نحو إسلام الرسول

(280) 15/10/2014 (د/ شحرور … وأزمة الفكر الإسلامي -5 – الجزء الأخير)

يقول د/ محمد شحرور، في مقدمة كتابه (الكتاب والقرآن):

* “إنه لا يمكن أن يطلق اسم “الكتاب والقرآن” على شيء واحد، بل لا بد بينها من المغايرة: فالكتاب: هو “ما بين دفتي المصحف، وهو موحى من الله سبحانه وتعالى بالنص والمحتوى”، أما القرآن: “ليس إلا بعض آيات الكتاب: آيات الأخبار والمعلومات دون الأحكام والتشريعات”!!

التعليق: إن د/ محمد شحرور لا يعلم، أن كلمة (الكتاب) تشير إلى الكتاب الإلهي المنزل على جميع الرسل، وأن (القرآن) هو الاسم العلم لكتاب الإسلام، مثل اسم (التوراة) و(الإنجيل) …، وهي أسماء (الكتب) الإلهية السابقة، وهذه وحدها مصيبة كبرى!!

إن الله لم يطلب من المكذبين لنبيه محمد ولرسالته، أن يأتوا بمثل هذا القرآن، الذي هو بعض آيات الكتاب: آيات الأخبار والمعلومات دون الأحكام والتشريعات”، وإنما قال تعالى في سورة البقرة:

“وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا (نَزَّلْنَا) عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا (بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ”.

وقال تعالى في سورة الإسراء:
“قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ (هَذَا الْقُرْآنِ) لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً”.

إن الآيتين، تشهدان بأن المصحف الذي بين أيدينا، من أول سورة فيه إلى آخر سورة، يسمى (قرآنا)، ويسمى (كتابا)، وأن الذي يشك أنه من عند الله، يأتي بسورة من مثله!!

إن القرآن هو الكتاب، والكتاب هو القرآن، والفرق بينهما لا يتعلق بالمحتوى، وإنما بدلالات الكلمة، فالكتاب يدل على الشيء (المكتوب)، والقرآن يدل على الشيء (المقروء)!!

تدبر قول الله تعالى في سورة الحجر:
“الر تِلْكَ آيَاتُ (الْكِتَابِ) وَ(قُرْآنٍ) مُبِينٍ”.

وقوله تعالى في سورة النمل:
“طس تِلْكَ آيَاتُ (الْقُرْآنِ) وَ(كِتَابٍ) مُبِينٍ”.

– فهل فرق الله تعالى بين الكتاب والقرآن في الآيتين؟!

وتدبر قول الله تعالى في سورة الجن:
“قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا (قُرْآناً) عَجَباً”.

وقوله تعالى في سورة الأحقاف:
“قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا (كِتَاباً) أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ”.

– فهل فرق الجن بين الكتاب والقرآن في الآيتين؟!

إذن، فمن أين جاء د/ شحرور بأن القرآن: “ليس إلا بعض آيات الكتاب: آيات الأخبار والمعلومات، (دون الأحكام والتشريعات)”!!

* ثم انظر ماذا يقول عن (الكتاب): “لذا فإن الكتاب من حيث الآيات ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

1- الآيات المحكمات: وهي التي تمثل رسالة النبي، وقد أَطلق الكتاب عليها مصطلح أم الكتاب، وهي قابلة للاجتهاد حسب الظروف الاجتماعية والاقتصادية ما عدا العبادات والأخلاق والحدود.

2- الآيات المتشابهات: وقد أطلق عليها الكتاب مصطلح القرآن والسبع المثاني، وهي القابلة للتأويل وتخضع للمعرفة النسبية وهي (آيات العقيدة).

3- آيات لا محكمات ولا متشابهات: وقد أطلق عليها الكتاب مصطلح (تفصيل الكتاب)”.

التعليق: لقد قسم الله تعالى الآيات القرآنية إلى قسمين فقط وليس ثلاثة (كما يدعي د/ شحرور)، فقال تعالى في سورة آل عمران:

“هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ (مُحْكَمَاتٌ) هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ (مُتَشَابِهَاتٌ) فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ …”.

أما هذا القسم الثالث، (آيات لا محكمات ولا متشابهات)، الذي ابتدعه د/ شحرور، فهو البرهان الساطع، على أن مشروعه الفكري، قام على افتراء الكذب على الله تعالى، لصالح هذا الدين الجديد، الذي كشفت عن قواعده وأصوله في المنشورات السابقة!!

لذلك لم يكن غريبا على د/ شحرور، أن يضع الآيات المتعلقة بدلائل الوحدانية، وبأصول الإيمان الخمسة، التي يسميها (آيات العقيدة)، أن يضعها ضمن (الآيات المتشابهات)، أي الآيات: “القابلة للتأويل وتخضع للمعرفة النسبية”، على حد قوله!!

فهل يعقل أن تأتي (آيات العقيدة)، ضمن (الآيات المتشابهات)، التي حذر الله تعالى الناس من الخوض فيها، فقال تعالى في نفس الآية السابقة:

“فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ”؟!!

وهل يعقل، أن تكون الآيات القرآنية، التي تحدثت عن دلائل الوحدانية، وفاعلية أسماء الله الحسنى، والتي يسرها الله للذكر…، يكون من يتبعها، في قلبه مرض، ويبتغي الفتنة؟!

* لقد جعل د/ محمد شحرور الآيات المحكمات، والتي هي عنده أحكام الشريعة: من إرث وعبادات، وأخلاق ومعاملات، وأحوال شخصية، ومحرمات…، جعلها هي (الرسالة)!! ثم قال: “فإذا سأل سائل: هل آية الإرث من القرآن؟! فالجواب: لا، هي ليست من القرآن “النبوة” ولكنها من أم الكتاب “الرسالة”، وهي من أهم أجزاء الرسالة وهو الحدود”.

التعليق: ما معنى أن (آية الإرث) ليست من القرآن؟! إن القول بأن (أحكام الشريعة) ليست من (القرآن)، يعني نفي كل حكم ورد فيه لفظ القرآن، ومن ذلك:

– “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ (الْقُرْآنُ) هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ (فَلْيَصُمْهُ)…”.

– “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ (الْقُرْآنَ) وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً”.

– “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ (الْقُرْآنَ) أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”.

– “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ (الْقُرْآنُ) تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ”.

– “قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا (الْقُرْآنُ) لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ”.

– “وَإِذَا قُرِئَ (الْقُرْآنُ) فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.

– “فَإِذَا قَرَأْتَ (الْقُرْآنَ) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ”.

– “إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ” – “وَأَنْ أَتْلُوَ (الْقُرْآنَ) فَمَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنْ الْمُنذِرِينَ”.

وغيرها من عشرات الآيات الدالة على أن القرآن والكتاب منظومة تشريعية واحدة، وإن إخراج (أحكام الشريعة) من دائرة (القرآن) يعني أنها لم تعد (أحكام هداية)، والله تعالى يقول في سورة الإسراء:

“إِنَّ هَذَا (الْقُرْآنَ) يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ، وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا”.

إن الله تعالى عندما يقول في سورة الفرقان:
“وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا (الْقُرْآنَ مَهْجُورًا)”.

فهل هجر قوم الرسول القرآن كله، أم فقط “بعض آيات الكتاب: آيات الأخبار والمعلومات دون (الأحكام والتشريعات)”، كما يدعي د/ شحرور؟!!

* ولم يكن غريبا على د/ شحرور أن يقول: “ونحن نرى أن التحدّي للناس جميعاً بالإعجاز إنما وقع في الآيات (المتشابهات)، القرآن والسبع المثاني، وفي الآيات غير المحكمات وغير المتشابهات (تفصيل الكتاب)، حيث أن هذين البندين يشكلان (نبوة) محمد”..، ثم قال: “فكل آيات الأحكام ليست بمعجزة، ولا يقع بها تحدي، بل يمكن لأحد أن يأتي بمثلها”!!

التعليق: إن الله تعالى يقول:
“هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ (مُحْكَمَاتٌ) هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ (مُتَشَابِهَاتٌ)”.

أما د/ شحرور فيقول: وهناك آيات (لا محكمة ولا متشابهة)، وهذه وقع فيها التحدّي للناس جميعاً بالإعجاز!!!

إن الله تعالى يقول: إن (النبوة) تشمل الوحي بالقرآن كله، ود/ شحرور يقول: إن (النبوة) تشمل فقط (الآيات المتشابهات)، والآيات (غير المحكمات وغير المتشابهات)!!

إن الله تعالى يقول: إن (الآية القرآنية) تشمل جميع سور القرآن، ود/ شحرور يقول: إنها لا تشمل أحكام الشريعة، لأن البشر يستطيعون أن يأتوا بمثلها!!

وخلاصة القول: إن د/ محمد شحرور يكفر بالقرآن الذي أنزله الله على رسوله محمد، ويؤمن بالقرآن الذي فصّل آياته وكلماته حسب هواه، وذلك لصالح مشروعه الفكري!!

ولكن المأساة الأكبر، والمصيبة الأعظم، في آلاف التابعين لهذه القراءات الشاذة للقرآن الحكيم، الذين يعلنون على صفحاتهم، أن الفضل الكبير، في فهمهم وتدبرهم لكتاب الله، يرجع إلى د/ محمد شحرور، الذي هداهم إلى الطريق الصحيح لفهم اللسان العربي، واستنباط أحكام القرآن!!

“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً” – “الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً” – “أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً”.

 

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى