نحو إسلام الرسول

(299) 15/1/2015 (مقال الفتنة التي مزقت الخطاب الدينى)

هذا المقال، “الفتنة التي مزقت الخطاب الديني”، قد نشرته صحيفة التحرير في (14-1-2015)، وكنت قد نشرت الجزء الأول منه على هذه الصفحة بعنوان “تجديد أم تأصيل الخطاب الديني”، في (5-1-2015).

“الفتنة التي مزقت الخطاب الديني”

بدأت الأزمة، ورسول الله على فراش الموت، فمن الذي سيخلفه؟! ويومها وُضعت بذور الفتنة، بين أكبر فرقتين من الفرق الإسلامية الموجودة اليوم، بين “السنة” و”الشيعة”، وهي فتنة “الخلافة” عند أهل السنة، وفتنة “الإمامة” عند الشيعة!!

لقد مات رسول الله ولم يكن من صحبه سني ولا شيعي…، ولا حنفي ولا مالكي…، ولم يترك للمسلمين نصا تشريعيا غير كتاب الله، فهل عرف الخلفاء الراشدون مدونة في الشريعة الإسلامية غير “النص القرآني”؟! إن من في يده اليوم، مدونة في الشريعة الإسلامية، شهد الخلفاء الراشدون على صحة نسبتها إلى الله تعالى (أو إلى رسوله) غير القرآن، فليخرجها لنا!!

إن الذين يدّعون أن الصحابة دوّنوا (حديث النبى) في الصحف، وتحت إشرافه، نسألهم: وأين ذهبت هذه الصحف؟! ولماذا أنشأ المحدثون ما يسمى بـ (علم الحديث)، وعلم (الجرح والتعديل)، و(التصحيح والتضعيف)، وصحف (الحديث النبوي)، التي دونها الصحابة مباشرة عن رسول الله، موجودة بين أيديهم؟!

إن أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، الموجودة في المكتبة الإسلامية اليوم، خرجت إلى عالم الفكر الإسلامي (المذهبي)، وإلى عالم الخطاب الديني (المذهبي)، على يد المحدثين والمؤرخين، نقلا عن الرواة والإخباريين، وذلك حسب رؤية أصحابها العقدية والتشريعية المذهبية!!

فهل يُعقل أن تحكم الرواية الظنية الثبوت عن رسول الله، الآية القرآنية القطعية الثبوت عن الله تعالى، وليس فقط عن رسوله؟! وهل يُعقل أن تنسخ (الروايات) الظنية الثبوت عن رسول الله حكمًا قرآنيا، بل ولا مانع أن تنسخ آية بأكملها، أو أن تنسخ آية مع بقاء حكمها يُعمل به!! فهل سنقوم بتجديد (الخطاب الديني) على هذا الأساس!!

لقد أصبح (الخطاب الديني)، بعد تفرق الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة، خطابا مذهبيا، ينطلق من قاعدة الجهاد من أجل إقامة الخلافة الإسلامية في الأرض، و(الحكم بما أنزل الله)، وهي رؤية لها قدسيتها عند أتباع كافة الفرق الإسلامية، ظنا منهم أن هذا هو (الإسلام)، وأن سفك الدماء بغير حق من الإسلام!!

إن حرمة الدماء لا تباح إلا بنص قطعي الثبوت عن الله تعالى (النص القرآني)، وبدلالة قطعية، فأين هذا النص القرآني (قطعي الدلالة)، الذي يستند إليه المفسدون في الأرض، في سفك الدماء بغير حق؟!

إن حرمة الدماء لا تباح بفتاوى فقهاء (الفُرقة والمذهبية)، واقرؤوا تاريخ المذاهب الإسلامية (في السياسة والعقائد)، وتاريخ المذاهب الفقهية، لتعلموا لماذا سفك أتباع الفرق والمذاهب المختلفة دماء بعضهم البعض؟!

لقد أصدر الأزهر (الجمعة 21 نوفمبر 2014) بيانا بشأن دعاوى رفع المصاحف جاء فيه: “أنَّ هذه الدعوة ليست إلا إحياءً لفتنةٍ كانت أوَّلَ وأقوى فتنةٍ قصَمت ظَهرَ أمَّةِ الإسلام ومَزَّقتها، وما زالت آثارُها حتى اليوم…”!!

