نحو إسلام الرسول

(283) 23/10/2014 (عطاء الكلمة القرآنية وأزمة الترادف – 2)

تعالوا نرى كيف أخذ د/ شحرور بعين الاعتبار، “(هذا التطور الهائل لعلوم اللسانيات)، عند دراسة (آيات التنزيل الحكيم)، لفهمها بشكل (أفضل ومعاصر)”!!

يقول د/ جعفر دك الباب، في تقديمه لكتاب (الكتاب والقرآن)، مبينا المنهج اللغوي الذي تبناه د/ شحرور في مشروعه الفكري:

* “لذا اختار الباحث (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس واعتمده مرجعاً هاماً يستند إليه في تحديد فروق معاني الألفاظ التي بحث فيها”!!

– التعليق: اعتمد د/ شحرور (معجم مقاييس اللغة) لابن فارس مرجعاً في تحديد فروق معاني الألفاظ، وعلى هذا الأساس رفض المقولة السائدة التي ترى أن لفظتي “الكتاب” و”القرآن” مترادفتان، وأكد تباينهما وعدم ترادفهما…، فتعالوا نرى من هو (ابن فارس)، وكيف تعامل د/ شحرور مع معجمه.

إن (ابن فارس)، وغيره من فقهاء (اللغة العربية)، هم الذين صنعوا منظومة (اللغة العربية)، بعد نزول القرآن بقرن ونصف قرن من الزمن، أي بعد أن تفرقت الأمة الإسلامية إلى فرق ومذاهب مختلفة، وأصبح لكل فرقة علماؤها في اللغة، والتفسير، والحديث، والفقه!!

وابن فارس (ت395هـ)، أي أنه من علماء القرن الرابع الهجري، وهو (سني المذهب)، يتعامل مع منظومة (اللغة العربية) من وجهة نظر أهل السنة والجماعة، فكانت له رؤيته المذهبية في مسألة “الترادف”، تماما كما هو حال مذاهب أئمة التفسير والحديث والفقه!!

إن أول من أشار إلى مسألة “الترادف” هو سيبويه (ت 180هـ)، حين قسم علاقة الألفاظ بالمعاني إلى ثلاثة أقسام، فقال: “اعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد (نحو: ذهب وانطلق)، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين”!!

فلماذا اختار د/ شحرور ابن فارس (ت395هـ)، ولم يختر شيخه سيبويه (ت 180هـ) الذي يسبقه بقرنين من الزمن؟! ولماذا لم يختر مثلا ابن الأنباري (ت328هـ)، أو أبي علي الفارسي (ت 377هـ)، أو ابن عيسى الرماني (ت 384هـ)، أو ابن جني (ت 392هـ)، وقد كان معاصرا له؟!

لقد كان (ابن جني) من الذين يثبتون “الترادف”، واتبع في ذلك شيخه (أبي علي الفارسي)، الذي كان يعتبر “الترادف” من خصائص اللغة العربية، وله كتاب (الخصائص) رد فيه على منكري الترادف، وفند آراءهم!!

إذن فنحن أمام منظومة تراثية مذهبية، تابعة لمنظومة التراث الديني الأم، للفرق الإسلامية المختلفة، وهي منظومة (فقهاء اللغة العربية)!! فكيف نقرأ القرآن (قراءة معاصرة)، استنادا إلى (التراث الديني)، الذي حمل مذاهب أئمة وفقهاء السلف، في اللغة والتفسير والحديث والفقه؟!

هذا عن (ابن فارس)…، فكيف تعامل د/ شحرور مع معجمه (مقاييس اللغة)؟!

* يقول د/ شحرور تحت عنوان “مصطلح (الحديث) للقرآن فقط”:

“والأساس في (اللسان العربي) هو فعل “قرن”، فعند (ابن فارس) نرى أن فعل “قرأ” اشتق من فعل “قرن”، ومن هنا جاء معنى القراءة عند العرب”!!

– التعليق:
أولا، انظر كيف خلط د/ شحرور بين (اللسان العربي) و(اللغة العربية)، وابن فارس لم يسم معجمه (مقاييس اللسان العربي)، وإنما سماه (مقاييس اللغة)!! ثم المصيبة الأكبر أن ينسب إلى ابن فارس ما لم يقله، فيقول: “فعند ابن فارس نرى أن فعل (قرأ) اشتق من فعل (قرن)”!!

فتعالوا ننظر في مادة (قرن)، لنرى ماذا قال ابن فارس:

“القاف والراء والنون أصلانِ صحيحان، أحدهما يدلُّ على جَمعِ شيءٍ إلى شيء…، والقِران: الحبلُ يُقرَن به شيئانِ”…، ولم يذكر ابن فارس “أن فعل (قرأ) اشتق من فعل (قرن)” مطلقا…، فأين الأمانة العلمية، التي استأمن آلاف المعجبين، الدكتور شحرور عليها؟!

* وفي كتابه (الكتاب والقرآن) تحت (ثانيا: الذكر)، وقوله تعالى في سورة البقرة:

“شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ (الْقُرْآنُ) هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَ(الْفُرْقَانِ)”

يقول: “بما أن الفرقان جاء معطوفا على القرآن، يستنتج أن الفرقان غير القرآن”!!

– التعليق:
أولا: كلمة (فرقان) ليست معطوفة على (القرآن)، لأنها مجرورة بالكسرة لعطفها على الهدى، أما كلمة (القرآن) فمرفوعة بالضمة لنيابتها عن الفاعل..، فكيف تغيب أبجديات اللغة العربية عن صاحب قراءة معاصرة للقرآن؟!

ثانيا: هل قرأ “د/ جعفر دك الباب” هذه المصيبة الفكرية اللغوية، وهو الذي أشاد بالمنهج الفكري واللغوي الذي اعتمده د/ شحرور، واستناده إلى (مقاييس اللغة) لابن فارس؟!

إننا نجد في (اللسان العربي)، أن التباين بين اسم (الذات) واسم (الصفة)، ليس من “المترادفات”، وإنما من “عطاء الكلمة” في سياقها القرآني، فالكتاب، والقرآن، والفرقان، صفات لموصوف واحد هو (كلام الله)!!

فكيف يكون (القرآن) بعض آيات (الكتاب)، كما يدعي د/ شحرور؟!
أن إثبات تعدد الصفات، لا يلزم منه إثبات تعدد ذوات الموصوفين!! ألم يقرأ د/ شحرور يوما قوله تعالى:

“أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ (الْقُرْآنَ) أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”؟!

فهل يطلب الله تعالى من المكذبين تدبر (القرآن) كله، أم فقط بعض آياته، كما يدعي د/ محمد شحرور، صاحب القراءة المعاصرة للقرآن؟!

وللموضوع بقية … مع الجزء الأخير

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى