لقد خلق الله تعالى الكون، ثم خلق الإنسان، واستخلفه فيه، وزوده بآليات عمل قلبية (آليات التفكر، والتعقل، والتدبر، والنظر …) ليقف على دلائل الوحدانية في الآفاق والأنفس، وإن من آيات الأنفس (آية الزواج)، قال تعالى:
“وَمِنْ (آيَاتِهِ) أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ (أَزْوَاجاً) لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ (مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ (يَتَفَكَّرُونَ)”!!
تدبر قوله تعالى: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون”، وما فيه من إشارة إلى وجوب إعمال (آلية التفكر)، للوقوف على الحكمة، في ورود (آية الزواج)، وسط منظومة من (الآيات الكونية)، تبدأ بالآية [17] من سورة الروم، حيث يقول الله تعالى:
“فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ” – “وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ”.
وتنتهي عند الآية [27] حيث يقول الله تعالى:
“وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ”!!
ووسط هذه الآيات الساجدة المسبحة تأتي (آية الزواج) [21]:
“وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”!!
إن الحكمة (حسب ما أرى) تكمن في وجوب أن تقوم (منظومة الزواج) بين البشر، على الطاعة المطلقة لله تعالى، تأسيا بالكون من حولهم!!
ونلاحظ أن الآية جاءت بفاء التفريع في قوله “فسبحان”، لبيان ما يجب على الكون (والإنسان) من إيفاء حق التسبيح والسجود والتنزيه والتعظيم والإجلال لخالقه عز وجل!!
وكما أن هناك آيات إيجابية (حسب رؤية الإنسان لها) فهناك أيضا آيات سلبية!! أي أن (الآيات الكونية) قد تحمل الخير والشر في آن واحد (أي سلاح ذو حدين)!! فالثعبان مثلا آية من آيات الله الكونية، وفيه منافع للناس، وفي نفس الوقت فهو ضار بهم!!
وإن (آية الزواج)، كما أنها قد تنفع الإنسان (إن هو أطاع الله تعالى فيها)، فإنها قد تضره (إن هو عصى الله تعالى فيها)، وفي الحالتيين: فالآية قائمة بين الناس، وعلى أساسها خرج هذا الوجود البشري، بكل ملله ونحله، وكفره وإسلامه!!
فإذا نظرنا إلى تفعيل (آية الزواج)، وفق شريعة الله التي أمر الناس باتباعها، وجدنا أن أول تطبيق عملي لهذا التفعيل كان في بيت النبوة الخاتمة، فتدبر:
“وَاذْكُرْنَ (مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ) مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا”
إن (التذكر) تفاعل (قلبي) مع ما يتلى من آيات الكتاب، وتفعيلها سلوكاً عملياً في واقع الحياة!! و(الحكمة) تفاعل (علمي) يربط بين آيات الكتاب وآيات الآفاق والأنفس، وبين الواقع المعاصر بتحدياته المختلفة.
لذلك كان من الضروري أن يُحسن (الزوج) اختيار (زوجه) المتناغم معه إسلاميا، وإيمانيا، وفكرياً…، فالبيت المسلم جزء من هذا الوجود المسبح الحامد الساجد لخالقه.
وإن (نشأة الذرية) في بيئة مسبحة حامدة ساجدة لله تعالى، تفعيل للميثاق الغليظ الذي أخذه الله على الزوجين، وإقرار من جميع أفراد الأسرة بـ (العبودية الخالصة) لخالقهم.
إننا يجب أن ننظر إلى (آية الزواج) بفهم واع لمقاصدها العليا الدالة على عظمة القدرة الإلهية، وما تحمله من دروس في أعلى مستوى تربوي يمكن أن يتخيله الإنسان.
وإن مجيء (آية الزواج) وسط هذه المنظومة من (الآيات الكونية) الساجدة المسبحة، التي شملت الكون كله، يوحي بأن الله تعالى يريد أن يلفت نظر الأزواج (الرجل وامرأته) إلى ضرورة معايشة ما في هذه الآيات من توجيهات وعظات تساعدهم على تحقيق (السكن الزوجي) وما حمله من (مودة) و(رحمة).
والسؤال: هل تفعيل (آية الزواج) في إطار (منظومة العبودية) الخالصة لله تعالى، يمكن أن يتحقق في حالات (الزواج المختلط)؟!!
(الزواج المختلط) هو: (مسلم) مع (غير مسلمة) – و(مسلمة) مع (غير مسلم)!!
وللموضوع بقية ….