إذن فمؤسسة الأزهر تعترف بأن (الفتن الكبرى): “قصَمت ظَهرَ أمَّةِ الإسلام ومَزَّقتها، وما زالت آثارُها حتى اليوم”!! ولا شك أن من آثار هذه (الفتن) تفرق المسلمين في الدين!! إذن فعلى أي أساس سيقوم علماء الأزهر، بتجديد (الخطاب الديني)، وأمهات كتب فرقة (أهل السنة) قد حملت كل إشكالات (الإسلام السياسي)، بمروياته المذهبية؟!

ولقد جاء أيضا في هذا البيان: “وقال صلى الله عليه وسلم، فيما رواه مسلم فى صحيحه: “مَن خرَج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات ميتةً جاهلية، ومَن قاتَل تحتَ راية عمية، يغضب لعصبةٍ، أو يدعو إلى عصبةٍ، أو ينصُر عصبةً، فقُتِلَ فقِتلةٌ جاهليَّةٌ، ومَن خرج على أمَّتى يضرب بَرَّها وفاجرها، ولا يتحاشى من مُؤمِنها، ولا يفى لذى عهدٍ عهدَه فليس منى ولست منه”.

أن المتدبر لمتن هذه الرواية، وخاصة جملة (وفارق الجماعة)، سيعلم أنها وُضعت بعد أحداث (الفتن الكبرى)، بعد أن تفرقت الأمة الإسلامية إلى فرق متخاصمة متقاتلة، وبعد أن تولى معاوية الخلافة، وسمي العام الذي تولى فيه الخلافة بـ (عام الجماعة)، وأصبح الخروج على هذه (الجماعة) خروج من ملة الإسلام!!

لقد أقام معاوية على أساس هذه الرواية الموضوعة حكمه العضود، وورث أبناءه الخلافة…، ثم أصبحت هذه الرواية، هي الدليل والسند الشرعي، الذي يخيف به أمير أية جماعة دينية أتباعه، ويحذرهم من الخروج عليه، وطبعا في مقدمة هذه الجماعات التنظيمات الإرهابية الجهادية، التي تسعى في الأرض فسادا!!

إن المحور الرئيس، الذي يعالج كل هذه الإشكالات، هو (تأصيل) الخطاب الديني، وليس (تجديده)!! أي علينا أن نقيم أولا (البرهان)، على أن نصوص الشريعة التي حملتها أمهات كتب الفرق والمذاهب المختلفة، هي وحي من الله تعالى، واجب الاتباع!!

إن (البرهان) على أن (النص القرآني) وحي من الله تعالى، يحمله ذات (النص القرآني) وإلى يوم الدين، ذلك أن القرآن (آية إلهية)!! فما هو (البرهان) على أن (مرويات) الفرق والمذاهب المختلفة، التي نسبها الرواة إلى رسول الله، ودونت بعد قرن ونصف القرن من وفاته، وبعد سفك الدماء بغير حق في أحداث (الفتن الكبرى)…، هي أيضا وحي من الله إلى رسوله؟!

لذلك أقول:

– أي (تجديد) هذا، وأي (تطوير) لخطاب ديني، يحمل (مرويات مذهبية)، يدافع عنها أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، بدعوى أنها (السنة النبوية)!!

– وأي (تجديد)، وأي (تطوير) لخطاب ديني، يحمل (عقيدة مذهبية)، يدافع عنها أصحابها، بدعوى أنها من (المعلوم من الدين بالضرورة)، هذا الشعار الذي سُفكت تحت رايته دماء بريئة، منذ أحداث (الفتن الكبرى)، وإلى يومنا هذا!!

– ثم أي (تجديد)، وأي (تطوير) لخطاب ديني، يحمل (فكرا مذهبيا)، يدافع عنه أئمته، بدعوى أنه (إجماع الأمة)، هذا الأصل الفقهي الذي نبت في الهواء، وترعرع في الهواء، وذبل ومات في الهواء!!

– فأين هي هذه الأمة التي أجمعت، وأين أجمعت، ومتى أجمعت؟!

“فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ” – “ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ” – “لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً” – “فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ” – “وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ”!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى