نحو إسلام الرسول

(272) 29/9/2014 (آية الزواج – 9)

(الزواج المختلط: محرم شرعا، وكبيرة من الكبائر، تجعل المصر عليها، في جهنم خالدا فيها)
لقد كان من الطبيعي، في المرحلة الانتقالية (من الجاهلية إلى الإسلام)، أن تكثر أسئلة المسلمين، وتتنزل الآيات، لتواجه تحديات هذه المرحلة، في عصر التنزيل واكتمال الدين!! هذا ما يجب أن نضعه نصب أعيننا، ونحن نتدبر سياق الآيات [4-5] من سورة المائدة.
– (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ) – (قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ …)
– (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)
– (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)
– (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)
هذا واقع كان موجودا في عصر التنزيل واكتمال الدين، ونزلت الآيات بتشريعات تواجه تحدياته، وعلينا نحن اليوم أن نتدبر جيدا هذه الآيات، لنقف على طبيعة هذه التشريعات، وهل كانت تشريعات خاصة بهذه المرحلة الانتقالية، أم عامة؟!
عندما نتدبر هذه الآية، نلاحظ ما يلي:
1- أن الله تعالى خص أحكامها بـ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، وليس بـ (أهل الكتاب)، فلماذا؟!
2- أن الله تعالى عند بيان حكم (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) قيده بزمن معين فقال: (مِنْ قَبْلِكُمْ)، أما عندما تحدث عن أحكام (الطعام) لم يقيدها بزمن، فقال تعالى: (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ …) ولم يقل (مِنْ قَبْلِكُمْ)، فلماذا؟!
أولا: من هم (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)؟!
هم الذين (حملوا علم) التوراة والإنجيل، من اليهود والنصارى، الموجودين في عصر الرسالة، وكانوا هم أقرب الناس لمعرفة الحق، الذي جاء به النبي الخاتم، إلا أنهم انقسموا إلى فريقين: فريق كان متمسكا باتباع كتابه، لذلك كان هو الأسرع إلى الإيمان بالنبي الخاتم، والآخر كفر به، فتدبر:
1- وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ (فَرِيقٌ) مِنْ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ (كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [101] البقرة
2- يَا أَيُّهَا (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا (مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ) مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [47] النساء
3- وَمَا تَفَرَّقَ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ [4] (وَمَا أُمِرُوا) إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ (مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [5] البينة
ولأن الفريق الذي كان متمسكا بكتابه، هو الأقرب إلى اتباع النبي الخاتم، تعامل معه السياق القرآني بمنزلة المؤمنين، فتدبر:
4- وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاَّ مَلائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وَيَزْدَادَ (الَّذِينَ آمَنُوا) إِيمَاناً (وَلا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وَ(الْمُؤْمِنُونَ) وَلِيَقُولَ (الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) وَ(الْكَافِرُونَ) مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ [31] المدثر
إذن فهناك فريق من (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، لم يصفهم الله تعالى لا بالنفاق، ولا بالكفر، ولا بالشرك (قياسا)، وهؤلاء هم الذين ورد ذكرهم في قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) بدليل الجملة التي سبقتها، والتي تعتبر في منزلتها التشريعية، وهي قوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ)!!
إن ورود جملة (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) في سياق ما أُحل للمسلمين، أمر يحتاج إلى تدبر!! لأنه لا يعقل أن يسأل المسلمون عن حكم نكاح (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) لينزل به قرآن يبيّنه!! إذن فما الحكمة في ورود هذه الجملة في هذا السياق، وقبل ذكر (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) مباشرة؟!
الحكمة، حسب ما سبق بيانه، أنه يستحيل أن تكون (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) من الفريق الذي كفر، لأنهن محرمات بقوله تعالى: (وَلا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ)، وقوله تعالى: (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، لذلك جاء تقدم ذكر (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ) ليقاس على حكمهن (الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، وهو ما يعرف بالمفهوم الضمني، وهو هنا (بدلالة السياق)، وليس (عشوائيا) كما يستخدمه البعض!!
ثانيا: لماذا استخدم السياق كلمة (مِنْ قَبْلِكُمْ) عند الحديث عن مسألة النكاح، ولم يستخدمها عند الحديث عن مسألة (الطعام)؟!
لأن أحكام (الطعام) ممتدة إلى قيام الساعة، أما أحكام الأنكحة التي كانت موجود في الجاهلية، وجاء الإسلام فحرمها (كالجمع بين الأختين) كان عصر التنزيل واكتمال الدين هو الحد الفاصل، الذي تنتهي عنده هذه الأحكام الاستثنائية، فكان لابد أن يلفت السياق النظر إلى ذلك، بهذه الزيادة (مِنْ قَبْلِكُمْ)!!
إنك إذا تدبرت جميع الآيات التي وردت فيها جملة (من قبلكم)، ستجد جميعها جاءت تتحدث عن موضوع يتعلق بزمن مضى، ثم يتبيّن لنا من سياق الآية، علاقة هذا الزمن الماضي بالحاضر، وهذه بعض الأمثلة:
أ- إقامة الحجة، كقوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ (مِنْ قَبْلِكُمْ) لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
ب- فرض شريعة كانت موجودة من قبل، كقوله تعالى:
“يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ (مِنْ قَبْلِكُمْ) لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”.
ج – أخذ العظة والعبرة من الأمم السابقة، كقوله تعالى:
“قَدْ خَلَتْ (مِنْ قَبْلِكُمْ) سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ”.
د- الحديث عن طائفتين، يواجهان تحديا واحدا، وهنا يأتي ذكر (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ)، (حصريا) في أربعة مواضع:
1- “لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ (أُوتُوا الْكِتَابَ) (مِنْ قَبْلِكُمْ) وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيراً”!!
* المؤمنون يواجهون (الأذى) من الذين أُوتُوا الْكِتَابَ ومن الَّذِينَ أَشْرَكُوا!!
2- “وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ (أُوتُوا الْكِتَابَ) (مِنْ قَبْلِكُمْ) وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهَ”!!
* الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ، والمسلمون، يواجهون (الوصية بتقوى الله)!!
3- “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنْ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) (مِنْ قَبْلِكُمْ) وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ”!!
* المؤمنون يواجهون (تحريم الولاء) للذين أوتوا الكتاب والكفار!!
4- “وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ (الْمُؤْمِنَاتِ) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ (أُوتُوا الْكِتَابَ) مِنْ قَبْلِكُمْ”!!
* المؤمنون يواجهون حكم (إباحة نكاح) “الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ”، وهنا يستحيل أن يحمل حكم الإباحة متناقضين: (الإيمان)، و(الكفر)، الأمر الذي يستلزم أن يكون شرط (الإيمان) قائما في الحالتين!!
لذلك، وكما قلت في أولا، فقد تقدم ذكر “الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ” ليقاس على حكمهن “الْمُحْصَنَاتُ (المؤمنات) مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ”، وهو ما يعرف بالمفهوم الضمني، وهو هنا (بدلالة السياق)، وليس (عشوائيا) كما يستخدمه البعض!!
وللموضوع بقية…، للرد على مزيد من الشبهات، في ضوء هذه الآيات من سورة آل عمران (فلنتدبرها جيدا):

– إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ (الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) إِلاَّ مِنْ بَعْدِ مَا (جَاءَهُمْ الْعِلْمُ) بَغْياً بَيْنَهُمْ (وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ) فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [19]
– فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ (أَسْلَمْتُ وَجْهِي لِلَّهِ وَمَنْ اتَّبَعَنِي) وَقُلْ (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ) وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ (فَإِنْ أَسْلَمُوا) فَقَدْ اهْتَدَوا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ [20]
– إِنَّ (الَّذِينَ يَكْفُرُونَ) بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) [21]

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى