يدافع عنها اليوم، أئمة وشيوخ ونجوم ومشاهير الدعوة الإسلامية!!

إنه لا مفر من عودة المسلمين إلى فكر الأمة الواحدة، ونبذ التفرق في الدين، والاعتصام بحبل «الوحدانية»، حتى يحقق الله لهم وعده، ويستخلفهم في الأرض، ويُمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، ويبدل خوفهم أمنا، وتكون لهم الريادة في كافة مجالات الحياة، بتخصصاتها العلمية المختلفة.

«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ – كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ»

معلومات
* لا تقل «إعجاز القرآن»، وقل «آية القرآن»، فالله لا يُعجز أحدا من خلقه، لانتفاء المثلية، وإنما يُبيّن للناس دلائل وحدانيته، ويخبرهم باستحالة أن يأتوا بمثلها.

* طلب المشركون من النبي الخاتم «آيات حسية»، يشاهدونها بأعينهم، كالتي أُرسل بها السابقون، فقال تعالى: «أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ»، فالكتاب آية!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى