نحو إسلام الرسول

(235) 30/8/2014 (السرقة الفكرية – 2)

لقد لعبت شبكات التواصل الاجتماعي دورا خطيرا في عزل (التابعين) عن (المتبوعين)، وأصبحت العلاقة بين (المفكر) و(التابع) مجرد (إعجاب)، و(تعليق) إن أمكن، و(نشر) المنشور أحيانا، دون وجود علاقة مدرسية (دراسية) تربط الأطراف ببعضها!!
ولاشك أنه وسط هذه البيئة الفكرية (العشوائية) تنمو “السرقة الفكرية” وتكبر وتتعاظم، ويمكن لأي إنسان (جاهل) أن يصبح نجما، ومفكرا إسلاميا كبيرا، خلال فترة زمنية لا تزيد عن شهر!! فالموضوع سهل جدا!! عندك مئات المواقع الدينية، وآلاف الكتب، ومئات الصفحات لكبار العلماء والمفكرين…، تستطيع أن تجمع منها مادة علمية تكفيك لعشرات السنين، وتصبح مفكرا كبيرا، و(لا حد شاف، ولا حد دري)!!
إن المصيبة الكبرى، التي قد لا يعلمها كثير من المتابعين لهذه الصفحة، أن قضية “السرقة الفكرية” ليست في هذا المعنى السطحي الذي فهمه (السطحيون)، وتشنجوا من أجله!!
إن المصيبة الكبرى أن “السرقة الفكرية” يختلط فيها الحق بالباطل، فنرى المئات (يعجبون) بمفكر، لا يعلمون أن كثيرا مما أعجبهم (باطل)، والباقي (مسروق)!!
إن هذه الثقافة الدينية، التي يختلط فيها الحق بالباطل، وتتشربها قلوب (المعجبين)، يستحيل أن تقيم حضارة، ولا أن تصنع تقدما، لذلك سيظل المسلمون في ذيل ذيل الحضارة مدى الحياة!!
لقد سألني بعض أصدقاء الصفحة، عن الفرق بين مشروعي الفكري، والمشاريع الأخرى الخاصة بفلان وفلان وفلان…، وذلك لأنهم قبل أن أنشر الجزء الأول من موضوع “السرقة الفكرية”، كانوا يظنون أننا جميعا مشروع واحد!! وهذه هي المصيبة التي تحدثت عنها ولم يفهمها (الجاهلون)!!
لقد دفعني هذا السؤال، إلى أن أحكي لكم قصة، تظهر لكم من هو محمد مشتهري، الذي صنع مشروعه الفكري بجهده وعرقه، ولم يكن في يوم من الأيام تابعا لأحد، ليعلم الأصدقاء، بل والناس جميعا، أوجه الخلاف بيني وبين أصحاب المشاريع الأخرى !!
في المرحلة الأولى من رحلتي (من الإيمان الوراثي، إلى الإيمان العلمي)، والتي انتهت مع منتصف الثمانينيات، كنت أول من استخرج من كتب التفسير والحديث والفقه (على مستوى العالم الإسلامي) معظم الإشكالات التي يتداولها اليوم حملة راية التنوير، وتجديد الفكر الديني، والمطالبون بتنقية المناهج الدراسية من هذه الإشكالات!! والذي لا يعلم هذه الحقيقة التاريخية يدخل على شبكات التواصل الاجتماعي، ويكتب اسم محمد مشتهري، وسيعلم!!
ومن أهم ما تقدمت به لمجمع البحوث الإسلامية، وكان له أثره السلبي بعد ذلك على مسيرة والدي الدعوية، باعتباره إماما لأهل السنة، كانت دراسة تجيب على سؤال (لماذا القرآن؟!)، ذكرت فيها الأسباب التي دفعتني إلى القول بأن الإسلام هو القرآن وحده، وذلك بعد رحلة طويلة بين مئات كتب الفرق والمذاهب المختلفة!! ولقد كان من بين فصول هذه الدراسة فصل يحتوي على (300 حديث) من صحيح البخاري، كلها تسيء للإسلام وللنبي!!
ولقد كانت (دار الريان للتراث) تعلن في هذه الفترة (عام 1985-1986م) أنها بصدد إصدار أول طبعة جديدة لصحيح البخاري، فتصورت (حسب تفكيري الضيق) أنه من الممكن أن تُستبعد هذه الأحاديث من هذه الطبعة الجديدة، مع ذكر الأسباب التي دعت إلى هذا الاستبعاد.
ولقد طلبت من الشيخ عبد الله المشد، وكان وقتها رئيسا للجنة الفتوى بالأزهر، أن يتقدم هو بهذه الدراسة، في أول اجتماع لمجمع البحوث الإسلامية، حتى يمكننا أن نطلب من (الريان) استبعاد هذه الأحاديث من الطبعة الجديدة!!
وكانت المفاجأة، فعندما اتصلت بفضيلته لأعلم ماذا تم، قال لي بالحرف الواحد، لأن هذه الجملة يستحيل أن أنساها: (انت عايز تهد جبل اتبنى في ثلاثة عشر قرنا)؟! فقلت له ماذا حدث؟!! قال: قالوا لي: (يعني هوه انت مش عارف يا مولانا، إن أمهات كتب التراث كلها، مترجمة إلى جميع لغات العالم، وموجودة في جميع المراكز الإسلامية، ويستحيل تغيير حرف واحد منها؟!! وانتهت القضية!!
ولم يكن هذا هو الجهد الوحيد الذي بذلته في سبيل تنقية هذا التراث الديني، في منتصف الثمانينيات، وقد ساعدني على ذلك، مركز والدي الديني، كمدير عام للوعظ بالأزهر، وصداقته للشيخ عبد الله المشد، كرئيس للجنة الفتوى بالأزهر وقتها، والعالم الجليل الشيخ محمد الغزالي!! وإلى يومنا هذا، لم تغب عن ذهني هذه الجملة: “إنت عايز تهد جبل اتبنى في ثلاثة عشر قرنا”!!
فلماذا ذكرت هذه القصة، التي قد يعتبرها البعض (شخصنة) للمواضيع، ودخول في معارك جانبية؟! ذكرتها لأقول لهؤلاء الذين يقضون حياتهم الفكرية والدعوية في نقد التراث الديني، ومطالبة الأزهر بتنقية مناهجه الدراسية..، أقول لهم:
استيقظوا من نومكم (فحـلمكم طوّل قوي وباخ، وفي النهاية حتصحوا حتلاقيهم ضحكوا عليكم، وشالوا من المناهج إلي مش عجبكم، كما فعل الشيخ سيد طنطاوي، ولكنهم يستحيل يشيلوا كلمة واحدة من أمهات الكتب)!! استيقظوا من نومكم!!!
وفي هذه الفترة، خرج المغرضون السلفيون واعتلوا المنابر، وأثاروا الفتن، وأشاعوا الشبهات حولي وحول والدي، يقولون: كيف ينكر ابن إمام أهل السنة … “السنة”؟!! فما كان من والدي إلا أن أرسل (عام 1988م) بيانا إلى الصحف القومية (مرفق مع هذا المنشور)، يقول فيه: إن هذه الدراسة قد وردت إليه ليقوم بمراجعتها وتحقيقها، وقد أرسلها لابنه الكبير ليقوم بهذه المهمة، نظرا لانشغاله، ثم تقدم بها إلى علماء الأزهر، وهيئة كبار علماء الجمعية الشرعية، لإبداء الرأي فيها!!
ومع ذلك، لم تهدأ الدنيا ولم تقعد، فكيف يقول إمام أهل السنة، إن “حجية السنة” ستعرض على العلماء لإبداء الرأي فيها!! يقولون: هو احنا لسه حنعرض حجية السنة لإبداء الرأي فيها؟!!
ومنذ ذلك الوقت، (منتصف الثمانينيات)، وأنا لا أتحدث مطلقا عن التراث الديني، بأية صورة من الصور، إلا إذا طُلب مني دراسة معينة، أقوم بها وأنا كاره لها!!
لقد هجرت كل ما يتعلق بالتراث الديني (لجميع الفرق والمذاهب المختلفة)، وتفرغت تماما لتدبر كتاب الله، وتعليمه ودراساته (كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ)!!
لقد آمنت أن كل من انشغل بنقد التراث الديني لفرقته، وحاور وناظر علماءها، من أجل تنقيته، وإصلاح المناهج الدراسية التي قامت عليه، فهو تابع لهذه الفرقة، مؤمن بتراثها، وإن مات على ذلك، مات مشركا بالله تعالى!!
هل علمتم أيها السائلون، لماذا لا يقارن مشروع محمد مشتهري بأي مشروع آخر من هذه المشاريع (المسروقة)، التي لا يعلم (السارقون) قيمة ما (سرقوه)، ولا كيف يتعاملون معه، ولا كيف يعرضوه على الناس؟!! ألم تشاهدونهم يوميا وهم يُكرّرون ويعيدون ما سرقوه لأنهم لا يملكون غيره؟!
ولكن الأخطر من ذلك، أنهم بدأوا في استخدام المصطلحات الخاصة بي، والتي هي عصارة سهر الليالي، ولا ينسبونها إليّ، ثم الأخطر والأخطر هو استخدامهم لمنهجي في فهم القرآن، وما يحمله من أدوات، بأسلوبهم العشوائي، وبقراءاتهم الشاذة للقرآن، فيحرفون الكلم عن مواضعه، ولأنهم (سارقون) فلا يعلمون كيف يستخدمون الأدوات في مكانها الصحيح!!
يا أصدقاء الصفحة، ادرسوا منهج وأدوات محمد مشتهري جيدا، ومشروعه الفكري الذي بدأ نشره في أوائل الثمانينيات، وخاصة ما سميته بـ (منظومة التواصل المعرفي)، والفرق بينها وبين (التواتر العملي)، هذا الفرق الذي لا يعلمه (السارقون)، فتراهم يستخدمون هذا المصطلح استخداما عشوائيا…، ادرسوا كل هذا لتعلموا حقيقتهم!!
إن الذين يؤمنون بضرورة (تنقية التراث الديني)، عليهم أن ينقوا التراث الديني لجميع الفرق والمذاهب المختلفة، هذا إذا كانوا حقا يعملون من أجل الدفاع عن الإسلام!! وإذا كان الإسلام عندهم هو إسلام (أهل السنة والجماعة) وباقي الفرق كفار، فليعلنوا ذلك بصراحة!!
الحقيقة شيء غريب وعجيب، أن يغيب مفهوم (الوحدانية) عن الذين يدافعون عن (الإسلام)، وعن (السنة النبوية)، وعن (تنقية التراث الديني)!!
هل تعلمون أنكم لو اجتمعتم جميعا، يا أتباع الفرق والمذاهب المختلفة، علشان تتحدوا محمد مشتهري، في مشروعه هذا الفكري، وتقومون على قلب رجل واحد بتنقية تراثكم الديني، حسب هواكم طبعا، هل تعلمون أنكم قد قمتم بعمل ما أنزل الله تعالى به من سلطان، وستظلون فرقا ومذاهب، كما أنتم، ولكن في ثوبكم الجديد، بعد تنقية تراثكم الديني، وستدخلون جهنم كما وعدكم الله، فهو القائل عز وجل، مخاطبا رسوله والذين آمنوا معه:

“وَلا تَكُونُوا مِنْ (الْمُشْرِكِينَ)” – “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً” – “كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”!!

وكما قال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ”

تدبروا جيدا ما تحمله جملة (فِي شَيْءٍ) من تحذير للنبي، وطبعا هو تحذير أيضا للذين آمنوا معه، من التعامل مع “الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً”، بأية صورة من الصور (لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)!! فكيف نضيع جهودنا، وأوقاتنا، في عمل سندخل به جهنم؟!! في الحقيقة شيء لا يمكن أن أتصور أن يصدر عن عقلاء!!

والسؤال: هل يصح أن يحاور مشرك مشركين باسم (الدفاع عن الإسلام)؟!
طبعا احتمال يخرج علينا من يقول: “من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن كان من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا”؟!!

وللموضوع بقية ….

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى