نحو إسلام الرسول

(314) 19/3/2015 (لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية..3-3)

لقد نزل القرآن، حاملا الآية الدالة علي صدق نبوة رسول الله محمد، الممتدة المفعول على مر العصور، وإلى يوم الدين. فهل هذا يعني، أن يتطور المعنى الدلالى لنصوصها، بما لا يتعارض مع المنظومة التشريعية العالمية، وتوصيات منظمات حقوق الإنسان؟!

لقد حمل القرآن في ذاته، منظومة بنائية بيانية محكمة، تميزه عن غيره من الرسالات الإلهية، لا تقبل التعامل معها إلا بأدوات مستنبطة من داخلها، ولا تُصرف كلماتها عن معناها الحقيقي إلا بقرينة مستنبطة من ذات النص القرآني.

إن (اليد) عضو في جسد الإنسان، ولا يصرف عن هذا المعنى إلا بقرينة من السياق القرآني، فعندما نقرأ قوله تعالى: «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، يستحيل أن نفهم أن لله تعالى «يدا» مثل يد الإنسان، لأن هناك قرينة في هذه الجملة، تمنع هذا التأويل، وهي كلمة (الله)، والله يقول: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ».

فإذا أردنا أن نفهم معنى «يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ»، فعلينا أن نستعين بأدوات فهم القرآن، ومنها (حسب منهجي) آليات التفكر والتعقل والنظر …، فوجود كلمة «أيديهم» مع «يَدُ اللَّهِ»، في سياق واحد، يعني أن الله يقول للذين يبايعون النبي، إني معكم، وهذا ما نفهمه من سياق الآية، فتدبر:

إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ – إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ – يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ – فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ – وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ – فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً»

إن «معية الله» ثابتة في السياق القرآني، وتعني أن فاعلية أسمائه الحسنى قائمة بين الناس، وبين (الذين آمنوا): «وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ».

– قوله تعالى: «أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ»

إن سياق هذه الجملة القرآنية، يتحدث عن عقوبات، تتعلق بجرائم الإفساد في الأرض، (إتلاف الأنفس والأموال)، ولقد ذُكرت عقوبة قطع الأيدي والأرجل ضمن هذا السياق، ولا توجد قرينة تصرف أية كلمة من كلمات هذه الآية عن معناها الحقيقي.

ومن (القرائن) الدالة على أن هذا القطع (فصل كلي)، قوله تعالى «مِنْ خِلافٍ»، ذلك أن «مِنْ»، (الابتدائية)، جاءت في موضع الحال من «أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ»، وفي ذلك إشارة إلى أنه لا يُقطع إلا يد واحدة، أو رجل واحدة، «مِنْ خِلافٍ».

ولقد جاء قوله تعالى بعدها «لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا» يؤكد معنى (الفصل الكلي)، لأن في هذا، ذلا وإهانة للمفسدين في الأرض!!

– قوله تعالى «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا»

لقد جاءت هذه الجملة القرآنية، من باب تفصيل المجمل، الذي ورد في قوله تعالى «وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً»، وجاء قوله تعالى: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا) – (نَكَالاً مِنْ اللَّهِ)، إشارة إلى المعنى الحقيقي للقطع.

و(التنكيل) نفهمه من قوله تعالى: «وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً»، أي أن الله يُوقع على المفسدين في الأرض، أشد العقوبات الرادعة، ومن ذلك عقوبة (السرقة)، هذه العقوبة الرادعة، التي يجب أن تكون في إطار جرائم الإفساد في الأرض!!

– قوله تعالى: «فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ»

يشهد سياق هذه الجملة القرآنية، أن القطع قطع (جزئي)، والقرائن التي تؤكد ذلك، كلها تستند إلى آليات التعقل والتفكر…، فتعالوا نتدبر بعضها، مما ورد في سياق الحديث عن قصة يوسف:

«وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ – امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ – قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا … فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ – أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ – وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً – وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً – وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ – فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ – وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ – وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ – مَا هَـذَا بَشَراً – إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ»

١- إن السياق الذي أمامنا، من أوله إلى آخره، لا يمكن أن يُفهم منه، أن امرأة العزيز، أعدت للنسوة حفلا ومائدة طعام، للاحتفاء بهن على نشر قصتها مع يوسف بين الناس، فمعلوم أن من أصول تجهيز الموائد، خاصة في قصور الملوك والأمراء، أن تكون أدوات الطعام معدة مسبقا على المائدة، لا أن تحرص امرأة العزيز على إعطائها لكل واحدة: «وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً»!!

٢- إن مجيء واو العطف، في جملة (وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)، يبيّن أن هذا التقطيع، كان عقوبة يقمن النسوة بتنفيذها بأنفسهن، بعد إقرارهن بصدق ما قالته امرأة العزيز عن يوسف، وأنهن كن يعرفن ذلك مسبقا، وهذا ما قالته لهن بعد عملية التقطيع «فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ»، وهذا ما يؤكد، أن هذا التقطيع، لم يكن بسبب ذهول أصاب النسوة بعد رؤية يوسف، وإلا لجاء السياق بفاء السببية وقال (فقطعن أيديهن)!!

٣- لقد كان هذا (التقطيع) فصلا جزئيا، وليس فصلا كليا لليد، وذلك لاستحالة أن يفعل النسوة ذلك بأنفسهن، وبرهان ذلك هو (آلية التعقل)، كقولك: كنت أقطع اللحم فقطعت يدي!!

«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى