نحو إسلام الرسول

(279) 14/10/2014 ( د/ شحرور وأزمة الفكر الإسلامي – 4)

* إن د/ شحرور يدعو إلى قراءة القرآن قراءة حضارية معاصرة، تجعل كل الملل والنحل والأهواء (مسلمين)، وكلهم في (الجنة)، مستدلا بقول الله تعالى في سورة آل عمران: “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ”، وذلك على أساس أن المرء يكون مسلما، إذا التزم بـ (الإيمان بالله) و(اليوم الآخر)، و(العمل الصالح)، و(الإحسان)..، من غير أن يتبع النبي الخاتم محمد!!

التعليق: إن سياق هذه الآية (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، يهدم قراءة د/ محمد شحرور المعاصرة للقرآن من قواعدها، ذلك أن الدين الذي يقبله الله تعالى يوم القيامة، هو الدين الذي أنزله على النبي (الخاتم) محمد، وأمر الناس (جميعا) باتباعه، وتعالوا نتدبر سياق الآية:

– “إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ” … “وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ” … “وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ”.
– “فَإِنْ حَاجُّوكَ” … “فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي” … “وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ” … “فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدْ اهْتَدَوا” … “وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ” … “وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ”.
– “إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ” … “وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ” … “وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ” … “فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ”.
– “أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ” … “وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ”.

فيا أهل التدبر … إن القرآن كله، وليس فقط هذه الآية، يدعو الناس (جميعا) إلى اتباع النبي الخاتم محمد، ويحكم على الذين خالفوا ذلك بالكفر، ويبشرهم بعذاب أليم في الآخرة، ثم يأتي د/ محمد شحرور، بدينه الجديد، ويدخلهم الجنة!!

تعالوا نرى ماذا يقول د/ شحرور عن (الإيمان بالله)، الذي هو عنده الركن الأول للإسلام، والذي لا يشترط فيه الإيمان بالنبي:

* “ومن هنا نفهم الآية التي زعموا أنها تحوي أركان الإيمان وهي قوله تعالى:
“آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ”. هنا نلاحظ قوله المؤمنون جاءت بعد الرسول، وبما أن أتباع محمد (ص) هم المؤمنون قال: والمؤمنون كل آمن …”.

التعليق: هذه هي ثمار المنهج العشوائي، الذي يتبعه د/ شحرور في مشروعه الفكري التنويري!! إنه يحصر (الإيمان) في أتباع النبي محمد، ويفهم الآية على ذلك، ولا يعلم أن الأصول الإيمانية الواردة في هذه الآية، هي أصول إيمان جميع الأنبياء، ومن اتبعهم من (المؤمنين)!!

يقول الله تعالى في سورة النساء عن المؤمنين من أهل الكتاب:
“لَكِنْ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَ(الْمُؤْمِنُونَ) يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً”.

ويقول الله تعالى في سورة يونس:
“وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ (الْمُؤْمِنِينَ)”.

ويقول الله تعالى في سورة الأنبياء عن ذي النون:
“فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي (الْمُؤْمِنِينَ)”.

ويقول الله تعالى في سورة القصص:
“وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنْ (الْمُؤْمِنِينَ)”.

وغير ذلك من عشرات الآيات، التي تبين أن (الإيمان) ليس حكرا على رسول من الرسل، ولا على أتباع رسول دون غيرهم!!

ويضع الله القاعدة العامة لهذا (الإيمان) الذي محله القلب، فيقول تعالى في سورة النحل:
“مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ”.

إن الآية تحمل تحذيرا لكل من (آمن) من العود إلى الكفر، ولأن (الإيمان) إقرارٌ وتصديقٌ، محله القلب، استثنى من عموم من الكفر، من أُكره فأظهر الكفر بالقول (وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ).

إن (الإيمان) محله القلب، أما (الإسلام) فإسلام الجوارح وتسليمها لأحكام الشريعة، ولقد جاء السياق القرآني يُبيّن هذا الفرق بوضوح:

فعن (الإيمان) يقول الله تعالى في سورة الأعراف:

“وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا (أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)”.

ويقول تعالى في سورة الشعراء:
“قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ” – “قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ” – “إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَنْ كُنَّا (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ)”.

إن هذه الجملة القرآنية، (أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)، وردت فقط في هاتين الآيتين من كتاب الله، ونلاحظ أن سياق الآيتين، يتحدث عن إقرار القلب وتصديقه بـ (الوحدانية)!!

وعن (الإسلام) يقول الله تعالى في سورة الأنعام:

“قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ” – “لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا (أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)”.

ويقول تعالى في سورة الزمر:
“قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ” – “وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ (أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)” – “قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ”.

وإن هذه الجملة القرآنية، (أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ)، وردت فقط في هاتين الآيتين من كتاب الله، ونلاحظ أن سياق الآيتين، يتحدث عن إخلاص (العبودية) لله، والتسليم لأحكام (الشريعة)!!

ويستحيل أن يأتي السياق القرآني كله، ببيان أن (الإيمان) هو عمل القلب، وأن (الإسلام) هو تسليم الجوارح لله تعالى ولشريعته…، ثم نقبل من د/ شحرور دينه الجديد، الذي يقوم على استبدال الإسلام بالإيمان!!

ثم يخرج علينا د/ شحرور ببدعة جديدة، نتيجة فهمه لقوله تعالى في سورة الروم:
“فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”.

* يقول: “لابد أن تكون أركان هذا الإسلام فطرية مقبولة تتماشى بشكل طبيعي مع ميول الخلق…، ثم يسأل: فهل الشعائر (إقامة الصلاة – الصوم – حج البيت – الزكاة) التي افترضوا أنها من أركان الإسلام فطرية؟!”.

التعليق: إن إقامة الوجه: ضبط اتجاهه إلى الأمام، دون الالتفات يمينا أو شمالا.
وإقامة الوجه للدين: ضبط وجه الإنسان في اتجاه الدين الذي أنزله الله على رسوله محمد، لقوله تعالى بعدها، مخاطبا الرسول والذين آمنوا معه:

“مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ” – “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”.

و(حنيفا): لا شائبة فيه، ولا ميل إلى الشرك، تدبر قوله تعالى في سورة آل عمران:
“قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ (حَنِيفاً) وَمَا كَانَ مِنْ (الْمُشْرِكِينَ)”.

و(فطرة الله): في معنى الحال من (الدين)، أي أن الناس يولدوا على (الدين الحنيف)، الذي لا يعرف (الشرك)، وهذه هي (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا)!!

إن (فِطْرَةَ اللَّهِ) مسألة تتعلق بملة (الوحدانية)، أي مسألة (قلبية)، أما أحكام الشريعة (إقامة الصلاة – الصوم – حج البيت – الزكاة) فهذه هي الصورة العملية، الدالة على إسلام الوجه لله تعالى، وتفعيل هذه (الفطرة) سلوكا عمليا في واقع الحياة!!

لذلك بيّن الله تعالى أن (الدين القيم)، هو الذي يقوم على ملة (الوحدانية): “ذَلِكَ (الدِّينُ الْقَيِّمُ) وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ”. وفي هذا السياق يقول الله تعالى في سورة النساء:

“وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) وَاتَّبَعَ (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً) وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً”.

إن أحسن دين، هو الدين الذي يقوم على (مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)، وهي الإقرار والتصديق بأصول الإيمان الخمسة، وإسلام الوجه لله، والتسليم لأحكام شريعته!!

أما د/ محمد شحرور، فيستبعد أحكام الشريعة من (الدِّينُ الْقَيِّمُ)، لأنها تتعارض مع (الفطرة) … فهل هذا معقول يا أهل التدبر؟!!!

وللموضوع بقية … مع الجزء الأخير

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى