بصرف النظر عن اختلاف أهل السير والمؤرخين في تحديد يوم ولادة النبي محمد، عليه السلام، فلم يكن أحد يعلم أن هذا المولود، سيصبح نبيا رسولا بعد أربعين سنة من ولادته، ولذلك أخذ الناس يسترجعون تاريخ ولادته بعد بعثته…، وبصرف النظر عن دور الدولة الفاطمية في نشر وتدعيم (الموالد) وطقوسها بين الناس…، يبقى السؤال قائما:
ماذا قدم المسلمون للنبي، غير الحلوى، وحلقات الذكر، والخطب المنبرية؟!
إنك عندما تفرح وتقيم الاحتفالات بيوم مولدك، فأنت حيٌ ترزق، تتحرك بين الناس، ولك دور في حياتهم، ولو كان ضئيلا!! أما بعد موتك، فإن الذي سيشغل بالهم هو:
(ماذا تركت لهم من زينة الدنيا ومتاعها)، ويومها سيقولون: “الله يرحمه، كان راجل طيب”!!
لقد مات النبي، وترك للناس “آيته القرآنية”، الدالة على مولده: “أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى”، وعلى بعثته: “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً”…، لتكون من بعد موته هي (الرسول) القائم بين الناس إلى يوم الدين!!
فلماذا لا يحتفل المسلمون بـ (رسول الله) القائم بينهم اليوم!!
لأن المسلمين ورثوا عن آبائهم، وعن مذاهبهم، أن التقديس والاحتفالات والاتباع يكون لـ (الأموات)، وما نقله (الرواة) و(الإخباريون) عن حياتهم، وطبعا في مقدمة ذلك ما نقلوه عن (النبي)!!
إنكم ستسمعون في هذه الأيام ماذا سيقول (الخطباء) عن سيرة النبي وشمائله…، إنهم سيحدثونكم عن (الماضي)، في الوقت الذي يكون الرسول فيه (حاضرا) بيننا، يحمل (نبوءته) و(آيته القرآنية) للناس جميعا!!
وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ (آيَاتٌ) مِنْ رَبِّهِ” – “قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ” – “وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ” – “أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ (الْكِتَابَ) يُتْلَى عَلَيْهِمْ” – “إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى” – “لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ”!!
لقد غاب (النبي) عن الاحتفال بمولده، لأنه مات: “إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ”!!
وحضر (الرسول) نيابة عنه، أي (آيته القرآنية)، فلم يجد رسول الله (الشهداء) في استقباله:
“لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً”!!
وإنما وجد: “الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً” – “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”!!
فذهب الرسول غاضبا من المجرمين!!
“وَقَالَ (الرَّسُولُ) يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا (الْقُرْآنَ) مَهْجُوراً”- “وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنْ (الْمُجْرِمِينَ) وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً”!!