نحو إسلام الرسول

(284) 23/10/2014 (عطاء الكلمة القرآنية وأزمة الترادف -3- والأخير)

ثالثا: إذا قمت بالبحث عن كلمة (قرآن) في معجم (مقاييس اللغة)، من أوله إلى آخره، فستجد أن (ابن فارس) استخدم كلمة (القرآن) بمعنى (الكتاب)، وبمعنى (الفرقان)، أي أنه يثبت “الترادف” في القرآن الكريم!!

فيقول في مادة (فرق): “الفاء والراء والقاف أُصَيلٌ صحيحٌ يدلُّ على تمييز وتزييلٍ بين شيئين. من ذلك الفَرْق: فرق الشعر. يقال: فرَقْتُه فَرَقاً. و(الفُرْقانُ): (كتاب الله تعالى) فَرَقَ به بين الحقِّ والباطل”.

وفي مادة (أمّ): “وأمّا الهمزة والميم فأصلٌ واحدٌ، يتفرّع منه أربع أبواب، وهي الأصل، والمرجِع….، وأمُّ (القُرآن): فاتحة (الكتاب). وأمُّ الكتاب: ما في اللّوح المحفوظ”.

وفي مادة (أيي): “الهمزة والياء والياء أصلٌ واحد، وهو النَّظَر ….، ومنه آية (القرآن)، لأنَّها جماعةُ حروفٍ، والجمعُ آيٌ”.

وفي مادة (تلو): “التاء واللام والواو أصلٌ واحد، وهو الاتِّباع. يقال: تَلَوْتُه إذا تَبِعْتَه. ومنه تلاوةُ (القُرآن)، لأنّه يُتْبِع آيةً بعد آية”.

وفي مادة (حزب): “الحاء والزاء والباء أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء ….، والطائفة من كلِّ شيءٍ حِزْبٌ. يقال قرأَ حِزْبَهُ من (القرآن)”.

وفي مادة (درس): الدال والراء والسين أصلٌ واحد ….، ومن الباب دَرَسْتُ (القُرآنَ) وغيرَه”.

وفي مادة (ظن): “الظاء والنون أُصَيْل صحيحٌ يدلُّ على معنينِ مختلفين: يقين وشكّ …. وهو في (القرآن) كثير”.

وفي مادة (قرع): “القاف والراء والعين معظمُ البابِ ضربُ الشيء. يقال قَرَعْتُ الشيءَ أقرَعُه: ضربتُه …، وقوارِعُ (القرآن): (الآياتُ) التي مَن قَرأها لم يُصِبْه فزَع”.

وفي مادة (عضو): العين والضاد والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تجزئةِ الشَّيء ….، قال الخليل: وقوله تعالى: “الَّذِينَ جَعَلُوا (القُرْآنَ) عِضِينَ”، أي عِضَة عِضة، ففرَّقوه، آمنوا ببعضه وكَفَرُوا ببعضه”.

وفي مادة (فـتح): “الفاء والتاء والحاء أصلٌ صحيح يدلُّ على خلافِ الإغلاق …، وفَواتحُ (القُرآنِ): أوائل السُّوَر”.

وغير ذلك من الأمثلة العشرات!!

وعند ذكره لـ (القرآن)، باعتباره (الكتاب) الجامع لآيات الذكر الحكيم كلها، قال:

– (بثّ): “الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره ….، وفي (القرآن): {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ}”.

– (بسق): “الباء والسين والقاف أصلٌ واحد ….، وفي (القرآن): “والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ”.

– (خسأ): الخاء والسين والهمزة يدلُّ على الإبعاد. يقال خَسَأْتُ الكلبَ. وفي (القرآن): “قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ”.

– (هود): “الهاء والواو والدال: أصلٌ يدلُّ على إرْوادٍ وسُكون …، وفي (القرآن): “إنَّا هُدْنا إلَيْكَ”.

– (عقب): العين والقاف والباء أصلانِ صحيحان ….، وفي (القرآن): “وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ”.

