نحو إسلام الرسول

(313) 17/3/2015 (لسان القرآن، وإشكالات اللغة العربية.. 2-3)

لقد كان على فقهاء اللغة العربية، ومدارسهم المذهبية المختلفة، أن يتدبروا القرآن، ويقفوا على أساليبه البيانية المحكمة، التي لم يستطع أهل «اللسان العربي»، أن يأتوا بمثلها، ولو أنهم فعلوا ما أمرهم الله به، ما جعلوا «لسان العرب»، حاكما على «لسان القران»، أبدا!

لذلك لم يكن غريبا أن نجد من بين المفكرين الإسلاميين، من يصرفون معنى «القتل» عن معناه الحقيقي، وكذلك «القطع»، و«الذبح»، و«الضرب»…، استنادا إلى لسان اللغة العربية، الذي انحرف عن «لسان القرآن»، وعن أسلوبه البياني المحكم.

لقد جاء فعل «القطع»، في السياق القرآني، بمعنى الفصل «المادي»: «الكلي»، أو «الجزئي»، ولم يحمل السياق القرآني، أية قرينة، تصرف هذا المعنى المادي عن حقيقته، وسأضرب بعض الأمثلة تبين ذلك.

* «وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ»
إن الذي أمر الله به أن يوصل، شيء مادي، له وجود على أرض الواقع، ولا توجد قرينة في سياق الآية، تصرف هذا المعنى المادي، «الفصل الكلي»، إلى غيره، بل وتؤكد قرينة أخرى هذا المعنى، وهي قوله تعالى: «أَنْ يُوصَلَ».

ويبين ذلك أيضا قوله تعالى: «أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ»، فجعل قطع الأرحام شيئا ماديا في منزلة الإفساد في الأرض.

* «وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً»، ومثله: «قِطَعاً مِنْ اللَّيْلِ مُظْلِماً» – «قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ» – «قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ» – «فقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ».

القطعة: جزء من الشيء، انفصل عنه كلية، والتقطيع: مبالغة في القطع، أي شدته.

* «لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ»: الوتين، الشريان الذي يمد الجسم بالدم، فإذا انقطع مات صاحبه.

* «إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ»: تقطع القلوب، انفصالها عن الجسد، وسياق هذه الآية يتحدث عن المنافقين، واتخاذهم مسجدا ضرارا، ولما كان دين المنافقين يقوم على الشك، بيّن الله أن هذا الشك لن يزول، إلا إذا انفصلت قلوبهم (التي هو محل الشك) عن أجسادهم!!

* «وَلا يَقْطَعُونَ وَادِياً»: أي يجتازون أرضه، حتى يصلوا إلي نهايته، ويصبح منفصلا كلية عنهم.
* «وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الأَسْبَابُ»: انفصلت عن من تعلق بها، كحال من تعلق بشيء، فانقطع، فسقط!!

ومثله قوله تعالى: «مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ – فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ – ثُمَّ لِيَقْطَعْ – فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ»؟!

فمن كان يشك في نصر الله، فليتخذ وسيلة يقطع بها هذا النصر إن جاء، وهذا من باب لفت النظر، إلى وجوب الإيمان بفاعلية أسماء الله الحسنى، دون قيد أو شرط!!

* «وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ» – «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ»

لقد جعلوا أنفسهم فرقا (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)، أما قوله: «لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ»، فيبين مشهد انفصال المشركين عن شفعائهم في الآخرة: «وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ»!!

* «فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا»: دابر القوم آخرهم، وهذا يعني أنه تم استئصالهم جميعا.

* «وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ»: لقد بيّن لوط لقومه، عظم الفاحشة التي يفعلونها، وهي إتيان الرجال، والإعراض عن النساء، فوصفها بقوله: «مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ»، فإنهم بقطعهم سبيل التناسل، يقضون على الجنس البشري!!

* «مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ»: اللينة: نوع من النخل الجيد، القريب من الأرض، قطع منه الصحابة جزءا، وتركوا جزءا، فنزل القرآن يبيّن أن ما فعلوه كان بإذن الله (إذ خلقهم مخيّرين)، ولم يكن هناك تشريع يحرم ما فعلوه، ولكن الله أشار في السياق، إلى أنه كان من الصالح العام، ترك اللينة «قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا».

«الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ»

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى