نحو إسلام الرسول

(228) 23/8/2014 (الجزء الثالث من الحوار)

** الصحيفة:
هل تعتبر أن السلفيين أفسدوا التشريع الإسلامى؟!
** دكتور مشتهري:
إنها مصيبة كبرى، أن يصنع أئمة السلف بأيديهم مصدرا ثانيا للتشريع، ثم ينسبونه إلى الله تعالى، ويوظفون الآيات القرآنية لإثبات أنه وحي من الله تعالى، بعد ذلك يُكفرون من ينكره!! شيء عجيب ومضحك!!!
لقد ذهبت إلى فضيلة الدكتور عبد الله المشد (وكان وقتها يشغل منصب رئيس لجنة الفتوى بالأزهر)، ووضعت هذه الدراسة «نحو تأصيل الفكر الإسلامى» بين يديه، وقلت له: لقد كفروا الشيخ الغزالى، فأرجو من فضيلتكم توزيع هذه الدراسة على أعضاء لجنة الفتوى، وسأرسل لكم سؤالا حول هذه الأزمة التكفيرية، وأرجو أن أتلقى الرد عليه بصورة رسمية!!
كان السؤال هو: “ما حكم من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، هل يُعد كافرا”؟!!
وجاءت الإجابة: “من أنكر استقلال السنة بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر لشىء اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، فلا يعد كافرا”!!
ولقد ذهبت بهذه الفتوى إلى الشيخ محمد الغزالى، وكم كان سعيدا بها، وأخبرنى أنه يكتب كتابا للرد على التكفيريين السلفيين، بعنوان “تراثنا الفكرى فى ميزان الشرع والعقل”، وأنه من الضرورى أن يتضمن الكتاب هذه الفتوى، وفعلا وضعها فى الفصل التاسع، تحت عنوان “على هامش السنة”، ص 175، والكتاب من إصدار دار الشروق.
** الصحيفة:
تبدو متحاملا نوعا ما على أنصار وجود مصدر ثان للتشريع إلى جانب القرآن؟!
** دكتور مشتهري:
أنا لا أتحامل على أحد، لأن الذي بيني وبين الناس جميعا هو (العلم)، و(الحجة والبرهان). أما المفلسون (علميا وفكريا وعقليا) فهم الذين يتهمونني بأني أقوم بعمل إرهاب فكري لمن يخالفني الرأي!! وده شيء طبيعي!! إمال يعني انت متصور إن المفلس حيقول إيه!!!
لقد قرأت واستمعت لمعظم ما قيل من العلماء (وليس من أذنابهم) وهم يدافعون عن هذه (السنة النبوية المفتراة)، فما وجدت إلا كلاما مرسلا، وتقولا على الله تعالى بغير علم، ونظرة تخاصمية تكفيرية للمخالف لهم فى المذهب!!
فقلت فى نفسى: لماذا لا يضع كل متحدث باسم الإسلام فى اعتباره أن هناك متحدثين من علماء الفرق الأخرى، يخالفونه “عقديا وتشريعيا” فى محتوى مصدره الثانى للتشريع، فلكل فرقة مصدرها التشريعى الخاص بها؟!
لماذا لا يتحلى علماء الفرق والمذاهب المختلفة بالشفافية، ويعلن كل واحد منهم تكفيره للمخالف له فى المذهب، “فيستريحون ويريحون”؟! أليست هذه هى الحقيقة، التى يشهد بها التاريخ الإسلامى، ونراها بأعيننا اليوم؟! ألا يتقون الله ويخافونه؟!
** الصحيفة:
لماذا لم تتقدم بدارستك هذه إلى “مجمع البحوث الإسلامية” وهو الجهة التي يمكنها أن تُقيّم دراستك هذه من الناحية العلمية؟!
** دكتور مشتهري:
مجمع البحوث الإسلامية تابع لفرقة أهل السنة والجماعة، وطبعا سيُقيّم دراستي بناء على عقيدة أهل السنة، وأنا دراستي لا تخاطب فرقة بعينها، بل وتتهم كل الفرق بما اتهمهم به القرآن، وهو: “وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ” – “مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ”!! لذلك عندما وصلتهم هذه الدراسة صادروها، وسجنوني، باسم (الإسلام) وتحت راية الدفاع عن (السنة النبوية)، وهذا لا يحق لهم لا شرعا ولا منطقا!!
** الصحيفة:
فى رأيك لماذا يتورط مجمع البحوث الإسلامية فى اتهامات ازدراء الأديان وإنكار السنة؟!
** دكتور مشتهري:
عندما يصدر مجمع البحوث الإسلامية قرارا باتهام شخص بإنكار هذه (السنة النبوية المفتراة)، فهل يصدر هذا الاتهام باسم «الإسلام»، أم باسم مذهب “هل السنة والجماعة”؟!
إن كل فرقة من الفرق الإسلامية تدعى أنها الفرقة الناجية، حسب توظيف روايات هذه (السنة النبوية المفتراة)، ولا شك أن فرقة أهل السنة، التابع لها مجمع البحوث الإسلامية، ترى أنها الفرقة الناجية، وأنها وحدها المتحدثة باسم الإسلام، ولذلك يصدر المجمع اتهاماته باسم الإسلام، لأنه لو أصدرها باسم “فرقة أهل السنة” لن تكون لها نفس القدسية كما لو أنها صدرت باسم “الإسلام”، واتباعا لـ “السنة النبوية”، كما تفعل اليوم الجماعات الجهادية التكفيرية، عندما تذبح المخالفين لها باسم (الإسلام)، وتنفيذا لأحكام وتوجيهات “السنة النبوية”!!
لذلك أنا أسأل: لقد تفرق المسلمون بعد أحداث الفتن الكبرى، إلى فرق ومذاهب عقدية وتشريعية متخاصمة متقاتلة، فعلى أى أساس منطقى، قبل أن يكون شرعيا، يحق لعلماء أى فرقة أن يدعوا أنهم أتباع الفرقة الناجية، وأنهم المتحدثون باسم الإسلام، ويصدروا الاتهامات بالردة والتكفير وإنكار السنة على كل من تسول له نفسه المساس بهذا المصدر التشريعى الثانى، وبهذه (السنة النبوية) التي صنعوها بأيديهم؟!
** الصحيفة:
وهل المادة الثانية للدستور، تسمح لمجمع البحوث الإسلامية، باتهام أصحاب الرأي المخالف لمذهبهم الديني، ووضعهم في السجون؟!!
** دكتور مشتهري:
إن المادة الثانية من الدستور المصرى، تنص على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع»، فهل روايات الرواة «الظنية الثبوت» عن رسول الله، من مبادئ الشريعة الإسلامية، حتى نكفر من ينكرها، أو نتهمه بأي اتهام، أو نصادر له أي رأي…، حتى يتورط مجمع البحوث الإسلامية فى ذلك؟!
هل يعلم أعضاء مجمع البحوث الإسلامية، أن السلفيين أصروا على تغيير المادة الثانية من دستور (التحالف الإخواني السلفي)، لتكون “مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة”، ليتمكنوا من إسكات صوت كل مخالف لمذهب أهل السنة والجماعة، وإن لزم الأمر سجنه، أو قتله بدعوى إنكاره لما هو معلوم من الدين بالضرورة…، الأمر الذي يريدون أن يفعلوه هم أيضا اليوم مع المنكرين لمرويات مصدرهم الثاني للتشريع المذهبي؟!!
لقد أصر وا على تغييرها لتكون لهم سندا في إثبات حجية هذا المصدر الثانى للتشريع المذهبي، وليكون لهم الحق أن يفعلوا ما بدا لهم من مصائب وانتهاكات للحرمات، وتشريعات ما أنزل الله بها من سلطان، (باسم الدستور)!!
لذلك أنا أستعجب: كيف نتحدث عن الشريعة «الإسلامية»، فى أول المادة، ونقول: “مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع”، ثم نأتي ونحولها إلى شريعة “أهل السنة والجماعة؟! ولماذا لا تكون شريعة «الشيعة»، أو «المعتزلة»… أم أن هذه الفرق ليست “إسلامية”؟!! اعلنوها صراحة … ونخلص!!!
** الصحيفة:
ما خطورة تمسك البعض بحتمية التعامل مع السنة كمصدر ثان للتشريع؟!
** دكتور مشتهري:
إننا نواجه تحديات عالمية تريد أن تنال من الإسلام، ومن المسلمين، ومعظم ما تحمله هذه التحديات من شبهات وإشكاليات يُهاجم بسببها الإسلام، ليست بسبب النص القرآنى المحفوظ بحفظ الله له، وإنما بسبب هذا المصدر الثانى للتشريع، وما حمله من روايات (السنة النبوية) ما أنزل الله بها من سلطان، أو من فهم معوج لآيات الذكر الحكيم، محكوم بمتون هذه الروايات!!
لقد عاش المسلمون مع رسول الله “أمة واحدة”، لم يعرفوا فُرقة ولا مذهبية، ولا حديثا صحيحا ولا ضعيفا، ولا جرحا ولا تعديلا!! ولقد توفى رسول الله تاركا للناس “آية قرآنية” صالحة لكل زمان ومكان، وترك لهم كيفيات الأداء العملى لما أجملته نصوص هذه “الآية القرآنية” من أحكام، يتعلمها المسلمون بالتقليد والمحاكاة، جيلا بعد جيل، نقلا عن صحابته.
فماذا حدث بعد ذلك؟! إن الذى حدث قد بينته الدراسة التى أرسلتها إلى لجنة الفتوى بالأزهر عام 1990م، وعلى أساسها أصدرت فتواها، بعد أن ذكرت حيثياتها، فقالت:
وعلى هذا، “فمن أنكر (استقلال السنة) بإثبات الإيجاب والتحريم، فهو منكر لشىء اختلف فيه الأئمة، ولا يعد مما علم بالضرورة، (فلا يعد كافرا)”.
** الصحيفة:
إذا أردنا تعريفا للسنة النبوية فماذا نقول؟!
** دكتور مشتهري:
إن (السنة النبوية)، ليست تراثا روائيا مذهبيا، تتخذه كل فرقة لتدعيم توجهاتها المذهبية المختلفة، وإنما هي (حقيقة قرآنية)، تقوم على تفعيل المسلمين لذات (النص القرآني)، وفق إمكاناتهم العلمية والمعرفية، على مر العصور.
انتهى الحوار…

أحدث الفيديوهات
YouTube player
تعليق على مقال الدكتور محمد مشتهري (لا تصالحوهم ولا تصدقوهم)
* خالد الجندي يتهم ...
محمد هداية لم يتدبر القرآن
لباس المرأة المسلمة
فتنة الآبائية
الأكثر مشاهدة
مواقع التواصل الإجتماعى