– (عبث): “العين والباء والثاء أصلٌ صحيح واحد ….، ومما قيسَ على هذا: العَبَثُ، هو الفعل لا يُفَعل على استواء وخُلوصِ صواب …، وفي (القرآن): “أفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً”.

– (غسق): “الغين والسين والقاف أصلٌ صحيح يدل على ظُلْمة. فالغَسَق: الظلمة. والغاسِق: الليل. ويقال: غَسَقت عينُه: أظلمت …، وأمّا الغَسَّاق الذي جاء في (القرآن)، فقال المفسِّرون: ما تقطَّرَ من جلود أهل النار”.

وغير ذلك من الأمثلة العشرات!!

ولكني سأتوقف عند الكلمة الأخيرة (غسق)، لأبين (كمثال فقط) موقف (ابن فارس) المتناقض من “الترادف”، وكيف أنه مرة يثبته، ومرة ينكره!!

انظر إلى قوله: “فالغَسَق: الظلمة”، وقوله بعدها: “والغاسق: الليل”، فهو هنا يثبت “الترادف”، ومعلوم فلكيا أن (الليل) تختلف درجات الظلمة فيه!!

لقد كان على (ابن فارس)، إذا كان حقا ينكر “الترادف” في القرآن، أن يقول: “فالغسق: شدة الظلمة”، وأن يقول: “والغاسق: الليل المظلم”، وليس مطلق الليل، لأن الله تعالى يقول في سورة الإسراء:

“أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى (غَسَقِ) (اللَّيْلِ)”

فالآية القرآنية تبيّن أن (غسق الليل) درجة من درجات ظلمة (الليل)، وليس هو (الليل) بمفهومه العام…، فهل كانت (المذهبية) السبب الرئيس في هجر فقهاء اللغة العربية للقرآن؟!

إن (السياق القرآني)، هو الذي يعلمنا (الفروق اللغوية)، وليس ابن فارس، ولا غيره، وإذا كانت هناك ضرورة للاستعانة بآراء فقهاء اللغة، فإن السياق القرآني، يجب أن يكون حاكما على هذه الآراء!!

إن فقهاء اللغة أنفسهم، وحتى نهاية القرن الرابع الهجري، لم يصلوا إلى مفهوم واضح لـ “الترادف”، ولا إلى الضوابط والشروط الحاكمة له، بل إنك لتجد الفقيه الواحد كـ (ابن فارس)، مرة يثبته، ومرة ينكره!!

فأية قراءة معاصرة للقرآن هذه، التي يتخذ صاحبها (التراث الديني) مرجعا، ثم يُحرّف ما اتخذه ويوظفه ليوافق هواه؟!

والسؤال: ماذا ستفعل في أمة، تفرقت: فأشركت بالله!!
وتخلفت: فأصبحت في ذيل الحضارة!!
وهجرت القرآن: فعمّ (الجهل) معظم أفرادها!!
وأصبح (الجهلاء) هم السلعة الرابحة التي يتاجر بها أصحاب القراءات الشاذة للقرآن؟!

أما (العلماء) فيمتنعون!!

وأخيرا … فإنني أرحب بأي نقد علمي جاد، يصحح خطأً وقعت فيه، أو قولا افتريته على د/ شحرور، أو دليلا لم أستخدمه في محله…، ولكني لن أقبل، على هذه الصفحة، أية إشادة بفكر د/ شحرور، أو مديحا، أو القول بأننا يمكن أن نأخذ منه الصحيح ونترك غيره…، فهؤلاء من الآن (بلوك)، وإن لم يبق على هذه الصفحة أحد!!

إن الإسلام دين إلهي، لا يقبل (التقليد الأعمى)، ولا (العشوائية الفكرية)، ولا (القراءات الشاذة للقرآن)، كقراءة د/ شحرور، الذي استغل جهل المعجبين بها، وأنهم ليسوا علماء، يستطيعون كشف عوراتها…، ففعل كما فعل فرعون مع قومه، استغل جهلهم وإعجابهم به..، فلما قال لهم (أنا ربكم الأعلى) أطاعوه، وسجدوا له!!

“(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) – (إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ)”

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى