[مفهوم الإيمان والإسلام في الشريعة الإسلامية]
بعد أن يعرف الإنسان ربه، ويشهد شهادة (علمية) أنه: (لا إله إلا الله) – وأن (القرآن حق) – وأنه الآية الدالة على صدق (نبوة النبي الخاتم محمد) …، بعد هذه الرحلة الفكرية الإيمانية، يدخل الإنسان في (الإسلام)، وإن أول مقتضى من مقتضيات هذا (الإسلام) هو أن (يُسلم) الإنسان وجهه لله تعالى:
– “وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ (أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ) وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً”!!
إنه بعد دخول (الإيمان) قلب المسلم، وبعد إقرار وتصديق (القلب) بأصول (الإيمان)، تصبح حياة (المسلم) كلها (تسليما) (لله تعالى):
– “قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) – “لا شَرِيكَ لَهُ” – (وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) – (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)”.
– “فَلا وَرَبِّكَ (لا يُؤْمِنُونَ) حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)”.
إن (المسلم) هو الذي (أسلم) وجهه لله تعالى، وأقام حياته وفق مقتضيات (الإيمان) التي وقرت في (قلبه)، وهذا ما بيّنه قوله تعالى:
“قَالَتْ الأَعْرَابُ (آمَنَّا) قُلْ (لَمْ تُؤْمِنُوا) وَلَكِنْ قُولُوا (أَسْلَمْنَا) وَلَمَّا يَدْخُلْ (الإِيمَانُ) فِي قُلُوبِكُمْ، وَإِنْ (تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ”!!
إن الأعراب خرجوا إلى الناس وهم يظهرون (الإسلام)، دون إقرار بـ (أصول الإيمان) ولو أنهم أقروا بها، لظهر ذلك في تفعيل أحكام الشريعة الإلهية في حياتهم، سلوكا عمليا، وهذا ما بينه قوله تعالى:
وَإِنْ (تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ) – (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً)!!
أي فإن أقررتم وسلّمتم لأحكام الشريعة (تسليما)، تقبل الله (أعمالكم)!! وهذا دليل على أن دخول الإيمان القلب، يستلزم ظهوره على الجوارح!! فإن ما في القلب، يجب أن يطابق ما على اللسان، وما يحدث في الواقع من أعمال (دون أدنى ريب)، فتدبر:
“(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ) الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ (لَمْ يَرْتَابُوا) وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ (الصَّادِقُونَ)”
إن (آية الزواج)، في صورتها الإيجابية (التي رضى الله عنها)، هي منظومة من التفاعل بين ما في (القلب) وما تفعله (الجوارح)، تفاعل بين (الإيمان) و(العمل الصالح)، في إطار السكن الزوجي، ومشاعر (المودة والرحمة)، فكيف يتحقق ذلك في (الزواج المحتلط)؟!
هل يمكن أن يقوم (حب) حقيقي بين زوجين، على (مشاعر مختلطة) بين (الإسلام والشرك)؟!!
هل يمكن أن يقوم (حب) حقيقي بين زوجين، في ظل تفعيل أحدهما لأصول الإيمان الخمسة (وليس منها القضاء والقدر) التي بيّنها قوله تعالى:
“وَمَنْ يَكْفُر… (بِاللَّهِ) – وَ(مَلائِكَتِهِ) – وَ(كُتُبِهِ) – وَ(رُسُلِهِ) – وَ(الْيَوْمِ الآخِرِ) … فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً”!!
إن الذين يُبيحون (الزواج المختلط)، يستندون إلى معنى واحد من معاني (الإيمان)، وهو (الأمن والأمان)، في الوقت الذي يُستعمل فيه (الإيمان) في (اللسان العربي) باستعمالات متعددة، فتعالوا نلقي نظرة سريعة عليها.
1- إما أن يتعدى الإيمان (بنفسـه):
فيكون معناه (التأمين)، أي إعطاء (الأمان)، تقول: آمنت فلانا إيمـانا، وأمنته تأمينا، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها: “وَ(آمَنَهُمْ) مِنْ خَوْفٍ”، “مَا لَكَ لا (تَأْمَنَّا) عَلَى يُوسُفَ”.
2- وإما أن يتعدى الإيمان بـ (الباء) أو (اللام):
فيكون معناه الإقرار والتصديق (بـ) أو (لـ)، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها قوله تعالى على لسان فرعون: “قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ (بِهِ) قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ” – “قَالَ آمَنْتُمْ (لَهُ) قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ”!!
3- وإما أن تأتي كلمة (الإيمان) غير متعلقة بشي:
فيكون معناها (مطلق الإقرار والتصديق) بـ (أصول الإيمان)، كقوله تعالى:
– “وَ(الْمُؤْمِنُونَ) وَ(الْمُؤْمِنَاتُ) بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ”.
– “وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ (الْإِيمَانَ)”.
– “مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ (الْإِيمَانُ)”.
4- كما يأتي (الإيمان) و(الأمن) في سياق واحد، كقوله تعالى:
“الَّذِينَ (آمَنُوا) وَلَمْ يَلْبِسُوا (إِيمَانَهُمْ) بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ (الأَمْنُ)”!!
وفي جميع الاستعمالات، فإن الذي يحدد المعنى المستخدم في السياق (هو السياق نفسه) وبأي أدوات تفهمه!!
إن الله تعالى لو أراد أن تقوم (الحياة الزوجية) على رابطة (الأمن والأمان) لنص على ذلك صراحة، ولقال (مثلا): “فَإِنْ (أَمِنَ) بَعْضُكُمْ بَعْضًا”، فأقيموا (الزواج)!!
لذلك أقول: لم تكن هجرة (المؤمنات)، في قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ (الْمُؤْمِنَاتُ) مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ”، لم تكن هجرتهن من أجل (الأمن والأمان)، لأن المنطق يقول إن (أمنهن وسلامتهن) في مكة، وليس بين المتربصين بهم في المدينة!!
لقد هاجر (المؤمنات) بعد (إيمان) و(تصديق) و(إقرار) برسالة محمد…، ولما كان ذلك كله موطنه القلب، أمر الله المسلمين أن يتحققوا من هذا (الإيمان)، وهل هاجرن حقا لاتباع النبي ومبايعته، أم لسبب آخر؟! فقال تعالى بعدها:
(فَامْتَحِنُوهُنَّ) – (اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ)
ثم تحدث السياق بعد ذلك عن البيعة:
“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ (الْمُؤْمِنَاتُ) – (يُبَايِعْنَكَ) عَلَى أَنْ (لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً)…”!!
فإذا تشرب القلب أصول الإيمان، وأخلص عبوديته لله، والتزم بشريعته، فإنه (يحرم) على صاحبه، أن يظل مرتبطا بروابط (إيمانية) مع غير المؤمنين، وهذا ما بيّنه قوله تعالى بعد ذلك:
(فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ) – (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) – (لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ) – (وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ)…!!
ثم بعدها، وفي نفس السياق، يقول تعالى: “وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)…!!
* كيف … بعد هذا البيان القرآني (المفصل المتكامل) لطبيعة وخصائص ومقومات (آية الزواج) … يخرج علينا من يدافع عن (الزواج المختلط)، رافعا راية (المفكر الإسلامي الكبير)؟!
وللموضوع بقية … لنحسم شبهة الآية (5) من سورة المائدة!!