نحو إسلام الرسول

(275) 2/10/2014 (آية الزواج – 11)

أما الآيات التي تحدثت عن الفريق (الذي آمن) ولم يعلن إسلامه، فقوله تعالى في سورة آل عمران:

* (لَيْسُوا سَوَاءً) مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ (أُمَّةٌ قَائِمَةٌ) يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ [113] يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ [114] وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ [115] … تدبر جملة (أُمَّةٌ قَائِمَةٌ)، أي قائمة على اتباع الرسالات، وآخرها رسالة النبي الخاتم محمد!!

وقوله تعالى في سورة آل عمران
* وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ (وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ) وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [199]

وقوله تعالى في سورة المائدة:
* لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ (قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً) وَأَنَّهُمْ (لا يَسْتَكْبِرُونَ) [82] … وَإِذَا سَمِعُوا (مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ)، تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ (مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ) يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا (فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [83] … (وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ)، وَمَا جَاءَنَا مِنْ الْحَقِّ، وَ(نَطْمَعُ) أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ (الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [84]

وقوله تعالى في سورة التوبة:
* قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [29]

تدبر سياق هذه الآية، لتعلم أن (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) فريق (يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) وَ(الْيَوْمِ الآخِرِ) و(يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ) وَ(يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ)، وهذا الفريق لم يفرض الله تعالى عليه (الجزية)، إنما فرضها فقط على (المعتدين)، الذين لم يؤمنوا (مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)!!

إذن عندما استثنت الشريعة الإسلامية من الأنكحة المحرمة عقد نكاح (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، كان ذلك لأنهن من الفريق الذي آمن، المتمسكات بأصول الإيمان، لا يختلفن عن “الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ” إلا في إعلان إسلامهن!!

وهنا يجب أن نعلم: أن إظهار الزوج (رجلا كان أو امرأة) الولاء للإسلام، في هذه المرحلة الانتقالية، من عصر التنزيل واكتمال الدين، قد يكون (نفاقا) للإبقاء على الرابطة الزوجية، استنادا إلى الآية [5] من سورة المائدة، ويظل هذا المنافق (أو المنافقة) يداهن، ولا يلتزم بتفعيل أصول الإيمان في حياته، حتى بعد زوال أسباب منعه من إعلان إسلامه!!

لذلك أرى أن الحكمة في عدم ورود (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) ضمن (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ)، تكمن في طبيعة هذه المرحلة الانتقالية، حتى يتبين حقيقة (إيمانهن)، تماما كامتحان المؤمنات المهاجرات، الذي ورد في سورة الممتحنة:

“فَإِنْ (عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ”

لذلك نلاحظ أن الله تعالى حذر الزوجين، في ختام الآية [5] من سورة المائدة، بقوله تعالى:

“وَمَنْ يَكْفُرْ (بِالإِيمَانِ) فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ”

إن قوله تعالى (وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ) يقتضي وجود إقرار سابق بهذا (الإيمان)، وهذا دليل على أن إباحة (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) كان مشروطا بإقرارهن السابق بأصول الإيمان، ولما كان هذا الإقرار مسألة قلبية، لا تظهر حقيقتها إلا من خلال التعاملات ومواجهة التحديات، جاءت الآية تحذر الزوجين من الإخلال أو التهاون في الالتزام بأصول الإيمان!!

فهل يعقل أن تأتي (إباحة) نكاح (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) مع افتقاد الزوجين “الرابطة الإيمانية”، ثم بعدها يأتي (تحريم) النكاح الذي يفتقد هذه “الرابطة الإيمانية”، بقوله تعالى: “وَمَنْ يَكْفُرْ (بِالإِيمَانِ) فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ، وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ”؟!!

وإن اللافت للنظر، أنه على الرغم من أن نكاح (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) من المسلمات البدهية، التي يستحيل أن يكون هناك أحد من المسلمين قد سأل عن حكمها، كي يتضمنها سياق ما أحله الله للمسلمين…، إلا أن مجيئها في هذا السياق دليل على وجوب التزام (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) بما التزم به (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) من أصول الإيمان الخمسة!! وبذلك تصبح شروط الإبقاء على عقد نكاح المسلم من (الكتابية) التي لم تعلن إسلامها هي:

أولا: أن تكون المرأة مقرة بأصول الإيمان الخمسة.

ثانيا: أن يكون الزوج (الذي أسلم)، قد أعطى زوجه أجرها (مهرها) وقت العقد: “(إِذَا) آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ”، وإلا وجب عليه أن يدفع هذا الأجر بعد إسلامه.

ثالثا: الامتناع عن كل مظاهر الجاهلية: “مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا (مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ)”.

إن الذين أباحوا (الزواج المختلط)، وقالوا إن القرآن لم يشترط الإقرار بأصول الإيمان الخمسة، وأن صفة (الإيمان) تعني (الأمن والأمان)، هؤلاء هم الخطر القادم، المدمر للفكر الإسلامي، ولتفيعل أحكام الشريعة القرآنية على وجهها الصحيح!!

إن ما ذكرته سابقا من موضوعات (آية الزواج 1-11)، كان يمكن اختصاره في صفحة واحدة، ولكن، ولأهمية هذا الموضوع من الناحية الشرعية، خاصة وقد وضعت له عنوانا: (الزواج المختلط: محرم شرعا، وكبيرة من الكبائر، تجعل المصر عليها، في جهنم خالدا فيها)، كان لابد من سد ثغراته، وكشف شبهاته، ليؤمن من يؤمن على بينة، ويكفر من يكفر عن بينة!!

ويعترض البعض على قولي: (“الزواج المختلط”، محرم شرعا، وكبيرة من الكبائر، تجعل المصر عليها، في جهنم خالدا فيها)، وكأن محمد مشتهري، قد جعل من نفسه إلها، يشارك الله في حكمه، فأصدر هذا الحكم!!

والحقيقة، أني أجد نفسي عاجزا عن وصف هؤلاء، بغير الصفة التي وصفهم الله تعالى بها وهي أنهم: (لا يسمعون)، وإذا سمعوا (لا يعقلون)، وإذا عقلوا (لا يفقهون)، وإذا فقهوا (لا يتدبرون): “أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”!!

إن كل المقدمات، والحيثيات، والأدلة، والبراهين، والآيات القرآنية…، التي حملتها هذه المنشورات، هي التي أصدرت هذا الحكم!!

لذلك أقول: إن هذا الموضوع (“الزواج المختلط”، محرم شرعا، وكبيرة من الكبائر، تجعل المصر عليها، في جهنم خالدا فيها) قد بذلت فيه هذا الجهد العلمي، ليكون نموذجا لكيفية التعامل مع علم (السياق القرآني) في استنباط الأحكام، ولو كان حكما واحد!!

إن الذين أباحوا (الزواج المختلط)، يحرم شرعا أن يؤخذ منهم دين، ولو كانوا يحملون (نوبل) في جميع التخصصات العلمية، ذلك أننا أمام دين إلهي، لا يقبل أن نتعامل معه بدون منهج علمي، يحمل أدوات لفهم نصوصه!!

لذلك جعل الله تعالى من المحرمات التي تتساوى مع الشرك بالله (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، فتدبر:

قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً) (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)!!

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى