وأثار منشور “كيف يكون التأسي بالنبي الخاتم” سؤالا:
“كيف ينقلب الصحابة على أعقابهم وقد قال الله تعالى فيهم:
“وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”؟
أقول:
1- لاشك أن الذين ارتدوا على أعقابهم من الصحابة، بعد وفاة النبي، ليسوا هم الذين رضي الله تعالى عنهم، وهذه مسألة بدهية!!
2- من الحقائق التاريخية، التي يعلمها الصغير قبل الكبير، ما يُسمى بحروب “الردة”، إذ ارتد كثير من الصحابة، ظنا منهم أن اتباع الرسول مقصور على حياته، ولقد حذرهم الله من هذا الانقلاب، فقال تعالى: “أَفَإِن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ”، فالآية فيها إنباء بالمستقبل!!
3- لقد بيّن الله تعالى في عشرات الآيات، أن (المنافقين) كانوا من الصحابة، وفريق منهم لم يعلمهم رسول الله حتى وفاته، ومن هذه الآيات قوله تعالى في سورة (التوبة /101):
“وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الأَعْرَابِ (مُنَافِقُونَ)” – “وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ)” – “لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ” – “سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ” – “ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ”!!
فالذين “مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ” كانوا من صحابة رسول الله، وطبعا ليسوا هم الذين رضي الله تعالى عنهم، هؤلاء الذين ورد ذكرهم في الآية (100) التي سبقتها، وهي قوله تعالى:
“وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ (مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ) وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ”!!
إذن، فهذه الآيات، من سورة التوبة، جاءت تبين لنا أصناف الصحابة، من حيث السبق إلى الإيمان، ومن حيث النفاق …، دون بيان لأسمائهم، حتى أن الرسول نفسه، لم يكن يعلم فريق منهم (لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ)!!
4- وهل يُعقل أن ينشق جماعة من الصحابة عن رسول الله، ويبنون لهم مسجدا في المدينة، يقيمون فيه الصلوات الخمس، وصلاة الجمعة؟!
نعم، لقد حدث هذا، ونزل القرآن يحذر الرسول من الصلاة في هذا المسجد، الذي أقامه هؤلاء الصحابة (المنافقون)، فتدبر:
“وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا (مَسْجِداً) ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ (وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى) وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ (لَكَاذِبُونَ)” – “لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً … الآية”!!
فبماذا نسمي هؤلاء الصحابة؟! وما الذي نتوقع أن يفعلوه في الصف الإسلامي بعد وفاة النبي؟!
5- لذلك لم يكن غريبا أن يحدث ما حذر الله منه الصحابة، وهو الانقلاب على الأعقاب بعد وفاة النبي، فماذا حدث؟!
– لقد اختلف الصحابة، ورسول الله على فراش الموت، حول مسألة (الخلافة)، التي مزقت الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب متخاصمة متقاتلة (إلى يومنا هذا)، أليس هذا انقلابا على الأعقاب!!
– ولقد قُتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان بأيدٍ مسلمة، والصحابة وجيش معاوية في الشام، لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا، أليس هذا انقلابا على الأعقاب!!
“وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً” – “فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ (خَالِداً فِيهَا)” – “وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ” – “وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً”!!
– وعلى أساس هذا التحذير الإلهي، ماذا سنقول في الدماء التي سفكت بغير حق (30 ألف نفس مسلمة)، على يد (أهل بيت النبي)، في موقعة الجمل:
جيش يقوده خليفة المسلمين (ابن عم النبي) علي بن أبي طالب، وجيش تقوده (زوج النبي)، أم المؤمنين عائشة …، أليس هذا انقلابا على الأعقاب، ولم يمض على وفاة النبي ربع قرن من الزمن (25 سنة)!!
6- لقد أسفر انقلاب الصحابة على أعقابهم، وسفك بعضهم دماء بعض، عن تفرق المسلمين في الدين، وقد حذرهم الله تعالى من ذلك، حيث قال:
“وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ” – “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً” – “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”!!
إن الصحابة (الذين رضي الله عنهم)، قد أعد الله تعالى لهم “جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً”، أما أتباع الفرق، الذين “فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً”، إذا لم يتوبوا إلى الله، ويخلعوا ثوب التفرق والمذهبية، وماتوا وهم على حالهم هذا، فقد أعد الله تعالى لهم جهنم وبئس المصير!!
“خُذْ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ”